ذكر توجههما طالبين المدينة وما جرى لهما في الطريق ومقدمهما
صفحة 1 من اصل 1
ذكر توجههما طالبين المدينة وما جرى لهما في الطريق ومقدمهما
ذكر توجههما طالبين المدينة وما
جرى لهما في الطريق ومقدمهما المدينة وما يتعلق بذلك
عن البراء بن عازب قال اشترى أبو بكر من عازب رجلاً
بثلاثة عشر دراهماً فقال أبو بكر لعازب مر البراء فليحمله إلى أهلي فقال عازب لا
حتى تحدثني كيف صنعت أنت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجتما من مكة
والمشركون يطلبونكما فقال ارتحلنا من مكة فأحيينا ليلتنا حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة
رميت ببصري هل أرى ظلاً نأوي إليه فإذا أنا بصخرة فانتهيت إليها فإذا بقية ظلها
فسويته ثم فرشت للنبي صلى الله عليه وسلم ثم قلت اضطجع يا رسول الله فاضطجع ثم
ذهبت أنظر هل أرى من الطلب أحداً فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصخرة يريد
منها مثل الذي نريد يعني الظل فسألته فقلت لمن أنت يا غلام فقال الغلام لفلان رجل
من قريش فعرفته فقلت هل في غنمك من لبن قال نعم فقلت هل أنت حالب لي قال نعم
فأمرته فاعتقل شاة من غنمه وأمرته أن ينفض عنها من الغبار ثم أمرته أن ينفض كفيه
فقال هكذا فضرب إحدى يديه على الأخرى فحلب لي كثبة من لبن وقد رويت ومعي لرسول
الله صلى الله عليه وسلم أداوة على فمها خرقة فصببت على اللبن حتى برد أسفله
فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافيته قد استيقظ فقلت اشرب يا رسول
الله فشرب فقلت قد آن الرحيل يا رسول الله فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا
أحد منهم غير سراقة بن جعشم على فرس له فقلت هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله
فبكيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحزن إن الله معنا فلما دنا منا وكان
بيننا وبينه قدر رمحين أو ثلاثة قلت هذا الطلب يا رسول الله وبكيت فقال ما يبكيك
قلت ما والله على نفسي أبكي ولكن أبكي عليك فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال اللهم اكفناه بما شئت قال فساخت فرسه في الأرض إلى بطنها فوثب عنها ثم
قال يا محمد قد علمت أن هذا عملك فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه فوالله لأعمين
على من درائي من الطلب وهذه كنانتي خذ منها سهماً فإنك ستمر على إبلي وغنمي في
مكان كذا وكذا فخذ منها حاجتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حاجة لنا في
إبلك ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق راجعاً إلى أصحابه ومضى رسول
الله صلى الله عليه وسلم حتى أتينا المدينة ليلاً فتنازعه القوم أيهم ينزل عليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أنزل الليلة
على بني النجار أخوال بني عبد المطلب أكرمهم بذلك فخرج الناس حين قدمنا المدينة في
الطريق وعلى البيوت من الغلمان والخدم يقولون جاء محمد جاء رسول الله صلى الله
عليه وسلم فلما أصبح انطلق فنزل حيث أمر. قال البراء وكان أول من قدم علينا من
المهاجرين مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار بن قصي فقلنا له ما فعل رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال هو في مكانه وأصحابه على أثري ثم أتى بعده عمر بن أم مكتوم
الأعمى أخو بني فهر فقلنا ما فعل من وراءك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
قال هم الآن على أثري ثم أتى بعده عمار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن
مسعود وبلال ثم أتانا عمر بن الخطاب في عشرين راكباً ثم أتى رسول الله صلى الله
عليه وسلم بعدهم وأبو بكر معه. قال البراء فلم يقدم علينا رسول الله صلى الله عليه
وسلم حتى قرأ عشراً من المفصل ثم خرجنا تلقاء العير فوجدناهم قد حذروا أخرجه
بتمامه أبو حاتم وأخرجه الشيخان وغيرهما من حديث الهجرة إلى بلوغ المدينة. وفي
رواية مكان ساخت فرسه فارتطم فرسه إلى بطنه فقال قد أعلم أنكما قد دعوتما علي
فادعوا لي ولكما أن أرد عنكما الناس ولا أضركما قال فدعوا له فخرجت به الفرس فرجع
فوفى للنبي صلى الله عليه وسلم وجعل يرد الناس. وقد ذكر ابن إسحاق أن أول من هاجر
إلى المدينة أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي هاجر إليها قبل بيعة العقبة
حين آذته قريش عند مقدمه من الحبشة فبلغه إسلام من أسلم من الأنصار فخرج إليهم
مهاجراً ثم هاجر بعده عامر بن ربيعة حليف بني كعب بن عدي وامرأته ليلى بنت أبي
حيثمة ثم عبد الله بن جحش احتمل بأهله وأخيه عبد الرحمن بن جحش وهو أبو أحمد وكان
أبو أحمد رجلاً ضرير البصر وكان يطوف مكة أعلاها وأسفها بغير قائد وكان شاعراً ثم
قدم المهاجرون أرسالاً ولا تضاد بينه وبين ما تقدم فيكون أول من قدمها مطلقاً أبو
سلمة وأول من هاجر بعد بيعة الأنصار مصعب بن عمير كما تقدم وأما من ذكره ابن
إسحاق بعد أبي سلمة فجائز أن يكون أيضاً قبل العقبة كأبي سلمة وجاز أن يكون بعدها
بعد مصعب بن عمير ولم يبلغ ابن إسحاق مهاجر مصعب قبله والله أعلم.ا تقدم وأما من
ذكره ابن إسحاق بعد أبي سلمة فجائز أن يكون أيضاً قبل العقبة كأبي سلمة وجاز أن
يكون بعدها بعد مصعب بن عمير ولم يبلغ ابن إسحاق مهاجر مصعب قبله والله أعلم.
شرح: أظهرنا أي دخلنا في الظهيرة وقائم الظهيرة عبارة عن
اشتدادها وكذلك حر الظهيرة وقوله هل أنت حالب لي قال نعم هذا محمول على أنه عرف
مالكها وعلم أنه يرضى بتصرفه لصداقة بينهما أو على أن قوله هل أنت حالب لي أراد به
هل أذن لك في ذلك أو على أن ذلك مستفاض بين العرب لا يرون بأساً على محتاج يتناول
من لبن ماشيتهم ويبيحون ذلك لرعيانهم أو على إباحة ذلك لمضطر لا يجد غير مال الغير
وقد يكون الحال كذلك على أن بعض العلماء لم يشترط الضرورة وأباح ذلك للمسافر وإن
لم يكن مضطراً واستدل بحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا مر
أحدكم بإبل فأراد أن يشرب فليناد يا راعي الإبل فإن أجابه وإلا فليشرب أو على
استباحة أموال المشركين على أنه قد روي ما يضاد هذا الحديث في الظاهر. عن زر عن
عبد الله بن مسعود قال كنت غلاماً يافعاً في غنم لعقبة بن أبي معيط أرعاها فأتى
علي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فقال يا غلام هل معك من لبن قلت نعم ولكني
مؤتمن قال فقال ائتني بشاة لم ينز عليها الفحل فأتيته بعناق فاعتزلها رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثم جعل يمسح الضرع ويدعو حتى أنزلت فأتاه أبو بكر بشيء فاحتلب
فيه ثم قال لأبي بكر اشرب فشرب أبو بكر ثم شرب النبي صلى الله عليه وسلم بعده ثم
قال للضرع اقلص فقلص فعاد كما كان قال ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا
رسول الله علمني من هذا الكلام أو من هذا القرآن فمسح رأسي وقال إنك غلام معلم
فلقد أخذت من فيه سبعين سورة ما نازعني فيها بشر أخرجه أبو حاتم ابن حبان. وفي
رواية أرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط بمكة فأتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبو بكر وقد فرا من المشركين فقالا يا غلام عندك من لبن تسقينا قلت إني مؤتمن
ولست بساقيكما فقالا هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل بعد قلت نعم وأتيتهما بها
فاعتقلها أبو بكر وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الضرع ودعا فحفل الضرع وأتاه
أبو بكر بصخرة منقعرة فحلب فيها ثم شرب هو وأبو بكر ثم سقياني ثم قال للضرع اقلص
فقلص. وفي رواية قال يا غليم مكان يا غلام ثم ذكر معنى ما بعده وقال فأتيته بشاة
شطور لم ينز عليها الفحل والشطور الذي ليس لها إلا ضرع واحد فمسح رسول الله صلى
الله عليه وسلم مكان الضرع وما لها ضرع فإذا ضرع حافل مملوء لبناً فأتيت النبي صلى
الله عليه وسلم بصخرة منقعرة فاحتلب ثم سقى أبا بكر وسقاني ثم قال للضرع اقلص فرجع
كما كان فأنا رأيت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول الله علمني
فمسح رأسي وقال بارك الله فيك فإنك غلام معلم فأسلمت فأتيت النبي صلى الله عليه
وسلم فبينما نحن عنده على حراء إذا نزلت عليه "والمرسلات" أخرجه
الطبراني في معجمه وخرج منه الغساني في معجمه قوله كنت أرعى غنماً لعقبة بن أبي
معيط فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا غلام هل من لبن فقلت نعم ولكني
مؤتمن. والظاهر أن هذه قضية غير تلك اتفقت لهما في بعض أسفارهما قبل الهجرة ألا
ترى إلى اختلاف قول الراعيين واختلاف الحالبين واختلاف ما حلبا فيه. ويؤيد ذلك
قوله بعد إسلامه وإتيانه إليه فبينما نحن عنده على حراء وأنه نزلت عليه سورة
"والمرسلات" هذا فيه أبين البيان بأن ذلك قبل الهجرة فإنه بعد الهجرة لم
يأت مكة إتياناً يتمكن فيه من إتيان حراء وسورة المرسلات مما نزل بمكة قبل الهجرة
وقوله في هذا الحديث يافعاً أي مرتفعاً من اليفاع وهو ما ارتفع من الأرض وأيفع
الغلام أي ارتفع فهو يافع ولا يقال موفع وهو من النادر قاله الجوهري وذكر الفراء
في حدوده أنه يقال يفع الغلام وحكاه ثابت عن أبي عبيدة في خلق الإنسان وقوله فيه
لم ينز عليها الفحل أي لم تضرب ولم يواقعها الفحل تقول نزا نزاء بالكسر يقال ذلك
في الحافر والظلف والسباع ونزاه غيره ونزاه وأما النزا بالضم فهو داء يأخذ الشاة
فتنزوي منه حتى تموت حفل الضرع جمع والتحفيل التصرية صخرة منقعرة أي ذات قعر من
التقعير والتعمق ورأيتها في الحديث مقيدة بالنون ولا معنى له هنا فإن المنقعر
المنقلع ومنه أعجاز نخل منقعر قلص ارتفع والشطور قد فسرها في الحديث وقوله فمسح
صلى الله عليه وسلم مكان الضرع وما لها ضرع بعد قوله لها ضرع واحد يريد به والله
أعلم مكان الضرع الآخر وما لها فيه ضرع وإلا تضاد أول الحديث وآخره فقد تضمن
هذا الحديث أن سورة المرسلات نزلت بحراء وسورة المرسلات مما نزلت بمكة قبل الهجرة
وقد جاء في المتفق عليه من الصحيحين عن عبد الله قال بينا نحن عند رسول الله صلى
الله عليه وسلم في غار بمنى إذا نزلت عليه والمرسلات وإنه ليتلوها وإني لأتلقاها
من فيه وعن فاه لرطب بها إذ وثبت علينا حية فقال رسول الله صلى الله عيه وسلم
اقتلوها فابتدرناها لنقتلها فسقتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيت شركم
ووقيتم شرها.الحديث وآخره فقد تضمن هذا الحديث أن سورة المرسلات نزلت بحراء وسورة
المرسلات مما نزلت بمكة قبل الهجرة وقد جاء في المتفق عليه من الصحيحين عن عبد
الله قال بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار بمنى إذا نزلت عليه
والمرسلات وإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه وعن فاه لرطب بها إذ وثبت علينا حية
فقال رسول الله صلى الله عيه وسلم اقتلوها فابتدرناها لنقتلها فسقتنا فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم وقيت شركم ووقيتم شرها.
وقوله بمنى للبخاري دون مسلم وهذا أصح وأثبت
وقوله في حديث البراء فاعتقل شاة وهو أن يضع رجليها بين فخذه
وساقه ليحلبها واعتقل رمحه إذا جعله بين ساقه وركابه وكأنه جعل له ذلك عقالاً وفي
أمره بنفض الضرع ونفض اليد وفرشه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتسويته الأرض
دليل على التوسعة في مثل هذه الرفاهية ونحوها الكثبة من اللبن قدر حلبة الأداوة
المطهرة والجمع أداوى وقوله فصببت على اللبن حتى برد أسفله يجوز أن يريد أنه صب
على ظاهر الإناء فبرد أسفله لاستقرار الماء في أسفله وإلا فكان يبرد كله لو صب فيه
نفسه وعلى هذا دل بعض ألفاظ الحديث ويجوز أن يكون صب على اللبن نفسه وإنما خص
أسفله بالبرد لأن الماء يغوص في اللبن فيلابس أسفله منه لما لا يلابس أعلاه فيكثر
البرد في أسفله ويترجح هذا باقتضاء الحال فإنها حالة جوع وحاجة إلى شربه وصب الماء
فيه نفسه أسرع لتسكين حرارته وبرده الطب جمع طالب فساخت أي دخلت فيها تقول ساخ يسوخ
ويسيخ وارتطمت بمعناه تقول رطمته فارتطم أي أدخلته في أمر لا مخرج له منه لا عمين
أي لألبسن وعمي عليهم الأمر التبس الكنانة التي تجمع فيها السهام العير بالكسر
الإبل تحمل الميرة ويجوز أن يجمع على عيرات فتنازعوا أي قبائل الأنصار بني النجار
أخوال عبد المطلب كان هاشم تزوج امرأة من بني النجار فولدت عبد المطلب فلذلك كانوا
أخواله واسم المرأة سلمة بنت زيد بن خراش بن أمية بن أسد بن عامر بن غنم بن عدي بن
النجار ويسمى زيد مناة وعن الزهري أنها سلمى بنت عمرو بن زيد وفي هذا الحديث أن
ارتحالهم كان من مكة أنهم أحيوا ليلتهم بالسرى ولم يتضمن ذكر الغار كما تقدم. وقد
جاء في الصحيح أن أبا بكر قال ارتحلنا من الغار والقوم يطلبوننا فلم يدركنا منهم
أحد غير سراقة بن مالك على فرس له وذكر الحديث ولا تضاد بينهما وكان ارتحالهم
المتصل بإحياء الليلة من الغار وأطلق عليه ارتحالاً من مكة لأن الغار في ثور كما
تقدم وهو جبل في الحرم قريب من مكة فأطلق على الارتحال منه ارتحال من مكة لقربه أو
لكونه من الحرم ومنه أن الله حرم مكة والمراد الحرم. وعن حبيش بن خالد صاحب رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة خرج منها
مهاجراً إلى المدينة هو وأبو بكر ومولى لهم عامر بن فهيرة ودليلهما الليث بن عبد
الله بن الأريقط مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية وكانت برزة جلدة تختبئ بفناء
القبة ثم تسقي وتطعم فسألوها تمراً ولحماً يشترونه منها فلم يصيبوا عندها من ذلك
شيئاً وكان القوم مرملين مسنتين فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر
الخيمة فقال ما هذه الشاة يا أم معبد قالت خلفها الجهد عن الغنم قال هل بها من لبن
قالت هي أجهد من ذلك قال أتأذنين لي أن أحلبها قالت نعم بأبي أنت وأمي إن رأيت بها
حلباً فاحلبها فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده ضرعها وسمى الله
ودعا لها في شاتها فتفاجت عليه ودرت ودعا بإناء يربض الرهط فحلب ثجاً حتى علاه
إليها ثم سقاها حتى رويت ثم سقى أصحابه حتى رووا ثم شرب آخرهم ثم حلب ثانياً بعد
بدء حتى ملأ الإناء ثم غادره عندها وبايعها وارتحلوا يعني عنها فقل ما لبثت حتى
جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزاً عجافاً تساوكن هزلاً مخهن قليل. فلما رأى أبو معبد
اللبن عجب وقال من أين لك هذا يا أم معبد والشاة عازب حيال ولا حلوب في البيت قالت
لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا قال صفيه لي يا أم معبد قالت
رجل ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة ولم تزر به صعلة وسيم قسيم في
عينيه دعج وفي أشفاره وطف وفي وصوته صحل وفي عنقه سطع وفي لحيته كثاثة أزج أقرن إن
صمت فعليه الوقار وإن تكلم سما وعلاه البهاء أجمل الناس وأبهاه من بعيد وأحسنه
وأحلاه من قريب حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن ربعة لا
بائن من طول ولا تقتحمه عين من قصر غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظراً وأحسنهم
قدراً له رفقاء يحفون به إن قال أنصتوا لقوله وإن أمر تبادروا لأمره محفود محشود
لا عابس ولا مفند قال أبو معبد فهذا والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر
بمكة ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن عن وجدت لذلك سبيلاً وأصبح صوت بمكة عال يسمعون
الصوت ولا يدرون من صاحبه وهو يقول:
خرجه الحافظ أبو القاسم في الأربعين الطوال.
شرح: مرملين أين نفذت أزوادهم مسنتين أي دخلوا في السنة ويروى مشتين أي دخلوها في
الشتاء وكسر الخيمة جانبها وتفاجت فتحت ما بين رجليها ويربض الرهط أي يرويهم حتى
يثقلوا فيربضوا والثج السيلان والبها بهاء اللبن وهو وبيص رغوته وتساوكن هزلاً أي
تمايلن ويروى تشاركون من المشاركة أي تساوين في الهزال وغادره أبقاء والشاة عازب
أي بعيد في الرعي والأبلج المشرق الوجه المضيئة والحيال جمع حائل وهي التي لم تحمل
والوضاءة الحسن والثجلة عظم البطن والصعلة صغر الرأس ويروى ثجلة بالضم وهي الضمرة
والدقة وصقلة الخاصرة يعني أنه غير طويل الخاصرة والوسيم الحسن وكذلك القسيم
والدعج السواد في العين والوطف الطول والصحل البحة والسطع الطول والكثاثة كثرة
الشعر والأزج الرقيق طرف الحاجبين والأقرن المقرون الحاجبين بخلاف ما في حديث غيره
والنزر القليل والهذر الكثير من الكلام فكلامه وسط وتقتحمه تحتقره يعني أنه بين
الطويل والقصير والمحفود المخدوم والمحشود الذي عنده حشد وهو الجماعة والعابس من
عبوس الوجه والمفند الذي يكثر اللوم وهو التفنيد ويروى معتد من العداء وهو الظلم
والصريح الخالص والضرة لحمة الضرع وفي رواية فتحلبت له بصريح وهو الصواب وغادرها
أي خلف الشاة عندها مرتهنة بأن تدر والله أعلم. وعن عبد الرحمن بن عويمر بن ساعدة
قال حدثني رجال من قومي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال لما سمعنا بمخرج
النبي صلى الله عليه وسلم من مكة وتوكفنا قدومه كنا نخرج إذا صلينا الصبح إلى ظهر
حرتنا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على
الظل فإذا لم نجد ظلاً دخلنا وذلك في أيام حارة حتى إذا كان اليوم الذي قدم فيه
رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسنا كما كنا نجلس حتى إذا لم يبق ظل دخلنا بيوتنا
فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلنا البيوت فكان أول من رآه رجل من
اليهود وقد رأى ما كنا نصنع وإنا ننتظر قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرخ
بأعلى صوته يا بني قيلة هذا جدكم قد جاء فخرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو في ظل نخلة ومعه أبو بكر وأكثرنا لم يكن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل
ذلك وركبه الناس وما يعرفونه من أبي بكر حتى إذا زال الظل عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقام أبو بكر فأظله بردائه فعرفناه عند ذلك خرجه ابن إسحاق بهذا السياق
ومعناه عند الشيخين.
شرح: قيلة هذه هي أم الأوس والخزرج وهما جماعة الأنصار أمهما
قيلة بنت كامل ابن عذرة بن سعد بن هزيم من قضاعة بها يعرفون جدكم أي حظكم وغناكم
من الجد الحظ ركبه الناس أي ازدحموا عليه حتى كادوا يركبونه. عن أنس قال أقبل
النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأبو بكر شيخ يعرف والنبي صلى الله عليه وسلم
شاب لا يعرف فيلقى الرجل أبا بكر فيقول يا أبا بكر من هذا الذي بين يديك فيقول
يهديني السبيل فيحسب الحاسب أنه يهديه الطريق وإنما يعني سبيل الخير فالتفت أبو
بكر فإذا هو بفارس قد لحق بهم فقال يا رسول الله هذا فارس قد لحق بنا فالتفت النبي
صلى الله عليه وسلم وقال اللهم اصرعه فصرعه فرسه ثم قامت تحمحم فقال يا نبي الله
مرني بما شئت فقال قف مكانك لا تتركن أحداً يلحق بنا فقال فكان أول النهار جاهداً
على نبي الله صلى الله عليه وسلم وكان آخر النهار مسلحة له فنزل النبي صلى الله
عليه وسلم جانب الحرة ثم بعث إلى الأنصار فجاءوا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم
فسلموا عليهما وقالوا اركبا آمنين مطاعين فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبو
بكر وحفوا دونهما بالسلاح فقيل بالمدينة جاء نبي الله فأقبل يسير حتى نزل جانب دار
أبي أيوب فقال النبي صلى الله عليه وسلم أي بيوت أهلها أقرب قال أبو أيوب يا نبي
الله هذه داري وهذا بابي قال فانطلق فهيأ لنا مقيلاً قال قوماً على بركة الله خرجه
البخاري. شرح ظاهر قوله وأبو بكر شيخ يعرف يدل على أنه كان أسن من النبي صلى الله
عليه وسلم والمعروف عند أهل الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أسن منه بمدة
خلافته وسيأتي بيان ذلك إن شاء تعالى أو لعله يريد بشيخ يعرف أي كبير في قومه رئيس
معهم معروف. وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث عن أنس ارتدف النبي صلى الله عليه وسلم
خلف أبي بكر فكان إذا مر بالملأ من قريش قالوا يا أبا بكر من هذا الرجل فيقول هذا
رجل يهديني السبيل خرجه الحلواني على شرط الصحيح. وفي بعضها إن أبا بكر كان رديف
النبي صلى الله عليه وسلم وكان أعرف بذلك الطريق فيراه الرجل يعرفه فيقول يا أبا
بكر من هذا الغلام بين يديك فيقول هذا يهديني السبيل حديث صحيح وأكثر الروايات على
أنه كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعضها قالوا من هذا يا أبا بكر الذي
تعظمه هذا الإعظام قال هذا يهديني الطريق وهو أعرف به مني. وقد جاء أن أبا بكر كان
مردفاً عامر بن فهيرة مولاه يخدمهم فكانوا أربعة بالدليل ولا تضاد بينهما إذ قد
يكون ارتدف خلف النبي صلى الله عليه وسلم وارتدف النبي صلى الله عليه وسلم خلفه في
بعض الطريق لعارض اقتضى ذلك والله أعلم. وعن أنس قال إني لأسعى في الغلمان تقول
جاء محمد فأسعى فلا أرى شيئاً حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو
بكر الصديق فكمنا في بعض خراب المدينة ثم بعثا رجلاً من أهل البادية ليؤذن الأنصار
فاستقبلهما زهاء خمسمائة من الأنصار حتى انتهوا إليهما فقالت الأنصار انطلقوا
آمنين مطاعين فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه بين أظهرهم فخرج أهل
المدينة حتى إن العواتق لفوق البيوت يتراءين يقلن أيهم هو أيهم هو قال فما رأينا
منظراً شبيهاً بيومئذ. قال أنس فلقد رأيته يوم دخل علينا ويوم قبض فلم أر يومين
شبيهاً بهما أخرجه في فضائله وقال صحيح. وفي رواية أنهم نزلوا بالحرة وأرسلوا إلى
الأنصار فجاءوا فقالوا قوماً آمنين مطاعين. قال أنس فوالله ما رأيت يوماً أضوأ ولا
أنور ولا أحسن من يوم دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رأيت يوماً أظلم
ولا أقبح من يوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجهما في فضائله.
شرح: كمنا أي اختفيا ومنه الكمين في الحرب زهاء خمسمائة أي قدرها وعن بريدة بن
الحصيب الأسلمي قال لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من مهاجره لقي ركباً
فقال يا أبا بكر سل القوم من هم فسألهم فقالوا من بني سهم فقال رمى بسهمك يا أبا
بكر حديث حسن. وعن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم
المدينة تلقاه المسلمون بظهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عامر
بن عوف وذلك يوم الاثنين في شهر ربيع الأول فقام أبو بكر للناس وجلس النبي صلى
الله عليه وسلم صامتاً فطفق من جاء من الأنصار من لم ير رسول الله صلى الله عليه
وسلم يجيء أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر
حتى ظلل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه فعرف الناس رسول الله صلى الله
عليه وسلم عند ذلك خرجه البخاري. وعن ابن الفضل ابن الحباب الجمحي قال سمعت ابن
عائشة يقول أراه عن أبيه قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جعل
الصبيان والنساء والولائد يقولون:
خرجه الحلواني على شرط الشيخين. قال ابن إسحاق نزل رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون على كلثوم بن هدم أخي عمرو بن عوف ويقال بل على
سعد بن خيثمة لأنه كان عزباً لا أهل له ونزل أبو بكر على حبيب بن عساف أخي بني الحارث
بن الخزرج بالسنح ويقال على خارجة بن زيد أخي بني الحارث بن الخزرج قال فأقام رسول
الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين والثلاث والأربع والخميس
ثم خرج عنهم يوم الجمعة فأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي
في بطن الوادي فهي أول جمعة صليت بالمدينة ثم لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم
يمر بأحياء الأنصار حي بعد حي وكلما مر على حي قاموا إليه فقالوا يا رسول الله أقم
عندنا العدد والعدة والمنعة وهو يقول خلوا سبيلها يعني الناقة فإنها مأمورة. حتى
إذا أتت بني مالك بن النجار بركت على باب مسجده صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ مربد
لغلامين يتيمين من بني النجار ثم من بني مالك. فلما بركت الناقة ورسول الله صلى
الله عليه وسلم لم ينزل عنها وثبت وسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله ليه وسلم
واضع لها زمامها لا يثنيها به ثم التفتت خلفها فرجعت على مبركها أول مرة فبركت فيه
ثم تحلحلت ورزمت ووضعت جرانها فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتمل أبو
أيوب رحله فوضعه في بيته ثم سأل عن المربد واتخذ المسجد مكانه وكان من أمره ما كان
صلى الله عليه وسلم وهذا سياق ابن إسحاق ومعناه عند البخاري بتغير بعض اللفظ
وتقديم وتأخير.
شرح: تحلحلت أي تحركت ورزمت أي صوتت من حلقها من غير أن تفتح فاها من الرزمة
بالتحريك وهو الصوت كذلك والحنين أشد منه أو لعل معناه ثبتت من الرزام البعير
الثابت على الأرض لا يقوم من الهزال فاستعير لثبوتها بذلك المكان والجران العنق من
المذبح إلى المنحر والجمع جرن.
جرى لهما في الطريق ومقدمهما المدينة وما يتعلق بذلك
عن البراء بن عازب قال اشترى أبو بكر من عازب رجلاً
بثلاثة عشر دراهماً فقال أبو بكر لعازب مر البراء فليحمله إلى أهلي فقال عازب لا
حتى تحدثني كيف صنعت أنت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجتما من مكة
والمشركون يطلبونكما فقال ارتحلنا من مكة فأحيينا ليلتنا حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة
رميت ببصري هل أرى ظلاً نأوي إليه فإذا أنا بصخرة فانتهيت إليها فإذا بقية ظلها
فسويته ثم فرشت للنبي صلى الله عليه وسلم ثم قلت اضطجع يا رسول الله فاضطجع ثم
ذهبت أنظر هل أرى من الطلب أحداً فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصخرة يريد
منها مثل الذي نريد يعني الظل فسألته فقلت لمن أنت يا غلام فقال الغلام لفلان رجل
من قريش فعرفته فقلت هل في غنمك من لبن قال نعم فقلت هل أنت حالب لي قال نعم
فأمرته فاعتقل شاة من غنمه وأمرته أن ينفض عنها من الغبار ثم أمرته أن ينفض كفيه
فقال هكذا فضرب إحدى يديه على الأخرى فحلب لي كثبة من لبن وقد رويت ومعي لرسول
الله صلى الله عليه وسلم أداوة على فمها خرقة فصببت على اللبن حتى برد أسفله
فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافيته قد استيقظ فقلت اشرب يا رسول
الله فشرب فقلت قد آن الرحيل يا رسول الله فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا
أحد منهم غير سراقة بن جعشم على فرس له فقلت هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله
فبكيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحزن إن الله معنا فلما دنا منا وكان
بيننا وبينه قدر رمحين أو ثلاثة قلت هذا الطلب يا رسول الله وبكيت فقال ما يبكيك
قلت ما والله على نفسي أبكي ولكن أبكي عليك فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال اللهم اكفناه بما شئت قال فساخت فرسه في الأرض إلى بطنها فوثب عنها ثم
قال يا محمد قد علمت أن هذا عملك فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه فوالله لأعمين
على من درائي من الطلب وهذه كنانتي خذ منها سهماً فإنك ستمر على إبلي وغنمي في
مكان كذا وكذا فخذ منها حاجتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حاجة لنا في
إبلك ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق راجعاً إلى أصحابه ومضى رسول
الله صلى الله عليه وسلم حتى أتينا المدينة ليلاً فتنازعه القوم أيهم ينزل عليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أنزل الليلة
على بني النجار أخوال بني عبد المطلب أكرمهم بذلك فخرج الناس حين قدمنا المدينة في
الطريق وعلى البيوت من الغلمان والخدم يقولون جاء محمد جاء رسول الله صلى الله
عليه وسلم فلما أصبح انطلق فنزل حيث أمر. قال البراء وكان أول من قدم علينا من
المهاجرين مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار بن قصي فقلنا له ما فعل رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال هو في مكانه وأصحابه على أثري ثم أتى بعده عمر بن أم مكتوم
الأعمى أخو بني فهر فقلنا ما فعل من وراءك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
قال هم الآن على أثري ثم أتى بعده عمار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن
مسعود وبلال ثم أتانا عمر بن الخطاب في عشرين راكباً ثم أتى رسول الله صلى الله
عليه وسلم بعدهم وأبو بكر معه. قال البراء فلم يقدم علينا رسول الله صلى الله عليه
وسلم حتى قرأ عشراً من المفصل ثم خرجنا تلقاء العير فوجدناهم قد حذروا أخرجه
بتمامه أبو حاتم وأخرجه الشيخان وغيرهما من حديث الهجرة إلى بلوغ المدينة. وفي
رواية مكان ساخت فرسه فارتطم فرسه إلى بطنه فقال قد أعلم أنكما قد دعوتما علي
فادعوا لي ولكما أن أرد عنكما الناس ولا أضركما قال فدعوا له فخرجت به الفرس فرجع
فوفى للنبي صلى الله عليه وسلم وجعل يرد الناس. وقد ذكر ابن إسحاق أن أول من هاجر
إلى المدينة أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي هاجر إليها قبل بيعة العقبة
حين آذته قريش عند مقدمه من الحبشة فبلغه إسلام من أسلم من الأنصار فخرج إليهم
مهاجراً ثم هاجر بعده عامر بن ربيعة حليف بني كعب بن عدي وامرأته ليلى بنت أبي
حيثمة ثم عبد الله بن جحش احتمل بأهله وأخيه عبد الرحمن بن جحش وهو أبو أحمد وكان
أبو أحمد رجلاً ضرير البصر وكان يطوف مكة أعلاها وأسفها بغير قائد وكان شاعراً ثم
قدم المهاجرون أرسالاً ولا تضاد بينه وبين ما تقدم فيكون أول من قدمها مطلقاً أبو
سلمة وأول من هاجر بعد بيعة الأنصار مصعب بن عمير كما تقدم وأما من ذكره ابن
إسحاق بعد أبي سلمة فجائز أن يكون أيضاً قبل العقبة كأبي سلمة وجاز أن يكون بعدها
بعد مصعب بن عمير ولم يبلغ ابن إسحاق مهاجر مصعب قبله والله أعلم.ا تقدم وأما من
ذكره ابن إسحاق بعد أبي سلمة فجائز أن يكون أيضاً قبل العقبة كأبي سلمة وجاز أن
يكون بعدها بعد مصعب بن عمير ولم يبلغ ابن إسحاق مهاجر مصعب قبله والله أعلم.
شرح: أظهرنا أي دخلنا في الظهيرة وقائم الظهيرة عبارة عن
اشتدادها وكذلك حر الظهيرة وقوله هل أنت حالب لي قال نعم هذا محمول على أنه عرف
مالكها وعلم أنه يرضى بتصرفه لصداقة بينهما أو على أن قوله هل أنت حالب لي أراد به
هل أذن لك في ذلك أو على أن ذلك مستفاض بين العرب لا يرون بأساً على محتاج يتناول
من لبن ماشيتهم ويبيحون ذلك لرعيانهم أو على إباحة ذلك لمضطر لا يجد غير مال الغير
وقد يكون الحال كذلك على أن بعض العلماء لم يشترط الضرورة وأباح ذلك للمسافر وإن
لم يكن مضطراً واستدل بحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا مر
أحدكم بإبل فأراد أن يشرب فليناد يا راعي الإبل فإن أجابه وإلا فليشرب أو على
استباحة أموال المشركين على أنه قد روي ما يضاد هذا الحديث في الظاهر. عن زر عن
عبد الله بن مسعود قال كنت غلاماً يافعاً في غنم لعقبة بن أبي معيط أرعاها فأتى
علي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فقال يا غلام هل معك من لبن قلت نعم ولكني
مؤتمن قال فقال ائتني بشاة لم ينز عليها الفحل فأتيته بعناق فاعتزلها رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثم جعل يمسح الضرع ويدعو حتى أنزلت فأتاه أبو بكر بشيء فاحتلب
فيه ثم قال لأبي بكر اشرب فشرب أبو بكر ثم شرب النبي صلى الله عليه وسلم بعده ثم
قال للضرع اقلص فقلص فعاد كما كان قال ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا
رسول الله علمني من هذا الكلام أو من هذا القرآن فمسح رأسي وقال إنك غلام معلم
فلقد أخذت من فيه سبعين سورة ما نازعني فيها بشر أخرجه أبو حاتم ابن حبان. وفي
رواية أرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط بمكة فأتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبو بكر وقد فرا من المشركين فقالا يا غلام عندك من لبن تسقينا قلت إني مؤتمن
ولست بساقيكما فقالا هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل بعد قلت نعم وأتيتهما بها
فاعتقلها أبو بكر وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الضرع ودعا فحفل الضرع وأتاه
أبو بكر بصخرة منقعرة فحلب فيها ثم شرب هو وأبو بكر ثم سقياني ثم قال للضرع اقلص
فقلص. وفي رواية قال يا غليم مكان يا غلام ثم ذكر معنى ما بعده وقال فأتيته بشاة
شطور لم ينز عليها الفحل والشطور الذي ليس لها إلا ضرع واحد فمسح رسول الله صلى
الله عليه وسلم مكان الضرع وما لها ضرع فإذا ضرع حافل مملوء لبناً فأتيت النبي صلى
الله عليه وسلم بصخرة منقعرة فاحتلب ثم سقى أبا بكر وسقاني ثم قال للضرع اقلص فرجع
كما كان فأنا رأيت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول الله علمني
فمسح رأسي وقال بارك الله فيك فإنك غلام معلم فأسلمت فأتيت النبي صلى الله عليه
وسلم فبينما نحن عنده على حراء إذا نزلت عليه "والمرسلات" أخرجه
الطبراني في معجمه وخرج منه الغساني في معجمه قوله كنت أرعى غنماً لعقبة بن أبي
معيط فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا غلام هل من لبن فقلت نعم ولكني
مؤتمن. والظاهر أن هذه قضية غير تلك اتفقت لهما في بعض أسفارهما قبل الهجرة ألا
ترى إلى اختلاف قول الراعيين واختلاف الحالبين واختلاف ما حلبا فيه. ويؤيد ذلك
قوله بعد إسلامه وإتيانه إليه فبينما نحن عنده على حراء وأنه نزلت عليه سورة
"والمرسلات" هذا فيه أبين البيان بأن ذلك قبل الهجرة فإنه بعد الهجرة لم
يأت مكة إتياناً يتمكن فيه من إتيان حراء وسورة المرسلات مما نزل بمكة قبل الهجرة
وقوله في هذا الحديث يافعاً أي مرتفعاً من اليفاع وهو ما ارتفع من الأرض وأيفع
الغلام أي ارتفع فهو يافع ولا يقال موفع وهو من النادر قاله الجوهري وذكر الفراء
في حدوده أنه يقال يفع الغلام وحكاه ثابت عن أبي عبيدة في خلق الإنسان وقوله فيه
لم ينز عليها الفحل أي لم تضرب ولم يواقعها الفحل تقول نزا نزاء بالكسر يقال ذلك
في الحافر والظلف والسباع ونزاه غيره ونزاه وأما النزا بالضم فهو داء يأخذ الشاة
فتنزوي منه حتى تموت حفل الضرع جمع والتحفيل التصرية صخرة منقعرة أي ذات قعر من
التقعير والتعمق ورأيتها في الحديث مقيدة بالنون ولا معنى له هنا فإن المنقعر
المنقلع ومنه أعجاز نخل منقعر قلص ارتفع والشطور قد فسرها في الحديث وقوله فمسح
صلى الله عليه وسلم مكان الضرع وما لها ضرع بعد قوله لها ضرع واحد يريد به والله
أعلم مكان الضرع الآخر وما لها فيه ضرع وإلا تضاد أول الحديث وآخره فقد تضمن
هذا الحديث أن سورة المرسلات نزلت بحراء وسورة المرسلات مما نزلت بمكة قبل الهجرة
وقد جاء في المتفق عليه من الصحيحين عن عبد الله قال بينا نحن عند رسول الله صلى
الله عليه وسلم في غار بمنى إذا نزلت عليه والمرسلات وإنه ليتلوها وإني لأتلقاها
من فيه وعن فاه لرطب بها إذ وثبت علينا حية فقال رسول الله صلى الله عيه وسلم
اقتلوها فابتدرناها لنقتلها فسقتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيت شركم
ووقيتم شرها.الحديث وآخره فقد تضمن هذا الحديث أن سورة المرسلات نزلت بحراء وسورة
المرسلات مما نزلت بمكة قبل الهجرة وقد جاء في المتفق عليه من الصحيحين عن عبد
الله قال بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار بمنى إذا نزلت عليه
والمرسلات وإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه وعن فاه لرطب بها إذ وثبت علينا حية
فقال رسول الله صلى الله عيه وسلم اقتلوها فابتدرناها لنقتلها فسقتنا فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم وقيت شركم ووقيتم شرها.
وقوله بمنى للبخاري دون مسلم وهذا أصح وأثبت
وقوله في حديث البراء فاعتقل شاة وهو أن يضع رجليها بين فخذه
وساقه ليحلبها واعتقل رمحه إذا جعله بين ساقه وركابه وكأنه جعل له ذلك عقالاً وفي
أمره بنفض الضرع ونفض اليد وفرشه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتسويته الأرض
دليل على التوسعة في مثل هذه الرفاهية ونحوها الكثبة من اللبن قدر حلبة الأداوة
المطهرة والجمع أداوى وقوله فصببت على اللبن حتى برد أسفله يجوز أن يريد أنه صب
على ظاهر الإناء فبرد أسفله لاستقرار الماء في أسفله وإلا فكان يبرد كله لو صب فيه
نفسه وعلى هذا دل بعض ألفاظ الحديث ويجوز أن يكون صب على اللبن نفسه وإنما خص
أسفله بالبرد لأن الماء يغوص في اللبن فيلابس أسفله منه لما لا يلابس أعلاه فيكثر
البرد في أسفله ويترجح هذا باقتضاء الحال فإنها حالة جوع وحاجة إلى شربه وصب الماء
فيه نفسه أسرع لتسكين حرارته وبرده الطب جمع طالب فساخت أي دخلت فيها تقول ساخ يسوخ
ويسيخ وارتطمت بمعناه تقول رطمته فارتطم أي أدخلته في أمر لا مخرج له منه لا عمين
أي لألبسن وعمي عليهم الأمر التبس الكنانة التي تجمع فيها السهام العير بالكسر
الإبل تحمل الميرة ويجوز أن يجمع على عيرات فتنازعوا أي قبائل الأنصار بني النجار
أخوال عبد المطلب كان هاشم تزوج امرأة من بني النجار فولدت عبد المطلب فلذلك كانوا
أخواله واسم المرأة سلمة بنت زيد بن خراش بن أمية بن أسد بن عامر بن غنم بن عدي بن
النجار ويسمى زيد مناة وعن الزهري أنها سلمى بنت عمرو بن زيد وفي هذا الحديث أن
ارتحالهم كان من مكة أنهم أحيوا ليلتهم بالسرى ولم يتضمن ذكر الغار كما تقدم. وقد
جاء في الصحيح أن أبا بكر قال ارتحلنا من الغار والقوم يطلبوننا فلم يدركنا منهم
أحد غير سراقة بن مالك على فرس له وذكر الحديث ولا تضاد بينهما وكان ارتحالهم
المتصل بإحياء الليلة من الغار وأطلق عليه ارتحالاً من مكة لأن الغار في ثور كما
تقدم وهو جبل في الحرم قريب من مكة فأطلق على الارتحال منه ارتحال من مكة لقربه أو
لكونه من الحرم ومنه أن الله حرم مكة والمراد الحرم. وعن حبيش بن خالد صاحب رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة خرج منها
مهاجراً إلى المدينة هو وأبو بكر ومولى لهم عامر بن فهيرة ودليلهما الليث بن عبد
الله بن الأريقط مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية وكانت برزة جلدة تختبئ بفناء
القبة ثم تسقي وتطعم فسألوها تمراً ولحماً يشترونه منها فلم يصيبوا عندها من ذلك
شيئاً وكان القوم مرملين مسنتين فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر
الخيمة فقال ما هذه الشاة يا أم معبد قالت خلفها الجهد عن الغنم قال هل بها من لبن
قالت هي أجهد من ذلك قال أتأذنين لي أن أحلبها قالت نعم بأبي أنت وأمي إن رأيت بها
حلباً فاحلبها فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده ضرعها وسمى الله
ودعا لها في شاتها فتفاجت عليه ودرت ودعا بإناء يربض الرهط فحلب ثجاً حتى علاه
إليها ثم سقاها حتى رويت ثم سقى أصحابه حتى رووا ثم شرب آخرهم ثم حلب ثانياً بعد
بدء حتى ملأ الإناء ثم غادره عندها وبايعها وارتحلوا يعني عنها فقل ما لبثت حتى
جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزاً عجافاً تساوكن هزلاً مخهن قليل. فلما رأى أبو معبد
اللبن عجب وقال من أين لك هذا يا أم معبد والشاة عازب حيال ولا حلوب في البيت قالت
لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا قال صفيه لي يا أم معبد قالت
رجل ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة ولم تزر به صعلة وسيم قسيم في
عينيه دعج وفي أشفاره وطف وفي وصوته صحل وفي عنقه سطع وفي لحيته كثاثة أزج أقرن إن
صمت فعليه الوقار وإن تكلم سما وعلاه البهاء أجمل الناس وأبهاه من بعيد وأحسنه
وأحلاه من قريب حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن ربعة لا
بائن من طول ولا تقتحمه عين من قصر غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظراً وأحسنهم
قدراً له رفقاء يحفون به إن قال أنصتوا لقوله وإن أمر تبادروا لأمره محفود محشود
لا عابس ولا مفند قال أبو معبد فهذا والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر
بمكة ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن عن وجدت لذلك سبيلاً وأصبح صوت بمكة عال يسمعون
الصوت ولا يدرون من صاحبه وهو يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه | | رفيقين حلا خيمتي أم معـبـد |
هما نزلاها بالهدى فاهتديا بـه | | فقد فاز من أمسى رفيق محمد |
فيا قصي ما زوى الله عنـكـم | | به من فعال أو فجار وسـؤدد |
ليهن بنو كعب مكان فتـاتـهـم | | ومقعدها للمؤمنين بمـرصـد |
سلوا أختكم عن شاتها وإنـائهـا | | فإنك إن تسألوا الشاة تشـهـد |
دعاها بشاة حائل فتـحـلـبـت | | عليها صريحاً ضرة الشاة مزيد |
فغادرها رهناً لديها كحـالـب | | يرددها في مصدر ثـم مـورد |
خرجه الحافظ أبو القاسم في الأربعين الطوال.
شرح: مرملين أين نفذت أزوادهم مسنتين أي دخلوا في السنة ويروى مشتين أي دخلوها في
الشتاء وكسر الخيمة جانبها وتفاجت فتحت ما بين رجليها ويربض الرهط أي يرويهم حتى
يثقلوا فيربضوا والثج السيلان والبها بهاء اللبن وهو وبيص رغوته وتساوكن هزلاً أي
تمايلن ويروى تشاركون من المشاركة أي تساوين في الهزال وغادره أبقاء والشاة عازب
أي بعيد في الرعي والأبلج المشرق الوجه المضيئة والحيال جمع حائل وهي التي لم تحمل
والوضاءة الحسن والثجلة عظم البطن والصعلة صغر الرأس ويروى ثجلة بالضم وهي الضمرة
والدقة وصقلة الخاصرة يعني أنه غير طويل الخاصرة والوسيم الحسن وكذلك القسيم
والدعج السواد في العين والوطف الطول والصحل البحة والسطع الطول والكثاثة كثرة
الشعر والأزج الرقيق طرف الحاجبين والأقرن المقرون الحاجبين بخلاف ما في حديث غيره
والنزر القليل والهذر الكثير من الكلام فكلامه وسط وتقتحمه تحتقره يعني أنه بين
الطويل والقصير والمحفود المخدوم والمحشود الذي عنده حشد وهو الجماعة والعابس من
عبوس الوجه والمفند الذي يكثر اللوم وهو التفنيد ويروى معتد من العداء وهو الظلم
والصريح الخالص والضرة لحمة الضرع وفي رواية فتحلبت له بصريح وهو الصواب وغادرها
أي خلف الشاة عندها مرتهنة بأن تدر والله أعلم. وعن عبد الرحمن بن عويمر بن ساعدة
قال حدثني رجال من قومي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال لما سمعنا بمخرج
النبي صلى الله عليه وسلم من مكة وتوكفنا قدومه كنا نخرج إذا صلينا الصبح إلى ظهر
حرتنا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على
الظل فإذا لم نجد ظلاً دخلنا وذلك في أيام حارة حتى إذا كان اليوم الذي قدم فيه
رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسنا كما كنا نجلس حتى إذا لم يبق ظل دخلنا بيوتنا
فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلنا البيوت فكان أول من رآه رجل من
اليهود وقد رأى ما كنا نصنع وإنا ننتظر قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرخ
بأعلى صوته يا بني قيلة هذا جدكم قد جاء فخرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو في ظل نخلة ومعه أبو بكر وأكثرنا لم يكن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل
ذلك وركبه الناس وما يعرفونه من أبي بكر حتى إذا زال الظل عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقام أبو بكر فأظله بردائه فعرفناه عند ذلك خرجه ابن إسحاق بهذا السياق
ومعناه عند الشيخين.
شرح: قيلة هذه هي أم الأوس والخزرج وهما جماعة الأنصار أمهما
قيلة بنت كامل ابن عذرة بن سعد بن هزيم من قضاعة بها يعرفون جدكم أي حظكم وغناكم
من الجد الحظ ركبه الناس أي ازدحموا عليه حتى كادوا يركبونه. عن أنس قال أقبل
النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأبو بكر شيخ يعرف والنبي صلى الله عليه وسلم
شاب لا يعرف فيلقى الرجل أبا بكر فيقول يا أبا بكر من هذا الذي بين يديك فيقول
يهديني السبيل فيحسب الحاسب أنه يهديه الطريق وإنما يعني سبيل الخير فالتفت أبو
بكر فإذا هو بفارس قد لحق بهم فقال يا رسول الله هذا فارس قد لحق بنا فالتفت النبي
صلى الله عليه وسلم وقال اللهم اصرعه فصرعه فرسه ثم قامت تحمحم فقال يا نبي الله
مرني بما شئت فقال قف مكانك لا تتركن أحداً يلحق بنا فقال فكان أول النهار جاهداً
على نبي الله صلى الله عليه وسلم وكان آخر النهار مسلحة له فنزل النبي صلى الله
عليه وسلم جانب الحرة ثم بعث إلى الأنصار فجاءوا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم
فسلموا عليهما وقالوا اركبا آمنين مطاعين فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبو
بكر وحفوا دونهما بالسلاح فقيل بالمدينة جاء نبي الله فأقبل يسير حتى نزل جانب دار
أبي أيوب فقال النبي صلى الله عليه وسلم أي بيوت أهلها أقرب قال أبو أيوب يا نبي
الله هذه داري وهذا بابي قال فانطلق فهيأ لنا مقيلاً قال قوماً على بركة الله خرجه
البخاري. شرح ظاهر قوله وأبو بكر شيخ يعرف يدل على أنه كان أسن من النبي صلى الله
عليه وسلم والمعروف عند أهل الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أسن منه بمدة
خلافته وسيأتي بيان ذلك إن شاء تعالى أو لعله يريد بشيخ يعرف أي كبير في قومه رئيس
معهم معروف. وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث عن أنس ارتدف النبي صلى الله عليه وسلم
خلف أبي بكر فكان إذا مر بالملأ من قريش قالوا يا أبا بكر من هذا الرجل فيقول هذا
رجل يهديني السبيل خرجه الحلواني على شرط الصحيح. وفي بعضها إن أبا بكر كان رديف
النبي صلى الله عليه وسلم وكان أعرف بذلك الطريق فيراه الرجل يعرفه فيقول يا أبا
بكر من هذا الغلام بين يديك فيقول هذا يهديني السبيل حديث صحيح وأكثر الروايات على
أنه كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعضها قالوا من هذا يا أبا بكر الذي
تعظمه هذا الإعظام قال هذا يهديني الطريق وهو أعرف به مني. وقد جاء أن أبا بكر كان
مردفاً عامر بن فهيرة مولاه يخدمهم فكانوا أربعة بالدليل ولا تضاد بينهما إذ قد
يكون ارتدف خلف النبي صلى الله عليه وسلم وارتدف النبي صلى الله عليه وسلم خلفه في
بعض الطريق لعارض اقتضى ذلك والله أعلم. وعن أنس قال إني لأسعى في الغلمان تقول
جاء محمد فأسعى فلا أرى شيئاً حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو
بكر الصديق فكمنا في بعض خراب المدينة ثم بعثا رجلاً من أهل البادية ليؤذن الأنصار
فاستقبلهما زهاء خمسمائة من الأنصار حتى انتهوا إليهما فقالت الأنصار انطلقوا
آمنين مطاعين فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه بين أظهرهم فخرج أهل
المدينة حتى إن العواتق لفوق البيوت يتراءين يقلن أيهم هو أيهم هو قال فما رأينا
منظراً شبيهاً بيومئذ. قال أنس فلقد رأيته يوم دخل علينا ويوم قبض فلم أر يومين
شبيهاً بهما أخرجه في فضائله وقال صحيح. وفي رواية أنهم نزلوا بالحرة وأرسلوا إلى
الأنصار فجاءوا فقالوا قوماً آمنين مطاعين. قال أنس فوالله ما رأيت يوماً أضوأ ولا
أنور ولا أحسن من يوم دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رأيت يوماً أظلم
ولا أقبح من يوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجهما في فضائله.
شرح: كمنا أي اختفيا ومنه الكمين في الحرب زهاء خمسمائة أي قدرها وعن بريدة بن
الحصيب الأسلمي قال لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من مهاجره لقي ركباً
فقال يا أبا بكر سل القوم من هم فسألهم فقالوا من بني سهم فقال رمى بسهمك يا أبا
بكر حديث حسن. وعن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم
المدينة تلقاه المسلمون بظهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عامر
بن عوف وذلك يوم الاثنين في شهر ربيع الأول فقام أبو بكر للناس وجلس النبي صلى
الله عليه وسلم صامتاً فطفق من جاء من الأنصار من لم ير رسول الله صلى الله عليه
وسلم يجيء أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر
حتى ظلل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه فعرف الناس رسول الله صلى الله
عليه وسلم عند ذلك خرجه البخاري. وعن ابن الفضل ابن الحباب الجمحي قال سمعت ابن
عائشة يقول أراه عن أبيه قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جعل
الصبيان والنساء والولائد يقولون:
طلع البدر علينـا | | من ثنيات الوداع |
وجب الشكر علينا | | ما دعا للـه داع |
خرجه الحلواني على شرط الشيخين. قال ابن إسحاق نزل رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون على كلثوم بن هدم أخي عمرو بن عوف ويقال بل على
سعد بن خيثمة لأنه كان عزباً لا أهل له ونزل أبو بكر على حبيب بن عساف أخي بني الحارث
بن الخزرج بالسنح ويقال على خارجة بن زيد أخي بني الحارث بن الخزرج قال فأقام رسول
الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين والثلاث والأربع والخميس
ثم خرج عنهم يوم الجمعة فأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي
في بطن الوادي فهي أول جمعة صليت بالمدينة ثم لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم
يمر بأحياء الأنصار حي بعد حي وكلما مر على حي قاموا إليه فقالوا يا رسول الله أقم
عندنا العدد والعدة والمنعة وهو يقول خلوا سبيلها يعني الناقة فإنها مأمورة. حتى
إذا أتت بني مالك بن النجار بركت على باب مسجده صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ مربد
لغلامين يتيمين من بني النجار ثم من بني مالك. فلما بركت الناقة ورسول الله صلى
الله عليه وسلم لم ينزل عنها وثبت وسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله ليه وسلم
واضع لها زمامها لا يثنيها به ثم التفتت خلفها فرجعت على مبركها أول مرة فبركت فيه
ثم تحلحلت ورزمت ووضعت جرانها فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتمل أبو
أيوب رحله فوضعه في بيته ثم سأل عن المربد واتخذ المسجد مكانه وكان من أمره ما كان
صلى الله عليه وسلم وهذا سياق ابن إسحاق ومعناه عند البخاري بتغير بعض اللفظ
وتقديم وتأخير.
شرح: تحلحلت أي تحركت ورزمت أي صوتت من حلقها من غير أن تفتح فاها من الرزمة
بالتحريك وهو الصوت كذلك والحنين أشد منه أو لعل معناه ثبتت من الرزام البعير
الثابت على الأرض لا يقوم من الهزال فاستعير لثبوتها بذلك المكان والجران العنق من
المذبح إلى المنحر والجمع جرن.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى