القسم الثاني في مناقب الأفراد وفيه عشرة أبواب
صفحة 1 من اصل 1
القسم الثاني في مناقب الأفراد وفيه عشرة أبواب
القسم الثاني
في مناقب الأفراد وفيه عشرة أبواب
الباب الأول
في مناقب خليفة رسول الله أبي بكر
الصديق
رضي الله عنه وفيه خمسة عشر فصلاً
الفصل الأول في نسبه الثاني في اسمه الثالث في صفته الرابع
في إسلامه الخامس فيمن أسلم علي يديه السادس فيما كان بينه وبين النبي صلي الله
عليه وسلم من الود في الجاهلية السابع فيما لقي بسبب دعائه إلى الله تعالى ودفعه
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الثامن في هجرته التاسع في خصائصه العاشر في
أفضليته الحادي عشر في الشهادة له بالجنة الثاني عشر في فضائله الثالث عشر في
خلافته الرابع عشر في وفاته الخامس عشر في ولده.
الفصل الأول
في ذكر نسبه وإسلام أبويه
وقد تقدم ذكر آبائه في الشجرة في أنساب العشرة وينسب إلى تيم
من مرة فيقال التيمي وهو في العدد إلى مرة مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن
بين كل واحد منهما وبين مرة ستة آباء فهذه موافقة اتفقت بينهما في النسب كما اتفقت
في العمر على أصح الأقوال كما سيأتي إن شاء الله. أمه أم الخير لفظاً ومعنى سلمى
بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ابنة عم أبيه هكذا ذكره جمهور أهل
النسب ومن شذ فقال بنت صخر بن عامر بن عمر بن كعب فجعلها ابنة عمه فليس بصحيح.
ذكر إسلام أبي قحافة
عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة أبو أبي
بكر الصديق أسلم يوم الفتح وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاش مدة حياة
النبي صلى اله عليه وسلم مدة خلافة ولده وتوفي في خلافة عمر رضي الله عنهم أجمعين.
عن أسماء بنت أبي بكر قالت لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي طوى قال أبو
قحافة لابنة له من أصغر ولده أي بنية اظهري بي على أبي قبيس قالت وقد كف بصره قالت
فأشرفت به عليه فقال يا بنية ماذا ترين قالت أرى سواداً مجتمعاً قال تلك الخيل
قالت وأرى رجلاً يسعى بين ذلك السواد مقبلاً ومدبراً قال يا بنية ذلك الوازع الذي
يأمر الخيل ويتقدم إليها ثم قالت قد والله انتشر السواد فقال قد والله دفعت الخيل
فأسرعي بي إلى بيتي فانحطت به وتلقاه الخيل قبل أن يصل إلى بيته وفي عنق الجارية
طوق لها من ورق فتلقاها رجل فاقتلعه من عنقها قالت فلما دخل رسول الله صلى الله
عليه وسلم مكة ودخل المسجد أتاه أبو بكر بأبيه يقوده فلما رآه النبي صلى الله عليه
وسلم قال هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه قال أبو بكر يا رسول الله هو
أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه.
وفي رواية لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه مكرمة لأبي بكر قال فأجلسه بين يديه ثم
مسح صدره ثم قال له أسلم فأسلم وكان رأسه كالثغامة فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم غيروا هذا من شعره ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته فقال أنشد الله والإسلام طوق
أختي فلم يجبه أحد فقال يا أخية احتسبي طوقك فوالله إن الأمانة في الناس اليوم
لقليل خرجه أحمد وأبو حاتم وابن إسحاق وفي رواية بعد قوله ألا تركت الشيخ حتى
تأتيه قال أردت يا رسول الله أن يأخذه الله عز وجل أما والذي بعثك بالحق لأنا كنت
أشد فرحاً بإسلام أبي طالب مني بإسلام أبي ألتمس بذلك قرة عينك قال صدقت خرجه في
فضائل أبي بكر وقال حديث حسن.
شرح: الوازع الذي يتقدم الصف فيصلحه ويقدم يؤخر ومنه قول الحسن لابد للناس من وازع
أي سلطان يكف بعضهم عن بعض والثغامة واحدة الثغام وهو نبت يبيض إذا يبس ويشبه به
الشيب ذكره الجوهري اللغوي.
ذكر إسلام أمه أم الخير
سلمى بنت صخر أسلمت قديماً في دار الأرقم بن أبي الأرقم
وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم وماتت مسلمة ذكره الحافظ الدمشقي وصاحب الصفوة
وغيرهما عن عائشة قالت لما اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا تسعة
وثلاثين رجلاً ألح أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور فقال يا
أبا بكر إنا قليل فلم يزل يلح على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظهر رسول الله
صلى الله عليه وسلم وتفرق المسلمون في نواحي المسجد وقام أبو بكر في الناس خطيباً
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وكان أول خطيب دعا إلى الله عز وجل وإلى رسوله
صلى الله عليه وسلم وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين فضربوهم في نواحي
المسجد ضرباً شديداً ووطيء أبو بكر وضرب ضرباً شديداً ودنا منه الفاسق عتبة بن
ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفين ويحرفهما لوجهه وأثر ذلك حتى ما يعرف أنفه من
وجهه وجاءت بنو تيم تتعادى فأجلوا المشركين عن أبي بكر وحملوا أبا بكر في ثوب حتى
أدخلوه بيته ولا يشكون في موته ورجع بنو تيم فدخلوا المسجد وقالوا والله لئن مات أبو
بكر لنقتلن عتبة ورجعوا إلى أبي بكر فجعل أبو قحافة وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى
أجابهم فتكلم آخر النهار ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنالوه بألسنتهم
وعذلوه ثم قاموا وقالوا لأم الخير بنت صخر انظري أن تطعميه شيئاً أو تسقيه إياه.
فلما خلت به وألحت جعل يقول ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت والله ما
أعلم بصاحبك قال فاذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه فخرجت حتى جاءت إلى
أم جميل فقالت إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله قالت ما أعرف أبا بكر ولا
محمد بن عبد الله وإن تحبي أن أمضي معك إلى أبنك فعلت قالت نعم فمضت معها حتى وجدت
أبا بكر صريعاً دنفاً فدنت منه أم جميل وأعلنت بالصياح وقالت إن قوماً نالوا منك
هذا لأهل فسق وإن لأرجو أن ينتقم الله لك قال ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالت هذه أمك تسمع قال فلا عين عليك منها قالت سالم صالح قال فأين هو قالت في دار
الأرقم قال فإن لله علي ألية أن لا أذوق طعاماً ولا شراباً أو آتي رسول الله صلى
الله عليه وسلم فأمهلناه حتى إذا هدأت الرجل وسكن الناس خرجت به يتكئ عليهما حتى
دخلتا على النبي صلى الله عليه وسلم قال فانكب عليه فقبله وانكب عليه المسلمون ورق
له رسول الله صلى الله عليه وسلم رقة شديدة فقال أبو بكر بأبي أنت وأمي ليس بي إلا
ما نال الفاسق من وجهي هذه أمي برة بوالديها وأنت مبارك فادعها إلى الله وادع الله
عز وجل لها عسى أن يستنقذها بك من النار فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأسلمت فأقاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً وهم تسعة وثلاثون رجلاً
وكان إسلام حمزة يوم ضرب أبي بكر. خرجه الحافظ الدمشقي في الأربعين الطوال وخرجه
ابن ناصر السلامي من حديث عبد الله بن محمد الطلحي عن القاسم بن محمد عن عائشة.
شرح: الألية اليمين على وزن فعلية الجمع الألايا قال الشاعر:
وكذلك الألوة بضم الهمزة وفتحها وكسرها وإسكان اللام وأما
الألوة بالتشديد وضم الهمزة وفتحها فالعود الذي يتبخر به هدأت الرجل بالهمز سكنت
والهدأة والهدوء السكون وعن علي بن أبي طالب قال في أبي بكر أسلم أبواه جميعاً ولم
يجتمع لأحد من الصحابة المهاجرين أبواه غيره أخرجه الواحدي. وعن ابن عباس في قوله
تعالى: "وحمله وفصاله ثلاثون شهراً حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب
أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي" نزلت في أبي بكر وكان حمله
وفصاله كذلك قال وقد علم أن كل أحد لا يلهم هذا القول فعلم أنه رجل بعينه وكان أبا
بكر ومعنى بلوغ أشده ثلاث عشرة سنة وذلك أنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
ابن ثمان عشرة سنة في تجارة إلى الشام وكان لا يفارقه في أسفاره وحضره فرأى من
الآيات ما سبق بها اليقين في قلبه فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم آمن به وصدقه
وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي بالهداية إلى الإيمان وعلى والدي
كذلك وأن أعمل صالحاً ترضاه فأجابه الله تعالى وأعتق سبعة مؤمنين وأصلح لي في
ذريتي فأجابه الله تعالى أيضاً ولم يبق له ولد ولا ولد ولد إلا آمن وصدق خرجه
الواحدي وأسلمت أيضاً أخته لأبيه أم فروة بنت أبي قحافة وتزوجت الأشعث بن قيس
فولدت له محمداً ذكره الدارقطني.
الفصل الثاني
في ذكر اسمه
وكان اسمه رضي الله عنه عبد الله وقيل عبد الكعبة فلما أسلم
سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله قاله جمهور أهل النسب وأكثر المحدثين ذكر
اسمه عتيقاً واختلفوا في ذلك فقيل أنه لقب لقب به في الإسلام وهو أول لقب عرف في
الإسلام قاله محمد بن حمدوية النيسابوري وقال ابن إسحاق في جماعة بل هو اسم سماه
به أبوه ويروى ذلك عن عائشة رضي الله عنها. وروي عن موسى بن طلحة أنه سمته به أمه
واختلفوا لم سمي عتيقاً فقال الليث بن سعد في جماعة سمي بذلك لعتاقة وجهه وجماله
والعتق الجمال وقيل إن الذي لقبه به لجمال وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره
ابن قتيبة في المعارف وعن موسى بن طلحة بن عبيد الله قال كانت أمه لا يعيش لها ولد
فلما ولدته استقبلت به البيت ثم قالت اللهم عن هذا عتيقك من الموت فهبه لي فعاش
فسماه عتيقاً وكان يعرف به رواه الخجندي في الأربعين وغيره وقيل كان له أخوان عتق
وعتيق فسمي باسم أحدهما ذكره البغوي في معجمه وقال مصعب وطائفة من أهل النسب إنما
سمي عتيقاً لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به. وقال أبو نعيم الفضل بن دكين سمي
بذلك لأنه قديم في الخير والعتيق القديم تقول منه عتق بضم التاء عتقاً وعتاقة وقال
آخرون سمي بذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من سره أن ينظر إلى عتيق من
النار فلينظر إلى هذا فسمي عتيقاً لذلك روته عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين
قالت وإن اسمه الذي سماه به أهله لعبد الله ذكره أبو عمر وغيره وعليه أكثر
المحدثين. وعن عبد الله بن الزبير قال كان اسم أبي بكر عبد الله بن عثمان فقال له
النبي صلى الله عليه وسلم أنت عتيق الله من النار فسمي عتيقاً لذلك خرجه الترمذي
وأبو حاتم ولا تضاد بين هذه الأقوال كلها إذ يجوز أن يكون أحد الأبوين لقبه بذلك
لمعنى ثم تابعه الآخر عليه له أو لمعنى آخر ثم استعملته قريش وأقرته عليه ثم أقر
عليه بعد الإسلام. وما يروى عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا أبا بكر
أنت عتيق الله من النار فمن يومئذ سمي عتيقاً فمعناه والله أعلم فمن ذلك اليوم
اشتهر به حتى لا يعرف له اسم سواه.
ذكر اسمه الصديق
واختلف في ذلك لأي معنى فقيل كان هذا اللقب قد غلب عليه في
الجاهلية لأنه كان في الجاهلية وجيهاً رئيساً من رؤساء قريش وكانت إليه الأشناق
وهي الديات كان إذا تحمل شنقاً قالت قريش صدقوه وأمضوا حمالته وحملها من قام معه
وإذا تحملها غيره خذلوه ولم يصدقوه. قال الجوهري الشنق ما دون الدية وقيل سمي
صديقاً لتصديقه النبي صلى الله عليه وسلم في خبر الإسراء عن عائشة قالت لما أسري
بالنبي صلى الله عليه وسلم إلي المسجد الأقصى أصبح يحدث الناس بذلك فارتد ناس
كانوا آمنوا به وسعى رجال من المشركين علي أبي بكر فقالوا هل لك إلى صاحبك يزعم
أنه أسري به الليلة إلي بيت المقدس قال وقد قال ذلك قالوا نعم قال لئن قال ذلك لقد
صدق قالوا تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح فقال نعم إني
لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك في خبر السماء في غدوة وروحة فلذلك سمي الصديق خرجه
الحاكم في المستدرك وابن إسحاق وقال مكان غدوة وروحة في ساعة من ليل أو نهار وزاد
فهذا أبعد مما تعجبون منه. ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال يا نبي الله حدث هؤلاء أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة قال نعم قال يا نبي
الله فصفه لي فإني قد جئته قال الحسن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع لي
حتى نظرت إليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفه لأبي بكر فيقول أبو بكر
صدقت أشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما وصف له منه شيئاً قال صدقت أشهد
أنك رسول الله قال حتى إذا انتهى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وكنت
يا أبا بكر الصديق فسماه يومئذ الصديق. قال الحسن وإن الله عز وجل أنزل فيمن ارتد
عن إسلامه لذلك: "وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس" وقول
أبي بكر صفه لي يحتمل معنيين. أحدهما إظهار صدق النبي صلى الله عليه وسلم لقومه
فإنهم كانوا يثقون بقول أبي بكر فإذا طابق خبره صلى الله عليه وسلم ما كان يعلم
أبو بكر وصدقه به كان حجة عليهم ظاهرة.
الثاني طمأنينة قلبه كقول إبراهيم عليه السلام: "ولكن
ليطمئن قلبي" لا أن أبا بكر كان عنده شك كلا بدليل تصديقه أول وهلة والله
أعلم. وعن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى رفع لي
بيت المقدس وأنا عند الكعبة فجعلت أنظر إليه وإلى ما فيه ولقد رأيت جهنم وأهلها
فيها وأهل الجنة في الجنة قبل أن يدخلوها كما أنظر إليك فخبرت بذلك قومي فكذبوني
غير أبي بكر الصديق. وعن مولى أبي هريرة قال أبو بكر بن أبي طالب أراه قال عن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليلة أسري بي قلت لجبريل عليه السلام
عن قومي لا يصدقوني قال لي جبريل يصدقك أبو بكر وهو الصديق خرجهما في فضائل أبي
بكر وخرج الباقي الملا في سيرته وقيل سمي صديقاً لبداره إلى تصديق رسول الله صلى
الله عليه وسلم في كل ما جاء به عموماً ويشهد لراجحية هذا القول أن الصديق في
اللغة فعيل معناها المبالغة في التصديق أي يصدق بكل شيء أول وهلة. ويؤيده حديث أبي
الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أنتم تاركون لي صاحبي قلت يا
أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً فقلتم كذبت فقال أبو بكر صدقت وسيأتي
الحديث مستوعباً إن شاء الله تعالى. وعن النزال بن سيرة قال وافقت من علي ذات يوم
طيب نفس ومزاحاً فقلنا يا أمير المؤمنين أخبرنا عن أصحابك خاصة قال كل أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم أصحابي فقلنا يا أمير المؤمنين أخبرنا إن أصحابك خاصة قال
لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب إلا وهو لي صاحب قلنا فأخبرنا عن أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سلوني قالوا أخبرنا عن أبي بكر بن أبي قحافة قال
ذاك امرؤ سماه الله الصديق على لسان جبريل عليه السلام وعلى لسان محمد صلى الله
عليه وسلم كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضيه لديننا فرضيناه لدنيانا
خرجه الخلعي وابن السمان في الموافقة. وعن أبي إسحاق السبيعي عن أبي تحيي قال لا
أحصي كم سمعت علياً على المنبر يقول إن الله عز وجل سمى أبا بكر على لسان نبيه صلى
الله عليه وسلم صديقاً خرجه في فضائله. وعن علي بن أبي طالب أنه كان يحلف بالله
العظيم أن الله عز وجل أنزل اسم أبي بكر من السماء الصديق خرجه السمرقندي وصاحب الصفوة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عرج بي إلى
السماء فما رأيت شيئاً إلا وجدت اسمي مكتوباً محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
أبو بكر الصديق خليفتي خرجه ابن عرفة العبدي والثقفي الأصفهاني. وعن الزهري يرفعه
إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال يكون خلفي اثنا عشر خليفة أبو بكر الصديق لا
يلبث إلا قليلاً خرجه صاحب الصفوة وقد سبق هذا الحديث في مناقب الثلاثة من رواية
عمر وفيه ذكر الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان خرجه ابن الضحاك والصوفي عن يحيى بن
معين ولا حجة في هذه الأحاديث لأحد المعنيين بعينه بل يجوز أن يكون سماه الله
ورسوله صديقاً لهما ويجوز أن يكون لأحدهما ويجوز أن يكون سمي بذلك مبالغة في وصفه
بالصدق ويشهد لذلك ما رواه أبو الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي بكر من سره أن ينظر على
مثل عيسى في الزهد فلينظر إليه خرجه في فضائله.
ذكر أنه كان يدعى في السماء
الحليم
عن أبي هريرة قال هبط جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فوقف ملياً بناحية فمر أبو بكر الصديق فقال جبريل عليه السلام يا محمد هذا ابن أبي
قحافة فقال يا جبريل أو تعرفونه في السماء فقال والذي بعثك بالحق لهو في السماء
أشهر منه في الأرض وإن اسمه في السماء أشهر منه في الأرض وإن اسمه في السماء
الحليم خرجه في فضائله والملا في سيرته.
شرح: ملياً أي زماناً وحيناً ومنه واهجرني ملياً أي زماناً طويلاً ومضى علي من
النهار أي ساعة طويلة والحليم المغضي عن الشيء المزعج فضلاً وكرماً تقول منه حلم
حلماً فإن تكلف ذلك ولم يكن من طبعه قيل تحلم فهم متحلم.
الفصل الثالث
في ذكر صفته
رضي الله عنه
عن عائشة رضي الله عنها وقد قيل لها صفي أبا بكر قالت كان
أبيض نحيفاً خفيف العارضين أجنأ لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه معروق الوجه غائر
العينين ناتئ الجبهة عاري الأشاجع خرجه أبو عمر. وعن قيس بن أبي حازم قال قدمت على
أبي بكر مع أبي في مرضه الذي مات فيه فرأيته رجلاً أسمر خفيف اللحم خرجه أبو بكر
بن مخلد والمشهور ما تقدم من أنه كان أبيض وكان يخضب بالحناء والكتم خرجه مسلم.
شرح: أجنأ بالجيم والهمزة أي منحنيا تقول منه جنأ يجنأ جنا بالقصر وجنوا ومنه سمي
الترس مجنا بضم الميم لانجنائه وأحنى بالحاء غير مهموز بمعناه يقال رجل أحنى الظهر
وامرأة حنياء وحنواء أي منحنية والحقو الكشح والحقوان الكشحان والجمع أحق وقد يسمى
الإزار حقوا للمجاورة لأنه يشد على الحقوين معروق الوجه أي قليل اللحم حتى يتبين
حجم العظم الأشاجع جمع أشجع بزنة أصبع وهي أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف
والكتم بالتحريك نبت وعن الأصمعي قال قال أبو عمرو بن العلاء كان النبي صلى الله
عليه وسلم أفرع وكان أبو بكر أفرع وكان عمر أصلع لم يبق من شعره إلا حفاف وهو أن
يبقي منه مثل الطرة حول رأسه يقال رجل أفرع وامرأة فرعاء إذا كان الشعر تاماً لم
يذهب منه شيء. وقال ابن دريد يقال امرأة فرعاء إذا كانت كثيرة الشعر ولا يقال
للرجل إذا كان عظيم الجمة واللحية أفرع إنما يقال رجل أفرع لضد الأصلع وأما صفاته
المعنوية فقد تقدم في ثناء علي في باب أبي بكر وعمر طرف منهما وسيأتي في باب
فضائله الكثير منها إن شاء الله تعالى.
الفصل الرابع
في إسلامه ذكر بدء إسلامه
عن ربيعة بن كعب قال كان إسلام أبي بكر شبيهاً بالوحي من
السماء وذلك أنه كان تاجراً بالشام فرأى رؤيا فقصها على بحيرا الراهب فقال له من
أين أنت فقال من مكة فقال من أيها قال من قريش قال فأي شيء أنت قال تاجر قال إن
صدق الله رؤياك فإنه يبعث نبي من قومك تكون وزيره في حياته وخليفته من بعد وفاته
فأسر ذلك أبو بكر في نفسه حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه فقال يا محمد ما
الدليل على ما تدعي قال الرؤيا التي رأيت بالشام فعانقه وقبل بين عينيه وقال أشهد
أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله قال أبو بكر وما بين لابتيها أشد من سرور
رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامي خرجه الفضائلي. وعن عائشة قالت خرج أبو بكر
يريد النبي صلى الله عليه وسلم وكان له صديقاً له في الجاهلية فلقيه فقال يا أبا
القاسم فقدت من مجالس قومك واتهموك بالعيب لآبائها وأديانها فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم إني رسول الله أدعوك إلى الله عز وجل فلما فرغ رسول الله صلى الله
عليه وسلم أسلم أبو بكر وما بين الأخشبين أكثر منه سروراً بإسلام أبي بكر خرجه
الحافظ أبو القاسم الدمشقي في الأربعين الطوال والحافظ ابن ناصر السلامي.
شرح: الأخشبان جبلا مكة ومنه لا تزول مكة حتى يزول أخشابها
والأخشب الجبل الخشن العظيم وعن أم سلمة قالت كان أبو بكر خدنا للنبي صلى الله
إليه وسلم وصفياً له فلما بعث صلى الله عليه وسلم انطلق رجال مع قريش على أبي بكر
فقالوا يا أبا بكر إن صاحبك هذا قد جن قال أبو بكر وما شأنه قالوا هو ذاك يدعو في
المسجد إلى توحيد إله واحد ويزعم أنه نبي فقال أبو بكر وقال ذاك قالوا نعم هو ذاك
في المسجد يقول فأقبل أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فطرق عليه الباب
فاستخرجه فلما ظهر له قال له أبو بكر يا أبا القاسم ما الذي بلغني عنك قال وما
بلغك عني يا أبا بكر قال بلغني أنك تدعو لتوحيد الله وزعمت أنك رسول الله فقال
النبي صلى الله عليه وسلم نعم يا أبا بكر إن ربي عز وجل جعلني بشيراً ونذيراً
وجعلني دعوة إبراهيم وأرسلني إلى الناس جميعاً قال له أبو بكر والله ما جربت عليك
كذباً وإنك لخليق بالرسالة لعظم أمانتك وصلتك لرحمك وحسن فعالك مد يدك فأنا أبايعك
فمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فبايعه أبو بكر وصدقه وأقر أن ما جاء به
الحق فوالله ما تلعثم أبو بكر حين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام
خرجه ابن إسحاق وخرجه صاحب فضائل أبي بكر. قال ابن إسحاق كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم فيما بلغني يقول ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة ونظر وتردد
إلا ما كان من أبي بكر بن أبي قحافة ما عكم عنه حين ذكرته له وما تردد فيه.
شرح: تلعثم الرجل في الأمر إذا تمكث فيه وتأتى وعكم أي انتظر والعكم الانتظار قاله
الجوهري وقال الخليل نكل عنه وسيأتي في مبدأ إسلام طلحة طرف من هذا الذكر. قال ابن
هشام حدثني بعض أهل العلم أن ابن عباس بن مرداس لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم
قال له النبي صلى الله عليه وسلم أنت القائل:
فقال أبو بكر بين عيينة والأقرع فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم هما واحد فقال أبو بكر أشهد أنك كما قال الله تعالى: "وما علمناه
الشعر وما ينبغي له".
ذكر ما جاء في أول من أسلم
عن علي بن أبي طالب قال أول من أسلم من الرجال أبو بكر وأول
من صلى إلى القبلة علي بن أبي طالب خرجه ابن السمان في الموافقة وعن الشعبي قال
سألت ابن عباس أو سئل أي الناس كان أول إسلاماً قال أما سمعت قول حسان بن ثابت:
ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسان هل قلت في
أبي بكر شيئاً قال نعم فأنشده هذه الأبيات وفيها بيت رابع:
فسر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقال أحسنت يا حسان خرجه
أبو عمر وروى أنه ضحك حتى بدت نواجذه ثم قال صدقت يا حسان هو كما قلت خرجه صاحب
الصفوة وفضائله قال أبو عمر وروى فيها بيت خامس:
شرح: الشجو الهم والحزن هذا أصله ولا أرى له وجهاً هنا إلا
أن يريد به ما كابده أبو بكر فأطلق عليه شجواً لاقتضائه ذلك أو أراد حزن أبي بكر
بما جرى على النبي صلى الله عليه وسلم النواجذ جمع ناجذ وهو آخر الأضراس وللإنسان
أربعة نواجذ في أقصى الفم بعد الإرحاء ويسمى ضرس الحلم لأنه ينبت بعد البلوغ وكمال
العقل قاله الجوهري يقال أصعد في السلم وصعد في الجبل وعلى الجبل وأصعد في الأرض
أي مضى وسار فاستعاره للجبل وصعد وأصعد في الوادي انحدر. وعن فرات بن السائب قال
قلت لميمون بن مهران أبو بكر الصديق أول إيماناً بالنبي صلى الله عليه وسلم أم علي
بن أبي طالب قال والله لقد آمن أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم زمن بحيرا
الراهب واختلف فيما بينه وبين خديجة حتى أنكحها إياه وذلك كله قبل أن يولد علي بن
أبي طالب والمراد بهذا الإيمان اليقين بصدقه وسيأتي ما يشهد له في الحديث بعده. عن
أبي سعيد الخدري قال قال أبو بكر ألست أحق الناس بهذا الأمر ألست أول من أسلم ألست
صاحب كذا خرجه البغوي وأبو حاتم. وعن ابن عباس أن أبا بكر صحب النبي صلى الله عليه
وسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة وهم يريدون الشام في تجارة حتى نزلوا منزلاً فيه سدرة
فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلها ومضى أبو بكر إلى راهب يقال له بحيرا
يسأله عن الدين فقال من الرجل الذي في ظل السدرة فقال ذاك محمد بن عبد الله قال
والله هذا نبي الله ما استظل تحتها أحد بعد عيسى بن مريم إلا محمد صلى الله عليه
وسلم فوقع في قلب أبي بكر اليقين خرجهما في فضائله وهذا يفسر قول ميمون بن مهران
وهو أنه أراد بإسلام أبي بكر ما وقر في قلبه من اليقين وإلا فالنبي صلى الله عليه
وسلم تزوج خديجة وسافر إلى الشام قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم وعن أبي نضرة قال
قال أبو بكر لعلي أنا أسلمت قبلك في حديث طويل فلم ينكر ذلك علي رضي الله عنه وعنه
عن أبي سعيد أن أبا بكر الصديق قال ألست أول من أسلم وعن عمار بن ياسر قال لقد
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر خرجه
الصوفي عن يحيى بن معين وعن عمرو بن عبسة قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو
بعكاظ فقلت من معك في هذا الأمر فقال حر وعبد وليس معه إلا أبو بكر وبلال وقال
انطلق حتى يمكن الله لرسوله ثم نجيبه وفي بعض طرقه أنه أتاه بمكة فوجد النبي صلى
الله عليه وسلم مستخفياً وذكر معناه خرجه مسلم في قصة طويلة من حديث أبي أمامة.
شرح: عكاظ اسم سوق للعرب بناحية مكة كانوا يجتمعون فيه كل سنة فيقيمون شهراً
ويتبايعون ويتناشدون الشعر ويتفاخرون فلما جاء الإسلام هدم ذلك كله قاله الجوهري.
عن زر عن عبد الله قال كان أول من أظهر الإسلام سبعة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم
فمنعه الله بعمه أبي طالب وأما أبا بكر فمنعه الله بقومه وأما سائرهم فأخذهم
المشركون فألبسوهم الدراع الحديد وصهروهم في الشمس فما منهم من أحد إلا وأتاهم على
ما أرادوا إلا بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله عز وجل وهان على قومه فأخذوه
وأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول أحد أحد خرجه أحمد في مسنده
وابن السري.
شرح: صهروهم يقال صهرته فانصهر أي أذبته فذاب فهو صهير ومنه يصهر ما في بطونهم
والجلود فكأنهم أذابوهم بالشمس والصهار ما ذاب من الشحم. وعنه أنه قال أول من أظهر
إسلامه بسيفه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر خرجه الواحدي.
ذكر أقاويل العلماء في أول من أسلم وبيان اختلافهم والجمع
بين الأحاديث المختلفة
لا خلاف بين أهل الأثر أن أبا بكر كان رجلاً لما آمن بالنبي
صلى الله عليه وسلم واختلفوا هل كان علي مولوداً حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم
أم لا وممن ذهب إلى أن أبا بكر أول من أسلم ابن عباس وحسان بن ثابت وأبو أروى
الدوسي وأسماء بنت أبي بكر والنخعي وابن الماجشون ومحمد بن المنكدر الأحسني ذكره
صاحب الصفوة وأبو عمر وغيرهما. قال أبو عمر وممن ذهب إلى أن علياً أول من أسلم من
الرجال سلمان وأبو ذر والمقداد وخباب وجابر وأبو سعيد الخدري وزيد بن الأرقم وهو
قول بن شهاب وعبد الله بن محمد ومحمد بن كعب وقتادة واتفقوا على أن خديجة أول من أسلم
مطلقاً. قال ابن إسحاق أول ذكر أسلم وصلى وصدق بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم
علي وهو ابن عشر سنين وقال أيضاً أول من أسلم علي ثم زيد بن حارثة ثم أبو بكر ثم
أسلم رهط من المسلمين منهم عثمان والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي
وقاص وكذلك ذكره ابن قتيبة في المعارف وقال غيره من أهل العلم أول من أسلم من
الرجال أبو بكر وأسلم علي وهو ابن ثمان سنين وأول من أسلم من النساء خديجة خرجه
الترمذي والأولى التوفيق بين الروايات كلها وتصديقها فيقال أول من أسلم مطلقاً
خديجة بنت خوليد وأول ذكر أسلم علي بن أبي طالب وهو صبي لم يبلغ كما تقدم في سنه
وكان مستخفياً بإسلامه وأول رجل عربي بالغ أسلم وأظهر إسلامه أبو بكر بن أبي قحافة
أول من أسلم من الموالي زيد بن حارثة وهذا متفق عليه لا خلاف فيه وعليه يحمل قول
علي وغيره أول من أسلم من الرجال أبو بكر أي الرجال البالغين. ويؤيد ذلك ما روى عن
الحسن قال جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فقال يا أمير المؤمنين كيف سبق المهاجرون
والأنصار إلى بيعة أبي بكر وأنت أسبق منه سابقة وأروى منه منقبة قال فقال علي ويلك
إن أبا بكر سبقني إلى أربع لم أوتهن ولم أعتض منهن بشيء سبقني إلى إفشاء الإسلام
وقدم الهجرة ومصاحبته في الغار وأقام الصلاة وأنا يومئذ بالشعب يظهر الإسلام
وأخفيه وتستحقرني قريش وتستوفيه والله لو أن أبا بكر زال عن مزيته ما بلغ الدين
العبرين يعني الجانبين ولكان الناس كرعة ككرعة طالوت ويلك إن الله عز وجل ذم الناس
ومدح أبا بكر فقال: "إلا تنصروه فقد نصره الله" الآية كلها فرحمة الله
على أبي بكر وأبلغ الله روحه مني السلام خرجه في فضائل أبي بكر وخرج خيثمة بن
سليمان معناه بزيادة ولفظه عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال أقبل رجل
فتخلص الناس حتى وقف على علي بن أبي طالب فقال يا أمير المؤمنين ما بال المهاجرين
والأنصار قدموا أبا بكر وأنت أورى منه منقبة وأقدم إسلاماً وأسبق سابقة قال إن كنت
قرشياً فأحسبك من عائذة قال نعم قال لولا أن المؤمن عائذ الله لقتلتك ويحك إن أبا
بكر سبقني لأربع لم أوتهن ولم أعتض منهن سبقني إلى الإمامة أو تقدم الإمامة وتقدم
الهجرة وإلى الغار وإفشاء الإسلام وذكر معنى ما بقي وخرجه ابن السمان في الموافقة
وزاد بعد قوله من عائذة وأحسبك من ذؤالة بنسب قال له الرجل أجل ثم ذكر معنى ما
تقدم وزاد في آخره ثم قال لا أجد أحداً يفضلني على أبي بكر إلا جلدته جلد المفتري.
شرح: أورى من ورى الزند وورى خرجت ناره فظهرت أي أظهر منقبة
وأنور والمنقبة ضد المثلبة والشعب الطريق في الجبل وهو بالكسر وهو شعب معروف بني
هاشم بمكة وتستوفيه يريد والله أعلم توفيته حقه من الإعظام الإكرام والمزية
الفضيلة أي لو زال عن فضيلته بالتقديم على الناس إماماً وكرعة جمع كارع كركبة وراكب
من كرع بالفتح يكرع إذا شرب الماء بفيه دون إناء ولعله والله أعلم أراد أن لولا
أبو بكر لخالف الناس الدين كما خالفه كرعة طالوت بالشرب من النهر الذي نهوا عن
الشرب منه والله أعلم. وعن محمد بن الحنفية وقد سئل أكان أبو بكر أول القوم
إسلاماً قال لا فقيل له فبأي شيء علا وسبق حتى لا يذكر غيره قال فإنه أسلم يوم
أسلم وكان خيرهم إسلاماً ولم يزل على ذلك حتى توفاه الله تعالى. وفي رواية قال
لأنه كان أفضلهم إيماناً حتى قبض خرجهما ابن السمان في الموافقة. وعن محمد بن كعب
وقد سئل عن أول من أسلم علي وأبو بكر فقال سبحان الله علي أولهما إسلاماً وإنما
شبه على الناس لأن علياً أعطى السلامة من أبي طالب وأسلم أبو بكر وأظهر إسلامه ولا
شك عندنا أن علياً أولهما إسلاماً خرجه أبو عمر. وعنه قال أبو بكر أول من أظهر
الإسلام وكان علي يكتم الإسلام فرقاً من أبيه حتى لقيه أبو طالب فقال أسلمت قال
نعم قال وآزر ابن عمك وانصره وأسلم علي قبل أبي بكر خرجه الحاكمي في الأربعين.
في مناقب الأفراد وفيه عشرة أبواب
الباب الأول
في مناقب خليفة رسول الله أبي بكر
الصديق
رضي الله عنه وفيه خمسة عشر فصلاً
الفصل الأول في نسبه الثاني في اسمه الثالث في صفته الرابع
في إسلامه الخامس فيمن أسلم علي يديه السادس فيما كان بينه وبين النبي صلي الله
عليه وسلم من الود في الجاهلية السابع فيما لقي بسبب دعائه إلى الله تعالى ودفعه
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الثامن في هجرته التاسع في خصائصه العاشر في
أفضليته الحادي عشر في الشهادة له بالجنة الثاني عشر في فضائله الثالث عشر في
خلافته الرابع عشر في وفاته الخامس عشر في ولده.
الفصل الأول
في ذكر نسبه وإسلام أبويه
وقد تقدم ذكر آبائه في الشجرة في أنساب العشرة وينسب إلى تيم
من مرة فيقال التيمي وهو في العدد إلى مرة مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن
بين كل واحد منهما وبين مرة ستة آباء فهذه موافقة اتفقت بينهما في النسب كما اتفقت
في العمر على أصح الأقوال كما سيأتي إن شاء الله. أمه أم الخير لفظاً ومعنى سلمى
بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ابنة عم أبيه هكذا ذكره جمهور أهل
النسب ومن شذ فقال بنت صخر بن عامر بن عمر بن كعب فجعلها ابنة عمه فليس بصحيح.
ذكر إسلام أبي قحافة
عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة أبو أبي
بكر الصديق أسلم يوم الفتح وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاش مدة حياة
النبي صلى اله عليه وسلم مدة خلافة ولده وتوفي في خلافة عمر رضي الله عنهم أجمعين.
عن أسماء بنت أبي بكر قالت لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي طوى قال أبو
قحافة لابنة له من أصغر ولده أي بنية اظهري بي على أبي قبيس قالت وقد كف بصره قالت
فأشرفت به عليه فقال يا بنية ماذا ترين قالت أرى سواداً مجتمعاً قال تلك الخيل
قالت وأرى رجلاً يسعى بين ذلك السواد مقبلاً ومدبراً قال يا بنية ذلك الوازع الذي
يأمر الخيل ويتقدم إليها ثم قالت قد والله انتشر السواد فقال قد والله دفعت الخيل
فأسرعي بي إلى بيتي فانحطت به وتلقاه الخيل قبل أن يصل إلى بيته وفي عنق الجارية
طوق لها من ورق فتلقاها رجل فاقتلعه من عنقها قالت فلما دخل رسول الله صلى الله
عليه وسلم مكة ودخل المسجد أتاه أبو بكر بأبيه يقوده فلما رآه النبي صلى الله عليه
وسلم قال هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه قال أبو بكر يا رسول الله هو
أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه.
وفي رواية لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه مكرمة لأبي بكر قال فأجلسه بين يديه ثم
مسح صدره ثم قال له أسلم فأسلم وكان رأسه كالثغامة فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم غيروا هذا من شعره ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته فقال أنشد الله والإسلام طوق
أختي فلم يجبه أحد فقال يا أخية احتسبي طوقك فوالله إن الأمانة في الناس اليوم
لقليل خرجه أحمد وأبو حاتم وابن إسحاق وفي رواية بعد قوله ألا تركت الشيخ حتى
تأتيه قال أردت يا رسول الله أن يأخذه الله عز وجل أما والذي بعثك بالحق لأنا كنت
أشد فرحاً بإسلام أبي طالب مني بإسلام أبي ألتمس بذلك قرة عينك قال صدقت خرجه في
فضائل أبي بكر وقال حديث حسن.
شرح: الوازع الذي يتقدم الصف فيصلحه ويقدم يؤخر ومنه قول الحسن لابد للناس من وازع
أي سلطان يكف بعضهم عن بعض والثغامة واحدة الثغام وهو نبت يبيض إذا يبس ويشبه به
الشيب ذكره الجوهري اللغوي.
ذكر إسلام أمه أم الخير
سلمى بنت صخر أسلمت قديماً في دار الأرقم بن أبي الأرقم
وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم وماتت مسلمة ذكره الحافظ الدمشقي وصاحب الصفوة
وغيرهما عن عائشة قالت لما اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا تسعة
وثلاثين رجلاً ألح أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور فقال يا
أبا بكر إنا قليل فلم يزل يلح على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظهر رسول الله
صلى الله عليه وسلم وتفرق المسلمون في نواحي المسجد وقام أبو بكر في الناس خطيباً
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وكان أول خطيب دعا إلى الله عز وجل وإلى رسوله
صلى الله عليه وسلم وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين فضربوهم في نواحي
المسجد ضرباً شديداً ووطيء أبو بكر وضرب ضرباً شديداً ودنا منه الفاسق عتبة بن
ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفين ويحرفهما لوجهه وأثر ذلك حتى ما يعرف أنفه من
وجهه وجاءت بنو تيم تتعادى فأجلوا المشركين عن أبي بكر وحملوا أبا بكر في ثوب حتى
أدخلوه بيته ولا يشكون في موته ورجع بنو تيم فدخلوا المسجد وقالوا والله لئن مات أبو
بكر لنقتلن عتبة ورجعوا إلى أبي بكر فجعل أبو قحافة وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى
أجابهم فتكلم آخر النهار ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنالوه بألسنتهم
وعذلوه ثم قاموا وقالوا لأم الخير بنت صخر انظري أن تطعميه شيئاً أو تسقيه إياه.
فلما خلت به وألحت جعل يقول ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت والله ما
أعلم بصاحبك قال فاذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه فخرجت حتى جاءت إلى
أم جميل فقالت إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله قالت ما أعرف أبا بكر ولا
محمد بن عبد الله وإن تحبي أن أمضي معك إلى أبنك فعلت قالت نعم فمضت معها حتى وجدت
أبا بكر صريعاً دنفاً فدنت منه أم جميل وأعلنت بالصياح وقالت إن قوماً نالوا منك
هذا لأهل فسق وإن لأرجو أن ينتقم الله لك قال ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالت هذه أمك تسمع قال فلا عين عليك منها قالت سالم صالح قال فأين هو قالت في دار
الأرقم قال فإن لله علي ألية أن لا أذوق طعاماً ولا شراباً أو آتي رسول الله صلى
الله عليه وسلم فأمهلناه حتى إذا هدأت الرجل وسكن الناس خرجت به يتكئ عليهما حتى
دخلتا على النبي صلى الله عليه وسلم قال فانكب عليه فقبله وانكب عليه المسلمون ورق
له رسول الله صلى الله عليه وسلم رقة شديدة فقال أبو بكر بأبي أنت وأمي ليس بي إلا
ما نال الفاسق من وجهي هذه أمي برة بوالديها وأنت مبارك فادعها إلى الله وادع الله
عز وجل لها عسى أن يستنقذها بك من النار فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأسلمت فأقاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً وهم تسعة وثلاثون رجلاً
وكان إسلام حمزة يوم ضرب أبي بكر. خرجه الحافظ الدمشقي في الأربعين الطوال وخرجه
ابن ناصر السلامي من حديث عبد الله بن محمد الطلحي عن القاسم بن محمد عن عائشة.
شرح: الألية اليمين على وزن فعلية الجمع الألايا قال الشاعر:
قليل الألايا حافظ ليمـينـه | | وإن سبقت منه الألية برت |
وكذلك الألوة بضم الهمزة وفتحها وكسرها وإسكان اللام وأما
الألوة بالتشديد وضم الهمزة وفتحها فالعود الذي يتبخر به هدأت الرجل بالهمز سكنت
والهدأة والهدوء السكون وعن علي بن أبي طالب قال في أبي بكر أسلم أبواه جميعاً ولم
يجتمع لأحد من الصحابة المهاجرين أبواه غيره أخرجه الواحدي. وعن ابن عباس في قوله
تعالى: "وحمله وفصاله ثلاثون شهراً حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب
أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي" نزلت في أبي بكر وكان حمله
وفصاله كذلك قال وقد علم أن كل أحد لا يلهم هذا القول فعلم أنه رجل بعينه وكان أبا
بكر ومعنى بلوغ أشده ثلاث عشرة سنة وذلك أنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
ابن ثمان عشرة سنة في تجارة إلى الشام وكان لا يفارقه في أسفاره وحضره فرأى من
الآيات ما سبق بها اليقين في قلبه فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم آمن به وصدقه
وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي بالهداية إلى الإيمان وعلى والدي
كذلك وأن أعمل صالحاً ترضاه فأجابه الله تعالى وأعتق سبعة مؤمنين وأصلح لي في
ذريتي فأجابه الله تعالى أيضاً ولم يبق له ولد ولا ولد ولد إلا آمن وصدق خرجه
الواحدي وأسلمت أيضاً أخته لأبيه أم فروة بنت أبي قحافة وتزوجت الأشعث بن قيس
فولدت له محمداً ذكره الدارقطني.
الفصل الثاني
في ذكر اسمه
وكان اسمه رضي الله عنه عبد الله وقيل عبد الكعبة فلما أسلم
سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله قاله جمهور أهل النسب وأكثر المحدثين ذكر
اسمه عتيقاً واختلفوا في ذلك فقيل أنه لقب لقب به في الإسلام وهو أول لقب عرف في
الإسلام قاله محمد بن حمدوية النيسابوري وقال ابن إسحاق في جماعة بل هو اسم سماه
به أبوه ويروى ذلك عن عائشة رضي الله عنها. وروي عن موسى بن طلحة أنه سمته به أمه
واختلفوا لم سمي عتيقاً فقال الليث بن سعد في جماعة سمي بذلك لعتاقة وجهه وجماله
والعتق الجمال وقيل إن الذي لقبه به لجمال وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره
ابن قتيبة في المعارف وعن موسى بن طلحة بن عبيد الله قال كانت أمه لا يعيش لها ولد
فلما ولدته استقبلت به البيت ثم قالت اللهم عن هذا عتيقك من الموت فهبه لي فعاش
فسماه عتيقاً وكان يعرف به رواه الخجندي في الأربعين وغيره وقيل كان له أخوان عتق
وعتيق فسمي باسم أحدهما ذكره البغوي في معجمه وقال مصعب وطائفة من أهل النسب إنما
سمي عتيقاً لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به. وقال أبو نعيم الفضل بن دكين سمي
بذلك لأنه قديم في الخير والعتيق القديم تقول منه عتق بضم التاء عتقاً وعتاقة وقال
آخرون سمي بذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من سره أن ينظر إلى عتيق من
النار فلينظر إلى هذا فسمي عتيقاً لذلك روته عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين
قالت وإن اسمه الذي سماه به أهله لعبد الله ذكره أبو عمر وغيره وعليه أكثر
المحدثين. وعن عبد الله بن الزبير قال كان اسم أبي بكر عبد الله بن عثمان فقال له
النبي صلى الله عليه وسلم أنت عتيق الله من النار فسمي عتيقاً لذلك خرجه الترمذي
وأبو حاتم ولا تضاد بين هذه الأقوال كلها إذ يجوز أن يكون أحد الأبوين لقبه بذلك
لمعنى ثم تابعه الآخر عليه له أو لمعنى آخر ثم استعملته قريش وأقرته عليه ثم أقر
عليه بعد الإسلام. وما يروى عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا أبا بكر
أنت عتيق الله من النار فمن يومئذ سمي عتيقاً فمعناه والله أعلم فمن ذلك اليوم
اشتهر به حتى لا يعرف له اسم سواه.
ذكر اسمه الصديق
واختلف في ذلك لأي معنى فقيل كان هذا اللقب قد غلب عليه في
الجاهلية لأنه كان في الجاهلية وجيهاً رئيساً من رؤساء قريش وكانت إليه الأشناق
وهي الديات كان إذا تحمل شنقاً قالت قريش صدقوه وأمضوا حمالته وحملها من قام معه
وإذا تحملها غيره خذلوه ولم يصدقوه. قال الجوهري الشنق ما دون الدية وقيل سمي
صديقاً لتصديقه النبي صلى الله عليه وسلم في خبر الإسراء عن عائشة قالت لما أسري
بالنبي صلى الله عليه وسلم إلي المسجد الأقصى أصبح يحدث الناس بذلك فارتد ناس
كانوا آمنوا به وسعى رجال من المشركين علي أبي بكر فقالوا هل لك إلى صاحبك يزعم
أنه أسري به الليلة إلي بيت المقدس قال وقد قال ذلك قالوا نعم قال لئن قال ذلك لقد
صدق قالوا تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح فقال نعم إني
لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك في خبر السماء في غدوة وروحة فلذلك سمي الصديق خرجه
الحاكم في المستدرك وابن إسحاق وقال مكان غدوة وروحة في ساعة من ليل أو نهار وزاد
فهذا أبعد مما تعجبون منه. ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال يا نبي الله حدث هؤلاء أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة قال نعم قال يا نبي
الله فصفه لي فإني قد جئته قال الحسن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع لي
حتى نظرت إليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفه لأبي بكر فيقول أبو بكر
صدقت أشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما وصف له منه شيئاً قال صدقت أشهد
أنك رسول الله قال حتى إذا انتهى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وكنت
يا أبا بكر الصديق فسماه يومئذ الصديق. قال الحسن وإن الله عز وجل أنزل فيمن ارتد
عن إسلامه لذلك: "وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس" وقول
أبي بكر صفه لي يحتمل معنيين. أحدهما إظهار صدق النبي صلى الله عليه وسلم لقومه
فإنهم كانوا يثقون بقول أبي بكر فإذا طابق خبره صلى الله عليه وسلم ما كان يعلم
أبو بكر وصدقه به كان حجة عليهم ظاهرة.
الثاني طمأنينة قلبه كقول إبراهيم عليه السلام: "ولكن
ليطمئن قلبي" لا أن أبا بكر كان عنده شك كلا بدليل تصديقه أول وهلة والله
أعلم. وعن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى رفع لي
بيت المقدس وأنا عند الكعبة فجعلت أنظر إليه وإلى ما فيه ولقد رأيت جهنم وأهلها
فيها وأهل الجنة في الجنة قبل أن يدخلوها كما أنظر إليك فخبرت بذلك قومي فكذبوني
غير أبي بكر الصديق. وعن مولى أبي هريرة قال أبو بكر بن أبي طالب أراه قال عن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليلة أسري بي قلت لجبريل عليه السلام
عن قومي لا يصدقوني قال لي جبريل يصدقك أبو بكر وهو الصديق خرجهما في فضائل أبي
بكر وخرج الباقي الملا في سيرته وقيل سمي صديقاً لبداره إلى تصديق رسول الله صلى
الله عليه وسلم في كل ما جاء به عموماً ويشهد لراجحية هذا القول أن الصديق في
اللغة فعيل معناها المبالغة في التصديق أي يصدق بكل شيء أول وهلة. ويؤيده حديث أبي
الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أنتم تاركون لي صاحبي قلت يا
أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً فقلتم كذبت فقال أبو بكر صدقت وسيأتي
الحديث مستوعباً إن شاء الله تعالى. وعن النزال بن سيرة قال وافقت من علي ذات يوم
طيب نفس ومزاحاً فقلنا يا أمير المؤمنين أخبرنا عن أصحابك خاصة قال كل أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم أصحابي فقلنا يا أمير المؤمنين أخبرنا إن أصحابك خاصة قال
لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب إلا وهو لي صاحب قلنا فأخبرنا عن أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سلوني قالوا أخبرنا عن أبي بكر بن أبي قحافة قال
ذاك امرؤ سماه الله الصديق على لسان جبريل عليه السلام وعلى لسان محمد صلى الله
عليه وسلم كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضيه لديننا فرضيناه لدنيانا
خرجه الخلعي وابن السمان في الموافقة. وعن أبي إسحاق السبيعي عن أبي تحيي قال لا
أحصي كم سمعت علياً على المنبر يقول إن الله عز وجل سمى أبا بكر على لسان نبيه صلى
الله عليه وسلم صديقاً خرجه في فضائله. وعن علي بن أبي طالب أنه كان يحلف بالله
العظيم أن الله عز وجل أنزل اسم أبي بكر من السماء الصديق خرجه السمرقندي وصاحب الصفوة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عرج بي إلى
السماء فما رأيت شيئاً إلا وجدت اسمي مكتوباً محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
أبو بكر الصديق خليفتي خرجه ابن عرفة العبدي والثقفي الأصفهاني. وعن الزهري يرفعه
إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال يكون خلفي اثنا عشر خليفة أبو بكر الصديق لا
يلبث إلا قليلاً خرجه صاحب الصفوة وقد سبق هذا الحديث في مناقب الثلاثة من رواية
عمر وفيه ذكر الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان خرجه ابن الضحاك والصوفي عن يحيى بن
معين ولا حجة في هذه الأحاديث لأحد المعنيين بعينه بل يجوز أن يكون سماه الله
ورسوله صديقاً لهما ويجوز أن يكون لأحدهما ويجوز أن يكون سمي بذلك مبالغة في وصفه
بالصدق ويشهد لذلك ما رواه أبو الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي بكر من سره أن ينظر على
مثل عيسى في الزهد فلينظر إليه خرجه في فضائله.
ذكر أنه كان يدعى في السماء
الحليم
عن أبي هريرة قال هبط جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فوقف ملياً بناحية فمر أبو بكر الصديق فقال جبريل عليه السلام يا محمد هذا ابن أبي
قحافة فقال يا جبريل أو تعرفونه في السماء فقال والذي بعثك بالحق لهو في السماء
أشهر منه في الأرض وإن اسمه في السماء أشهر منه في الأرض وإن اسمه في السماء
الحليم خرجه في فضائله والملا في سيرته.
شرح: ملياً أي زماناً وحيناً ومنه واهجرني ملياً أي زماناً طويلاً ومضى علي من
النهار أي ساعة طويلة والحليم المغضي عن الشيء المزعج فضلاً وكرماً تقول منه حلم
حلماً فإن تكلف ذلك ولم يكن من طبعه قيل تحلم فهم متحلم.
الفصل الثالث
في ذكر صفته
رضي الله عنه
عن عائشة رضي الله عنها وقد قيل لها صفي أبا بكر قالت كان
أبيض نحيفاً خفيف العارضين أجنأ لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه معروق الوجه غائر
العينين ناتئ الجبهة عاري الأشاجع خرجه أبو عمر. وعن قيس بن أبي حازم قال قدمت على
أبي بكر مع أبي في مرضه الذي مات فيه فرأيته رجلاً أسمر خفيف اللحم خرجه أبو بكر
بن مخلد والمشهور ما تقدم من أنه كان أبيض وكان يخضب بالحناء والكتم خرجه مسلم.
شرح: أجنأ بالجيم والهمزة أي منحنيا تقول منه جنأ يجنأ جنا بالقصر وجنوا ومنه سمي
الترس مجنا بضم الميم لانجنائه وأحنى بالحاء غير مهموز بمعناه يقال رجل أحنى الظهر
وامرأة حنياء وحنواء أي منحنية والحقو الكشح والحقوان الكشحان والجمع أحق وقد يسمى
الإزار حقوا للمجاورة لأنه يشد على الحقوين معروق الوجه أي قليل اللحم حتى يتبين
حجم العظم الأشاجع جمع أشجع بزنة أصبع وهي أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف
والكتم بالتحريك نبت وعن الأصمعي قال قال أبو عمرو بن العلاء كان النبي صلى الله
عليه وسلم أفرع وكان أبو بكر أفرع وكان عمر أصلع لم يبق من شعره إلا حفاف وهو أن
يبقي منه مثل الطرة حول رأسه يقال رجل أفرع وامرأة فرعاء إذا كان الشعر تاماً لم
يذهب منه شيء. وقال ابن دريد يقال امرأة فرعاء إذا كانت كثيرة الشعر ولا يقال
للرجل إذا كان عظيم الجمة واللحية أفرع إنما يقال رجل أفرع لضد الأصلع وأما صفاته
المعنوية فقد تقدم في ثناء علي في باب أبي بكر وعمر طرف منهما وسيأتي في باب
فضائله الكثير منها إن شاء الله تعالى.
الفصل الرابع
في إسلامه ذكر بدء إسلامه
عن ربيعة بن كعب قال كان إسلام أبي بكر شبيهاً بالوحي من
السماء وذلك أنه كان تاجراً بالشام فرأى رؤيا فقصها على بحيرا الراهب فقال له من
أين أنت فقال من مكة فقال من أيها قال من قريش قال فأي شيء أنت قال تاجر قال إن
صدق الله رؤياك فإنه يبعث نبي من قومك تكون وزيره في حياته وخليفته من بعد وفاته
فأسر ذلك أبو بكر في نفسه حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه فقال يا محمد ما
الدليل على ما تدعي قال الرؤيا التي رأيت بالشام فعانقه وقبل بين عينيه وقال أشهد
أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله قال أبو بكر وما بين لابتيها أشد من سرور
رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامي خرجه الفضائلي. وعن عائشة قالت خرج أبو بكر
يريد النبي صلى الله عليه وسلم وكان له صديقاً له في الجاهلية فلقيه فقال يا أبا
القاسم فقدت من مجالس قومك واتهموك بالعيب لآبائها وأديانها فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم إني رسول الله أدعوك إلى الله عز وجل فلما فرغ رسول الله صلى الله
عليه وسلم أسلم أبو بكر وما بين الأخشبين أكثر منه سروراً بإسلام أبي بكر خرجه
الحافظ أبو القاسم الدمشقي في الأربعين الطوال والحافظ ابن ناصر السلامي.
شرح: الأخشبان جبلا مكة ومنه لا تزول مكة حتى يزول أخشابها
والأخشب الجبل الخشن العظيم وعن أم سلمة قالت كان أبو بكر خدنا للنبي صلى الله
إليه وسلم وصفياً له فلما بعث صلى الله عليه وسلم انطلق رجال مع قريش على أبي بكر
فقالوا يا أبا بكر إن صاحبك هذا قد جن قال أبو بكر وما شأنه قالوا هو ذاك يدعو في
المسجد إلى توحيد إله واحد ويزعم أنه نبي فقال أبو بكر وقال ذاك قالوا نعم هو ذاك
في المسجد يقول فأقبل أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فطرق عليه الباب
فاستخرجه فلما ظهر له قال له أبو بكر يا أبا القاسم ما الذي بلغني عنك قال وما
بلغك عني يا أبا بكر قال بلغني أنك تدعو لتوحيد الله وزعمت أنك رسول الله فقال
النبي صلى الله عليه وسلم نعم يا أبا بكر إن ربي عز وجل جعلني بشيراً ونذيراً
وجعلني دعوة إبراهيم وأرسلني إلى الناس جميعاً قال له أبو بكر والله ما جربت عليك
كذباً وإنك لخليق بالرسالة لعظم أمانتك وصلتك لرحمك وحسن فعالك مد يدك فأنا أبايعك
فمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فبايعه أبو بكر وصدقه وأقر أن ما جاء به
الحق فوالله ما تلعثم أبو بكر حين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام
خرجه ابن إسحاق وخرجه صاحب فضائل أبي بكر. قال ابن إسحاق كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم فيما بلغني يقول ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة ونظر وتردد
إلا ما كان من أبي بكر بن أبي قحافة ما عكم عنه حين ذكرته له وما تردد فيه.
شرح: تلعثم الرجل في الأمر إذا تمكث فيه وتأتى وعكم أي انتظر والعكم الانتظار قاله
الجوهري وقال الخليل نكل عنه وسيأتي في مبدأ إسلام طلحة طرف من هذا الذكر. قال ابن
هشام حدثني بعض أهل العلم أن ابن عباس بن مرداس لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم
قال له النبي صلى الله عليه وسلم أنت القائل:
فأصبح نهبي ونهب العبيد | | بين الأقـرع وعــيينة |
فقال أبو بكر بين عيينة والأقرع فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم هما واحد فقال أبو بكر أشهد أنك كما قال الله تعالى: "وما علمناه
الشعر وما ينبغي له".
ذكر ما جاء في أول من أسلم
عن علي بن أبي طالب قال أول من أسلم من الرجال أبو بكر وأول
من صلى إلى القبلة علي بن أبي طالب خرجه ابن السمان في الموافقة وعن الشعبي قال
سألت ابن عباس أو سئل أي الناس كان أول إسلاماً قال أما سمعت قول حسان بن ثابت:
إذا تذكرت شجواً من أخي ثـقة | | فاذكر أخاك أبا بكر بما فعـلا |
خير البرية أتقاها وأعـدلـهـا | | بعد النبي وأوفاها بما حـمـلا |
والثاني التالي المحمود مشهـده | | وأول الناس منهم صدق الرسلا |
ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسان هل قلت في
أبي بكر شيئاً قال نعم فأنشده هذه الأبيات وفيها بيت رابع:
وثاني اثنين في الغار المنيف وقد | | طاف العدو بهم إذ صعدا الجبلا |
فسر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقال أحسنت يا حسان خرجه
أبو عمر وروى أنه ضحك حتى بدت نواجذه ثم قال صدقت يا حسان هو كما قلت خرجه صاحب
الصفوة وفضائله قال أبو عمر وروى فيها بيت خامس:
وكان حب رسول الله قد علموا | | من البرية لم يعدل به رجـلا |
شرح: الشجو الهم والحزن هذا أصله ولا أرى له وجهاً هنا إلا
أن يريد به ما كابده أبو بكر فأطلق عليه شجواً لاقتضائه ذلك أو أراد حزن أبي بكر
بما جرى على النبي صلى الله عليه وسلم النواجذ جمع ناجذ وهو آخر الأضراس وللإنسان
أربعة نواجذ في أقصى الفم بعد الإرحاء ويسمى ضرس الحلم لأنه ينبت بعد البلوغ وكمال
العقل قاله الجوهري يقال أصعد في السلم وصعد في الجبل وعلى الجبل وأصعد في الأرض
أي مضى وسار فاستعاره للجبل وصعد وأصعد في الوادي انحدر. وعن فرات بن السائب قال
قلت لميمون بن مهران أبو بكر الصديق أول إيماناً بالنبي صلى الله عليه وسلم أم علي
بن أبي طالب قال والله لقد آمن أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم زمن بحيرا
الراهب واختلف فيما بينه وبين خديجة حتى أنكحها إياه وذلك كله قبل أن يولد علي بن
أبي طالب والمراد بهذا الإيمان اليقين بصدقه وسيأتي ما يشهد له في الحديث بعده. عن
أبي سعيد الخدري قال قال أبو بكر ألست أحق الناس بهذا الأمر ألست أول من أسلم ألست
صاحب كذا خرجه البغوي وأبو حاتم. وعن ابن عباس أن أبا بكر صحب النبي صلى الله عليه
وسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة وهم يريدون الشام في تجارة حتى نزلوا منزلاً فيه سدرة
فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلها ومضى أبو بكر إلى راهب يقال له بحيرا
يسأله عن الدين فقال من الرجل الذي في ظل السدرة فقال ذاك محمد بن عبد الله قال
والله هذا نبي الله ما استظل تحتها أحد بعد عيسى بن مريم إلا محمد صلى الله عليه
وسلم فوقع في قلب أبي بكر اليقين خرجهما في فضائله وهذا يفسر قول ميمون بن مهران
وهو أنه أراد بإسلام أبي بكر ما وقر في قلبه من اليقين وإلا فالنبي صلى الله عليه
وسلم تزوج خديجة وسافر إلى الشام قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم وعن أبي نضرة قال
قال أبو بكر لعلي أنا أسلمت قبلك في حديث طويل فلم ينكر ذلك علي رضي الله عنه وعنه
عن أبي سعيد أن أبا بكر الصديق قال ألست أول من أسلم وعن عمار بن ياسر قال لقد
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر خرجه
الصوفي عن يحيى بن معين وعن عمرو بن عبسة قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو
بعكاظ فقلت من معك في هذا الأمر فقال حر وعبد وليس معه إلا أبو بكر وبلال وقال
انطلق حتى يمكن الله لرسوله ثم نجيبه وفي بعض طرقه أنه أتاه بمكة فوجد النبي صلى
الله عليه وسلم مستخفياً وذكر معناه خرجه مسلم في قصة طويلة من حديث أبي أمامة.
شرح: عكاظ اسم سوق للعرب بناحية مكة كانوا يجتمعون فيه كل سنة فيقيمون شهراً
ويتبايعون ويتناشدون الشعر ويتفاخرون فلما جاء الإسلام هدم ذلك كله قاله الجوهري.
عن زر عن عبد الله قال كان أول من أظهر الإسلام سبعة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم
فمنعه الله بعمه أبي طالب وأما أبا بكر فمنعه الله بقومه وأما سائرهم فأخذهم
المشركون فألبسوهم الدراع الحديد وصهروهم في الشمس فما منهم من أحد إلا وأتاهم على
ما أرادوا إلا بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله عز وجل وهان على قومه فأخذوه
وأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول أحد أحد خرجه أحمد في مسنده
وابن السري.
شرح: صهروهم يقال صهرته فانصهر أي أذبته فذاب فهو صهير ومنه يصهر ما في بطونهم
والجلود فكأنهم أذابوهم بالشمس والصهار ما ذاب من الشحم. وعنه أنه قال أول من أظهر
إسلامه بسيفه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر خرجه الواحدي.
ذكر أقاويل العلماء في أول من أسلم وبيان اختلافهم والجمع
بين الأحاديث المختلفة
لا خلاف بين أهل الأثر أن أبا بكر كان رجلاً لما آمن بالنبي
صلى الله عليه وسلم واختلفوا هل كان علي مولوداً حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم
أم لا وممن ذهب إلى أن أبا بكر أول من أسلم ابن عباس وحسان بن ثابت وأبو أروى
الدوسي وأسماء بنت أبي بكر والنخعي وابن الماجشون ومحمد بن المنكدر الأحسني ذكره
صاحب الصفوة وأبو عمر وغيرهما. قال أبو عمر وممن ذهب إلى أن علياً أول من أسلم من
الرجال سلمان وأبو ذر والمقداد وخباب وجابر وأبو سعيد الخدري وزيد بن الأرقم وهو
قول بن شهاب وعبد الله بن محمد ومحمد بن كعب وقتادة واتفقوا على أن خديجة أول من أسلم
مطلقاً. قال ابن إسحاق أول ذكر أسلم وصلى وصدق بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم
علي وهو ابن عشر سنين وقال أيضاً أول من أسلم علي ثم زيد بن حارثة ثم أبو بكر ثم
أسلم رهط من المسلمين منهم عثمان والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي
وقاص وكذلك ذكره ابن قتيبة في المعارف وقال غيره من أهل العلم أول من أسلم من
الرجال أبو بكر وأسلم علي وهو ابن ثمان سنين وأول من أسلم من النساء خديجة خرجه
الترمذي والأولى التوفيق بين الروايات كلها وتصديقها فيقال أول من أسلم مطلقاً
خديجة بنت خوليد وأول ذكر أسلم علي بن أبي طالب وهو صبي لم يبلغ كما تقدم في سنه
وكان مستخفياً بإسلامه وأول رجل عربي بالغ أسلم وأظهر إسلامه أبو بكر بن أبي قحافة
أول من أسلم من الموالي زيد بن حارثة وهذا متفق عليه لا خلاف فيه وعليه يحمل قول
علي وغيره أول من أسلم من الرجال أبو بكر أي الرجال البالغين. ويؤيد ذلك ما روى عن
الحسن قال جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فقال يا أمير المؤمنين كيف سبق المهاجرون
والأنصار إلى بيعة أبي بكر وأنت أسبق منه سابقة وأروى منه منقبة قال فقال علي ويلك
إن أبا بكر سبقني إلى أربع لم أوتهن ولم أعتض منهن بشيء سبقني إلى إفشاء الإسلام
وقدم الهجرة ومصاحبته في الغار وأقام الصلاة وأنا يومئذ بالشعب يظهر الإسلام
وأخفيه وتستحقرني قريش وتستوفيه والله لو أن أبا بكر زال عن مزيته ما بلغ الدين
العبرين يعني الجانبين ولكان الناس كرعة ككرعة طالوت ويلك إن الله عز وجل ذم الناس
ومدح أبا بكر فقال: "إلا تنصروه فقد نصره الله" الآية كلها فرحمة الله
على أبي بكر وأبلغ الله روحه مني السلام خرجه في فضائل أبي بكر وخرج خيثمة بن
سليمان معناه بزيادة ولفظه عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال أقبل رجل
فتخلص الناس حتى وقف على علي بن أبي طالب فقال يا أمير المؤمنين ما بال المهاجرين
والأنصار قدموا أبا بكر وأنت أورى منه منقبة وأقدم إسلاماً وأسبق سابقة قال إن كنت
قرشياً فأحسبك من عائذة قال نعم قال لولا أن المؤمن عائذ الله لقتلتك ويحك إن أبا
بكر سبقني لأربع لم أوتهن ولم أعتض منهن سبقني إلى الإمامة أو تقدم الإمامة وتقدم
الهجرة وإلى الغار وإفشاء الإسلام وذكر معنى ما بقي وخرجه ابن السمان في الموافقة
وزاد بعد قوله من عائذة وأحسبك من ذؤالة بنسب قال له الرجل أجل ثم ذكر معنى ما
تقدم وزاد في آخره ثم قال لا أجد أحداً يفضلني على أبي بكر إلا جلدته جلد المفتري.
شرح: أورى من ورى الزند وورى خرجت ناره فظهرت أي أظهر منقبة
وأنور والمنقبة ضد المثلبة والشعب الطريق في الجبل وهو بالكسر وهو شعب معروف بني
هاشم بمكة وتستوفيه يريد والله أعلم توفيته حقه من الإعظام الإكرام والمزية
الفضيلة أي لو زال عن فضيلته بالتقديم على الناس إماماً وكرعة جمع كارع كركبة وراكب
من كرع بالفتح يكرع إذا شرب الماء بفيه دون إناء ولعله والله أعلم أراد أن لولا
أبو بكر لخالف الناس الدين كما خالفه كرعة طالوت بالشرب من النهر الذي نهوا عن
الشرب منه والله أعلم. وعن محمد بن الحنفية وقد سئل أكان أبو بكر أول القوم
إسلاماً قال لا فقيل له فبأي شيء علا وسبق حتى لا يذكر غيره قال فإنه أسلم يوم
أسلم وكان خيرهم إسلاماً ولم يزل على ذلك حتى توفاه الله تعالى. وفي رواية قال
لأنه كان أفضلهم إيماناً حتى قبض خرجهما ابن السمان في الموافقة. وعن محمد بن كعب
وقد سئل عن أول من أسلم علي وأبو بكر فقال سبحان الله علي أولهما إسلاماً وإنما
شبه على الناس لأن علياً أعطى السلامة من أبي طالب وأسلم أبو بكر وأظهر إسلامه ولا
شك عندنا أن علياً أولهما إسلاماً خرجه أبو عمر. وعنه قال أبو بكر أول من أظهر
الإسلام وكان علي يكتم الإسلام فرقاً من أبيه حتى لقيه أبو طالب فقال أسلمت قال
نعم قال وآزر ابن عمك وانصره وأسلم علي قبل أبي بكر خرجه الحاكمي في الأربعين.
مواضيع مماثلة
» القسم الأول في مناقب الأعداد وفيه سبعة أبواب. الباب الأول
» الرياض النضرة في مناقب العشرة
» من سفر صموئيل الثاني 23 : 8
» من سفر الملوك الثاني [ 23 : 30 ]
» من سفر الملوك الثاني 8 : 26
» الرياض النضرة في مناقب العشرة
» من سفر صموئيل الثاني 23 : 8
» من سفر الملوك الثاني [ 23 : 30 ]
» من سفر الملوك الثاني 8 : 26
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى