المقدمة
شبكة الميزان :: منتدى الاسلاميات :: قسم التاريخ الإسلامي القديم والحديث :: الدّوْلة الأمَويّة عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
صفحة 1 من اصل 1
المقدمة
المقدمة
إن
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات
أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن
يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله ((يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُون)) (آل عمران ، الآية
: 102).
((يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً
وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء ، الآية
: 1).
((يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدا * يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) (الأحزاب ،
الآيتان : 70 ـ 71).
يا رب
لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، ولك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا
رضيت ولك الحمد بعد الرضى، أما بعد:
هذا
الكتاب امتداد لما سبقه من كتب درست عهد النبوة وعهد الخلافة الراشدة، وقد صدر منها
السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن
عفان، وعلى بن أبي طالب، والحسن بن علي، رضي الله عنهم جميعاً، وقد سميت هذا الكتاب
الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات
الإنهيار ويتحدث هذا الكتاب عن الجذور التاريخية للأسرة الأموية، وشهادة التاريخ
بين الهاشميين والأمويين، وموقف بني أمية من الدعوة الإسلامية، وعن الأمويين الذين
أسلموا منذ بداية الدعوة الإسلامية وعن المصاهرات بين بني هاشم وبني أمية، وعن
شخصية معاوية بن أبي سفيان وعصره رضي الله عنه، فيتطرق لأسمه ونسبه وكنيته وأسرته
وعن إسلام أبي سفيان والد معاوية رضي الله عنه، وعن هند بنت عتبة بن ربيعة أم
معاوية رضي الله عنهما، وعن أخوان وأخوات معاوية ويتحدث عن زوجات معاوية وأولاده
وعن إسلام معاوية رضي الله عنه وشيء من فضائله، وعن رواية معاوية لحديث رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وعن الأحاديث الباطلة التي لا تصح في شأن معاوية مدحاً وذماً،
ويتكلم الكتاب عن دور بني أميه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعهد الخلافة
الراشدة، ويشير إلى متى بدأ نجم معاوية في الظهور وعن ولايته على دمشق وبعلبك
والبلقان في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وعلاقته بعمر رضي الله عنهما، ويبين
الكتاب جهود معاوية رضي الله عنه على جبهة الشام، وعن سنّ نظام الصوائف والشواتي في
عهد عمر، وعن تكوين أسطول إسلامي في البحر، وعن أعمال معاوية في عهد عثمان بن عفان
رضي الله عنهما، فيوضح فتوحاته في عهده، وإصراره في الطلب من عثمان السماح له
بالغزو البحري، وعن غزوه لقبرص واستسلام أهلها وطلب الصلح ثم نقض القبارصة للصلح ثم
فتحها، ويتعرض الكتاب لحقيقة الخلاف بين أبي ذر ومعاوية وموقف عثمان رضي الله عنهم
منه ويرد الكتاب عن الشبهات التي ألصقت بعثمان رضي الله عنه كاتهامه بإعطاء أقاربه
من بيت المال، وتعيينه لأقاربه في مناصب الدولة على حساب المسلمين، ويتطرق الكتاب
لأسباب فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه كالرخاء وأثره في المجتمع وطبيعة التحول
الاجتماعي في عهده وظهور جيل جديد، واستعداد المجتمع لقبول الشائعات، ومجيء عثمان
بعد عمر رضي الله عنهما، وخروج كبار الصحابة من المدينة، والعصبية الجاهلية، وتوقف
الفتوحات بسبب موانع طبيعية أو بشرية، والمفهوم الخاطيء للورع، وظهور جيل جديد من
الطامحين، ووجود طائفة موتورة من الحاقدين، والتدبير المحكم لإثارة المآخذ ضد عثمان
رضي الله عنه واستخدام الأساليب والوسائل المهيِّجة للنَّاس، ودور عبد الله بن سبأ
في تحريك الفتنة، وموقف معاوية بن أبي سفيان في الفتنة، ويتحدث عن مشورة عثمان
لولاة الأمصار ورأي معاوية في ذلك، وعن مقتل عثمان وموقف الصحابة منه، وعن معاوية
في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ويتطرق الكتاب إلى اختلاف الصحابة في
الطريقة التي يأخذ بها القصاص من قتلة عثمان، وإلى معركة صفين وإلى تسلسل الأحداث،
ابتداءً من إرسال أم حبيبة أم المؤمنين بنت أبي سفيان لنعمان بن بشير بقميص عثمان
إلى معاوية وأهل الشام، ودوافع معاوية رضي الله عنه في عدم بيعه علي رضي الله عنه
ورده على أمير المؤمنين علي، وعن تجهيز أمير المؤمنين علي لغزو الشام، وإرساله جرير
بن عبد الله إلى معاوية بعد معركة الجمل لدعوته للبيعة، ومسيرة أمير المؤمنين علي
إلى الشام، وخروج معاوية إلى صفين، وبداية المناوشات بين الطرفين، والموادعة بينهما
ومحاولات الصلح ثم نشوب القتال ثم الدعوة إلى التحكيم ويتكلم الكتاب عن مقتل عمّار
بن ياسر رضي الله وأثره على المسلمين، وعن المعاملة الكريمة أثناء الحرب المواجهة،
ومعاملة الأسرى عند أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وعن عدد القتلى، وعن تفقد أمير
المؤمنين علي للقتلى وترحمه عليهم، وعن موقف لمعاوية مع ملك الروم في تلك الأحداث،
وعن قصة باطلة في حق عمرو بن العاص بصفين، وعن إصرار قتلة عثمان رضي الله عنه أن
تستمر المعركة وعن نهي أمير المؤمنين علي شتم معاوية ولعن أهل الشام، وعن التحكيم،
وعن نص وثيقة التحكيم وعن قصة التحكيم المشهورة وبيان بطلانها، وعن حقيقة قرار
التحكيم، ومكان انعقاد المؤتمر، وأشار الكتاب إلى إمكانية الاستفادة من حادثة
التحكيم في فض المنازعات بين الدول الإسلامية هذا وقد بينت موقف أهل السنة والجماعة
من تلك الحروب، وتكلمت عن تغيير الموازين لصالح معاوية بعد معركة صفين، وعن
المهادنة بين أمير المؤمنين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وعن استشهاد أمير المؤمنين
علي واستقبال معاوية خبر مقتله، ثم تحدثت عن المشروع الإصلاحي الكبير في عهد الحسن
بن علي والذي توّج بوحدة الأمة وذلك بتنازل الحسن بالخلافة لمعاوية رضي الله عنهما
وأشرت إلى مراحل الصلح وشروطه وأسبابه ومعوقاته، ونتائجه، كما وضحت الفقه الكبير في
مقاصد الشريعة وفقه المصالح والمفاسد وفقه الخلاف الذي تميز به الحسن بن علي والذي
بنى عليه مشروعه الإصلاحي العظيم والذي ترتب عليه دخول الأمة الإسلامية في مراحل
جديدة تمّ فيها بيعة معاوية رضي الله عنه من كافة الصحابة الأحياء وأبناء الأمة
ووضحت صفات معاوية رضي عنه والتي من أهمها، العلم والفقه، والحلم والعفو، والدهاء
والحيلة، وعقليته الفذة وقدرته على الاستيعاب، وتواضعه وورعه، وبكاؤه من خشيت الله،
ونقلت ثناء العلماء على معاوية، وأشرت إلى دخول دولة بني أمية في خير القرون والتي
قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين
يلونهم[1]،
وتحدثت عن عاصمة الدولة الأموية وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في فضائل أهل
الشام، وعن أهل الحل والعقد في عهد معاوية رضي الله عنه، وعن الشورى، وحرية التعبير
وعن سياسته الداخلية، من الإحسان إلى كبار الشخصيات من شيوخ الصحابة، وأبنائهم،
وحسن علاقته مع الحسن والحسين وابن الزبير وابن عباس وغيرهم رضي الله عنهم وبينت
بيان بطلان تعميم معاوية سب أمير المؤمنين علي على منابر الدولة، الأموية؟ وزعم بعض
المؤرخين بأن معاوية سمّ الحسن بن علي، فأثبتت بالحجج العلمية والبراهين الساطعة
بطلان ذلك أيضاً، وتعرضت لموقف معاوية من قتلة عثمان بعد ما أصبح أمير المؤمنين،
وكذلك مقتل حجر بن عدي رضي الله عنه، وموقف عائشة أم المؤمنين من مقتله كما أوضحت
حرص معاوية على مباشرة الأمور بنفسه وتوطين الأمن في خلافته، فتحدثت عن مجلسه في
يومه، وعن الدواوين المركزية التابعة له، كديوان الرسائل، وديوان الخاتم، وديوان
البريد وعن نظام الحجابة، والحرس، والشرطة، وعن حسن اختياره للرجال والأعوان وعن
استخدامه للمال في تأكيد ولاء الأعوان وتأليف القلوب وإتباعه سياسة الشدة واللين،
وسياسة المنفعة المتبادلة بين بني أمية ورعيتهم، واتخاذه سياسة إعلامية للإشادة به
وبخلافته وجعل الناس يميلون إليهم، وعن اهتمامه بجهاز الاستخبارات، وبناء الجيش
الإسلامي وتطويره وعن فقهه الكبير في سياسة الموازنات بين القبائل، والعشائر،
وأعيان المجتمع وعن سياسته مع الأسرة الأموية، وتكلمت عن حياته في المجتمع وعن
اهتماماته العلمية والتاريخية والشعرية واللغوية والعلوم التجريبية، وأفردت مباحثاً
في علاقته بالخوارج، ووسائله في تحجيم دورهم وإضعافهم، وبينت النظام المالي في
عهده، ومصادر دخل الدولة، كالزكاة، والجزية، والخراج، والعشور، والصوافي، والغنائم،
وعن النفقات العامة، كالنفقات العسكرية، والإدارية، والاجتماعية واهتمامه بالزراعة
والتجارة الداخلية والخارجية، والحرف والصناعات، وأثرت قضية الشبهات حول مصارف
الأموال في عهد معاوية وناقشتها بعلم وأنصاف، كالتفرقة في العطاء وكذبة أعطاء مصر
طعمه لعمرو بن العاص وكالتوسع في إنفاق الأموال لتأليف القلوب واكتساب الأنصار،
ومظاهر النزف عند الأمويين، وأفردت مبحثاً عن القضاء في عهد معاوية، والدولة
الأموية، وصلته بالعهد الراشدي وتخلي الخلفاء عن ممارسة القضاء وفصل السلطات،
ومرتبات القضاة وتسجيل الأحكام والأشهاد عليها، وأعوان القضاة، كالمنادي والحاجب،
والترجمان أو المترجم، والمراقبة والمتابعة وعن مصادر الأحكام القضائية في العهد
الأموي وعن اختصاص القضاة وذكرت أسماء أشهر القضاة في عهد معاوية كما أشرت إلى
ميزات القضاء في عهد معاوية والأموي عموماً وإلى خطاب عمر بن الخطاب إلى معاوية رضي
الله عنهما في القضاء، وتكلمت عن مؤسسة الشرطة في عهد معاوية وواجباتها، كحماية
الخليفة وولاة الأمصار ضد مناوئيهم في الداخل، ومعاقبة المذنبين والخارجين عن
القانون، وتنفيذ العقوبات الشرعية، وعن قوات ومؤسسات أخرى وعلاقتها بالشرطة كالحرس
والعرفاء، وصاحب الاستخراج أو العذاب، وجهاز الحسبة، ونظام المراقبة، ومؤسسة الدرك،
وتحدثت عن مؤسسة الولاة والإدارة في عهد معاوية رضي الله عنه وأهم الأقاليم التابعة
لدولته وأسماء أشهر ولاته وأهم أعمالهم في تلك الأقاليم، وعند ما تحدثت عن المدينة
النبوية ترجمت لشخصية أبي هريرة رضي الله عنه حيث توفي بها عام 58 هـ أو 59 هـ وقد
عاش في عهد معاوية ما يقرب من ثمانية عشر سنة وقد تعرض هذا الصحابي الجليل لهجمة
ظالمة من قبل أعداء الصحابة في القديم والحديث وتلقف تلك الاتهامات الباطلة مجموعة
من المستشرقين فرأيت لازماً عليّ أن أدافع عن هذا الصحابي الجليل الذي يعتبر من
أكبر رواة السنة النبوية الشريفة، فعرفت به وبشيء من حياته، كعبادته وعفافه وحلمه
وعفوه، واهتمامه بالعلم ورددت على الشبهات التي أثيرت حوله والتي هدفها التشكيك في
ما وصل إلينا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بالطعن في هذا الصحابي
الجليل رضي الله عنه وكان لسان حالي في مجادلة أولئك الكذابين قول
الشاعر:
وإذا اضطررت على الجدال ولم
تجد
لك مهـربا وتلاقت الصَّفان
فاجعل كتـاب الله درعـاً
سابغاً
والشرع سيفك وابد في الميدان
والسُّنةُ البيضـاء دونـك
جنـة
واركب جواد العزم في الجولان
واثبت بصبرك تحـت ألوية
الهدى
فالصـبر أوثق عـدة الإنسان
واطعن برمح الحـق كـل
معاند
للـه درُّ الفــارس
الطعـان
واحمـل بسـيف الصِّـدق
حملة
مخلص متجرداً للـه غير جبان
إن
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات
أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن
يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله ((يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُون)) (آل عمران ، الآية
: 102).
((يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً
وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء ، الآية
: 1).
((يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدا * يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) (الأحزاب ،
الآيتان : 70 ـ 71).
يا رب
لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، ولك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا
رضيت ولك الحمد بعد الرضى، أما بعد:
هذا
الكتاب امتداد لما سبقه من كتب درست عهد النبوة وعهد الخلافة الراشدة، وقد صدر منها
السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن
عفان، وعلى بن أبي طالب، والحسن بن علي، رضي الله عنهم جميعاً، وقد سميت هذا الكتاب
الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات
الإنهيار ويتحدث هذا الكتاب عن الجذور التاريخية للأسرة الأموية، وشهادة التاريخ
بين الهاشميين والأمويين، وموقف بني أمية من الدعوة الإسلامية، وعن الأمويين الذين
أسلموا منذ بداية الدعوة الإسلامية وعن المصاهرات بين بني هاشم وبني أمية، وعن
شخصية معاوية بن أبي سفيان وعصره رضي الله عنه، فيتطرق لأسمه ونسبه وكنيته وأسرته
وعن إسلام أبي سفيان والد معاوية رضي الله عنه، وعن هند بنت عتبة بن ربيعة أم
معاوية رضي الله عنهما، وعن أخوان وأخوات معاوية ويتحدث عن زوجات معاوية وأولاده
وعن إسلام معاوية رضي الله عنه وشيء من فضائله، وعن رواية معاوية لحديث رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وعن الأحاديث الباطلة التي لا تصح في شأن معاوية مدحاً وذماً،
ويتكلم الكتاب عن دور بني أميه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعهد الخلافة
الراشدة، ويشير إلى متى بدأ نجم معاوية في الظهور وعن ولايته على دمشق وبعلبك
والبلقان في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وعلاقته بعمر رضي الله عنهما، ويبين
الكتاب جهود معاوية رضي الله عنه على جبهة الشام، وعن سنّ نظام الصوائف والشواتي في
عهد عمر، وعن تكوين أسطول إسلامي في البحر، وعن أعمال معاوية في عهد عثمان بن عفان
رضي الله عنهما، فيوضح فتوحاته في عهده، وإصراره في الطلب من عثمان السماح له
بالغزو البحري، وعن غزوه لقبرص واستسلام أهلها وطلب الصلح ثم نقض القبارصة للصلح ثم
فتحها، ويتعرض الكتاب لحقيقة الخلاف بين أبي ذر ومعاوية وموقف عثمان رضي الله عنهم
منه ويرد الكتاب عن الشبهات التي ألصقت بعثمان رضي الله عنه كاتهامه بإعطاء أقاربه
من بيت المال، وتعيينه لأقاربه في مناصب الدولة على حساب المسلمين، ويتطرق الكتاب
لأسباب فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه كالرخاء وأثره في المجتمع وطبيعة التحول
الاجتماعي في عهده وظهور جيل جديد، واستعداد المجتمع لقبول الشائعات، ومجيء عثمان
بعد عمر رضي الله عنهما، وخروج كبار الصحابة من المدينة، والعصبية الجاهلية، وتوقف
الفتوحات بسبب موانع طبيعية أو بشرية، والمفهوم الخاطيء للورع، وظهور جيل جديد من
الطامحين، ووجود طائفة موتورة من الحاقدين، والتدبير المحكم لإثارة المآخذ ضد عثمان
رضي الله عنه واستخدام الأساليب والوسائل المهيِّجة للنَّاس، ودور عبد الله بن سبأ
في تحريك الفتنة، وموقف معاوية بن أبي سفيان في الفتنة، ويتحدث عن مشورة عثمان
لولاة الأمصار ورأي معاوية في ذلك، وعن مقتل عثمان وموقف الصحابة منه، وعن معاوية
في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ويتطرق الكتاب إلى اختلاف الصحابة في
الطريقة التي يأخذ بها القصاص من قتلة عثمان، وإلى معركة صفين وإلى تسلسل الأحداث،
ابتداءً من إرسال أم حبيبة أم المؤمنين بنت أبي سفيان لنعمان بن بشير بقميص عثمان
إلى معاوية وأهل الشام، ودوافع معاوية رضي الله عنه في عدم بيعه علي رضي الله عنه
ورده على أمير المؤمنين علي، وعن تجهيز أمير المؤمنين علي لغزو الشام، وإرساله جرير
بن عبد الله إلى معاوية بعد معركة الجمل لدعوته للبيعة، ومسيرة أمير المؤمنين علي
إلى الشام، وخروج معاوية إلى صفين، وبداية المناوشات بين الطرفين، والموادعة بينهما
ومحاولات الصلح ثم نشوب القتال ثم الدعوة إلى التحكيم ويتكلم الكتاب عن مقتل عمّار
بن ياسر رضي الله وأثره على المسلمين، وعن المعاملة الكريمة أثناء الحرب المواجهة،
ومعاملة الأسرى عند أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وعن عدد القتلى، وعن تفقد أمير
المؤمنين علي للقتلى وترحمه عليهم، وعن موقف لمعاوية مع ملك الروم في تلك الأحداث،
وعن قصة باطلة في حق عمرو بن العاص بصفين، وعن إصرار قتلة عثمان رضي الله عنه أن
تستمر المعركة وعن نهي أمير المؤمنين علي شتم معاوية ولعن أهل الشام، وعن التحكيم،
وعن نص وثيقة التحكيم وعن قصة التحكيم المشهورة وبيان بطلانها، وعن حقيقة قرار
التحكيم، ومكان انعقاد المؤتمر، وأشار الكتاب إلى إمكانية الاستفادة من حادثة
التحكيم في فض المنازعات بين الدول الإسلامية هذا وقد بينت موقف أهل السنة والجماعة
من تلك الحروب، وتكلمت عن تغيير الموازين لصالح معاوية بعد معركة صفين، وعن
المهادنة بين أمير المؤمنين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وعن استشهاد أمير المؤمنين
علي واستقبال معاوية خبر مقتله، ثم تحدثت عن المشروع الإصلاحي الكبير في عهد الحسن
بن علي والذي توّج بوحدة الأمة وذلك بتنازل الحسن بالخلافة لمعاوية رضي الله عنهما
وأشرت إلى مراحل الصلح وشروطه وأسبابه ومعوقاته، ونتائجه، كما وضحت الفقه الكبير في
مقاصد الشريعة وفقه المصالح والمفاسد وفقه الخلاف الذي تميز به الحسن بن علي والذي
بنى عليه مشروعه الإصلاحي العظيم والذي ترتب عليه دخول الأمة الإسلامية في مراحل
جديدة تمّ فيها بيعة معاوية رضي الله عنه من كافة الصحابة الأحياء وأبناء الأمة
ووضحت صفات معاوية رضي عنه والتي من أهمها، العلم والفقه، والحلم والعفو، والدهاء
والحيلة، وعقليته الفذة وقدرته على الاستيعاب، وتواضعه وورعه، وبكاؤه من خشيت الله،
ونقلت ثناء العلماء على معاوية، وأشرت إلى دخول دولة بني أمية في خير القرون والتي
قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين
يلونهم[1]،
وتحدثت عن عاصمة الدولة الأموية وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في فضائل أهل
الشام، وعن أهل الحل والعقد في عهد معاوية رضي الله عنه، وعن الشورى، وحرية التعبير
وعن سياسته الداخلية، من الإحسان إلى كبار الشخصيات من شيوخ الصحابة، وأبنائهم،
وحسن علاقته مع الحسن والحسين وابن الزبير وابن عباس وغيرهم رضي الله عنهم وبينت
بيان بطلان تعميم معاوية سب أمير المؤمنين علي على منابر الدولة، الأموية؟ وزعم بعض
المؤرخين بأن معاوية سمّ الحسن بن علي، فأثبتت بالحجج العلمية والبراهين الساطعة
بطلان ذلك أيضاً، وتعرضت لموقف معاوية من قتلة عثمان بعد ما أصبح أمير المؤمنين،
وكذلك مقتل حجر بن عدي رضي الله عنه، وموقف عائشة أم المؤمنين من مقتله كما أوضحت
حرص معاوية على مباشرة الأمور بنفسه وتوطين الأمن في خلافته، فتحدثت عن مجلسه في
يومه، وعن الدواوين المركزية التابعة له، كديوان الرسائل، وديوان الخاتم، وديوان
البريد وعن نظام الحجابة، والحرس، والشرطة، وعن حسن اختياره للرجال والأعوان وعن
استخدامه للمال في تأكيد ولاء الأعوان وتأليف القلوب وإتباعه سياسة الشدة واللين،
وسياسة المنفعة المتبادلة بين بني أمية ورعيتهم، واتخاذه سياسة إعلامية للإشادة به
وبخلافته وجعل الناس يميلون إليهم، وعن اهتمامه بجهاز الاستخبارات، وبناء الجيش
الإسلامي وتطويره وعن فقهه الكبير في سياسة الموازنات بين القبائل، والعشائر،
وأعيان المجتمع وعن سياسته مع الأسرة الأموية، وتكلمت عن حياته في المجتمع وعن
اهتماماته العلمية والتاريخية والشعرية واللغوية والعلوم التجريبية، وأفردت مباحثاً
في علاقته بالخوارج، ووسائله في تحجيم دورهم وإضعافهم، وبينت النظام المالي في
عهده، ومصادر دخل الدولة، كالزكاة، والجزية، والخراج، والعشور، والصوافي، والغنائم،
وعن النفقات العامة، كالنفقات العسكرية، والإدارية، والاجتماعية واهتمامه بالزراعة
والتجارة الداخلية والخارجية، والحرف والصناعات، وأثرت قضية الشبهات حول مصارف
الأموال في عهد معاوية وناقشتها بعلم وأنصاف، كالتفرقة في العطاء وكذبة أعطاء مصر
طعمه لعمرو بن العاص وكالتوسع في إنفاق الأموال لتأليف القلوب واكتساب الأنصار،
ومظاهر النزف عند الأمويين، وأفردت مبحثاً عن القضاء في عهد معاوية، والدولة
الأموية، وصلته بالعهد الراشدي وتخلي الخلفاء عن ممارسة القضاء وفصل السلطات،
ومرتبات القضاة وتسجيل الأحكام والأشهاد عليها، وأعوان القضاة، كالمنادي والحاجب،
والترجمان أو المترجم، والمراقبة والمتابعة وعن مصادر الأحكام القضائية في العهد
الأموي وعن اختصاص القضاة وذكرت أسماء أشهر القضاة في عهد معاوية كما أشرت إلى
ميزات القضاء في عهد معاوية والأموي عموماً وإلى خطاب عمر بن الخطاب إلى معاوية رضي
الله عنهما في القضاء، وتكلمت عن مؤسسة الشرطة في عهد معاوية وواجباتها، كحماية
الخليفة وولاة الأمصار ضد مناوئيهم في الداخل، ومعاقبة المذنبين والخارجين عن
القانون، وتنفيذ العقوبات الشرعية، وعن قوات ومؤسسات أخرى وعلاقتها بالشرطة كالحرس
والعرفاء، وصاحب الاستخراج أو العذاب، وجهاز الحسبة، ونظام المراقبة، ومؤسسة الدرك،
وتحدثت عن مؤسسة الولاة والإدارة في عهد معاوية رضي الله عنه وأهم الأقاليم التابعة
لدولته وأسماء أشهر ولاته وأهم أعمالهم في تلك الأقاليم، وعند ما تحدثت عن المدينة
النبوية ترجمت لشخصية أبي هريرة رضي الله عنه حيث توفي بها عام 58 هـ أو 59 هـ وقد
عاش في عهد معاوية ما يقرب من ثمانية عشر سنة وقد تعرض هذا الصحابي الجليل لهجمة
ظالمة من قبل أعداء الصحابة في القديم والحديث وتلقف تلك الاتهامات الباطلة مجموعة
من المستشرقين فرأيت لازماً عليّ أن أدافع عن هذا الصحابي الجليل الذي يعتبر من
أكبر رواة السنة النبوية الشريفة، فعرفت به وبشيء من حياته، كعبادته وعفافه وحلمه
وعفوه، واهتمامه بالعلم ورددت على الشبهات التي أثيرت حوله والتي هدفها التشكيك في
ما وصل إلينا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بالطعن في هذا الصحابي
الجليل رضي الله عنه وكان لسان حالي في مجادلة أولئك الكذابين قول
الشاعر:
وإذا اضطررت على الجدال ولم
تجد
لك مهـربا وتلاقت الصَّفان
فاجعل كتـاب الله درعـاً
سابغاً
والشرع سيفك وابد في الميدان
والسُّنةُ البيضـاء دونـك
جنـة
واركب جواد العزم في الجولان
واثبت بصبرك تحـت ألوية
الهدى
فالصـبر أوثق عـدة الإنسان
واطعن برمح الحـق كـل
معاند
للـه درُّ الفــارس
الطعـان
واحمـل بسـيف الصِّـدق
حملة
مخلص متجرداً للـه غير جبان
رد: المقدمة
هذا
وقد وصفت حركة الفتوحات في عهد معاوية رضي الله عنه وقدمت بين يدي حركة الفتوحات
مقدمه تناقش الشبهات التي ألصقت كذباً وزوراً وبهتاناً بحركة الفتوحات إن معاوية
رضي الله عنه حمى وعزّز منجزات الموجة الأولى في حركة الفتح التي قادها وخطط لها
الخلفاء الراشدون، فالموجة الثانية لحركة الفتوح هي التي بدأت في عهد معاوية نفسه
واستمرت فيما بعد لكي تبلغ أقصى أتساعها في عهد الوليد بن عبد الملك، لقد وصفت ما
قام به معاوية من حركة الجهاد ضد الدولة البيزنطية واهتمامه بفتح القسطنطينية،
وتخطيطه الاستراتيجي للاستيلاء عليها، كاهتمامه بدور صناعة السفن في مصر والشام
وتقوية الثغور البحرية بهما، واستيلاؤه على الجزر الواقعة شرقي البحر المتوسط،
وتحصينه أطراف الشام الشمالية، وقد قام بحصار القسطنطينية، وقد توفي أبو أيوب
الأنصاري في حصار القسطنطينية، وقد ترك أبو أيوب رضي الله عنه في وصيته بأن يدفن في
أقصى ما يمكن من أرض العدو ، وهذه صورة رائعة تدل على تعلقه بالجهاد، فيكون بين
صفوفهم حتى وهو في نعشه على أعناقهم وأراد أن يتوغل في أرض العدو حياً وميتاً،
وكأنما لم يكفه ما حقق في حياته فتمنى مزيداً عليه بعد مماته، وهذا مالا غاية بعده
في مفهوم المجاهد الحق بالمعنى الأصح الأدق.
هذا
وقد استطاع معاوية رضي الله عنه أن يضيق الخناق على الدولة البيزنطية بالحملات
المستمرة براً وبحراً وقد أرهق البيزنطيين وأذاقهم ألوان الضنك والخوف وأنزل بهم
خسائر فادحة بالرغم من كل ذلك لم يستطع اقتحام القسطنطينية بسبب عوامل عديدة سيراها
القاريء في الكتاب بإذن الله تعالى، وقد دخل معاوية في علاقات سلمية مع الدولة
البيزنطية وتم تبادل المراسلات والخبرات، والسفراء فيما بين الدولتين الأموية
والبيزنطية وواصل معاوية فتوحاته في الشمال الإفريقي، وانطلقت حملة معاوية بن حديج
رضي الله عنه في عهده، وبرز اسم عقبة بن نافع في تلك الفتوحات وقام ببناء مدينة
القيروان بتونس اليوم وكان ذلك في عهد معاوية وقد أصبحت القيروان مركز الإشعاع
الحضاري الإسلامي بالمغرب وعاصمتها العلمية وسيمضي القاريء مع الفتوحات في الشمال
الإفريقي حتى استشهاد عقبة رحمه الله تعالى وتحدثت في فتوحات معاوية في الجناح
الشرقي للدولة الأموية في خراسان وسجستان وما وراء النهر، وعن فتوحات السند في عهده
ولخصت أهم الدروس والعبر والفوائد من الفتوحات والتي من أهمها، أثر الآيات
والأحاديث النبوية في نفوس المجاهدين، وسنن الله في الفتوحات، كسنة الله في الاتحاد
والاجتماع، وسنة الأخذ بالأسباب، وسنة التدافع، وسنة الله في الظلم والظالمين، وسنة
الله في المترفين، وسنة الله في الطغيان والطغاة، وسنة التدرج، وسنة تغيير النفوس،
والتخطيط الاستراتيجي للفتوحات عند معاوية، وسياسته تجاه الروم، وجبهة الشمال
الإفريقي، وجبهة سجستان وخراسان وما وراء النهر، وإدارته للشورى في حركة الفتوحات،
ومركزية القيادة والإمداد في إدارته، ونظام الألوية والرايات واهتمامه بالعيون
والبريد، والحدود البرية للدولة، واهتمامه بالأسطول والحدود البحرية، وبديوان الجند
والعطاء، والأثر العلمي والاقتصادي والاجتماعي في عهده، وتحدثت عن بعض كرامات
المجاهدين في عهده.
إن من
فضائل الدولة الأموية في عهد معاوية وعبد الملك وبنيه الوليد وسليمان الفتوحات
الواسعة التي تمت على أيديهم والتي امتدت ديار الإسلام نتيجة ذلك بين الصين في
الشرق وبلاد الأندلس وجنوبي فرنسا في الغرب وكان الخلفاء يرسلون أبناءهم إلى الجهاد
ويشهدون القتال وكان الصحابة وكبار التابعين من ضمن تلك الجيوش، فحركة الفتوحات
أشرفت عليها الدولة وتفاعل معها المجتمع الإسلامي بكافة ألوانه من العلماء والفقهاء
والتجار والزهاد والعباد وتحركت تلك الجيوش في المشارق والمغارب، كان الفاتحون لتلك
الشعوب المترامية الأطراف قد جاؤوها بالعدل والإحسان ومطالب الروح ومطالب البدن،
وجاءوا إليهم بدين الإسلام الذي يقرّر الإنسانية بمعناها الصحيح في هذه الأرض لذلك
كان الإسلام سريع المدخل إلى نفوسهم، لطيف التخلل في الأفكار، قوي التأثير على
الألباب والعقول وجاء الفاتحون لتلك الشعوب بالحقائق التي سعد بها أصحاب محمد
وأسعدوا بها تلك الأمم قال الشاعر:
الله أكبـر إن ديــن
محمــد
وكتابه
أقوى وأقـوم قيـلا
طلعت بـه شمس الهـداية
للورى
وأبى لها
وصف الكمال أفولا
والحـق أبلـج فـي شريعته
التي
جمعت
فروعاً للهدى وأصولا
لا تذكروا الكتب السوالف
عنده
طلع الصباح
فأطفئوا القنديلا
لقد
كانت الفتوحات الكبرى في عهد معاوية والدولة الأموية دليلاً ملموساً على حيوية
الأمة وتفاعلها مع دين الله وحرصها على هداية الشعوب.
هذا
وقد تكلمت عن فكرة ولاية العهد والخطوات التي اتبعها معاوية لبيعة يزيد، من
مشاورات، وحملات إعلامية وقبول أهل الشام لبيعة يزيد، وبيعة الوفود، وطلب البيعة من
أهل المدينة واعتراض عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير
والحسين بن علي رضي الله عنهم عن تلك البيعة وعن أسباب ترشيح معاوية لابنه يزيد،
كالحفاظ على وحدة الأمة، وقوة العصبية القبلية، ومحبة معاوية لابنه وقناعته به، وعن
الانتقادات التي وجهت لمعاوية بشأن البيعة ليزيد، وعن المآخذ على فكرة ولاية العهد
في عهد معاوية وعن الأيام الأخيرة من حياته وعن دعائه وهو في سكرات الموات وقوله:
اللهم أقل العثرة، واعف عن الزلة وتجاوز بحلمك عن جهل ما لم يَرْجُ غيرك فإنك واسع
المغفرة ليس لذي خطيئة مهرب إلا إليك ثم مات وتحدث الكتاب عن عهد يزيد بن معاوية بن
أبي سفيان وأهم صفاته وبيعته وموقف الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير منها
والأسباب التي أدت إلى خروج الحسين والفتوى التي بنها على خروجه، وعزم الحسين على
الذهاب إلى الكوفة ونصائح الصحابة والتابعين ورأيهم في ذهابه إليها، وعن موقف يزيد
من أحداث الكوفة ودور عبيد الله بن زياد في القضاء على مسلم بن عقيل وأنصاره وعن
أحداث معركة كربلاء واستشهاد الحسين بن علي رضي الله عنه وعن المواقف الرائعة التي
كانت بجانب الحسين رضي الله عنه وموقف يزيد بن معاوية من قتله ومن أبناء الحسين
وذريته وبينت من المسئول عن قتل الحسين وذكرت أقوال الناس في يزيد بن معاوية وهل
يجوز لعنه؟ وحذرت من الأساطير التي نسجت حول مقتل الحسين رضي الله عنه ووضعت أهم
الدروس والعبر والفوائد من سيرته في نقاط والتي كان من أهمها، هدى رسول الله صلى
الله عليه وسلم في يوم عاشوراء، وآداب التعامل مع المصائب في الإسلام والتحقيق في
مكان رأس الحسين، وحكم الإسلام من تقديس أضرحة الأئمة وزيارة قبر الحسين وقدسية
كربلاء، وهدى الإسلام في زيارة القبور، والبناء، عليها واتخاذها مساجد، وخروج
الحسين رضي الله عنه، واستغلال القوى المضادة للإسلام لمقتله وحادثة كربلاء ثم
تحدثت عن وقعة الحرّة، وما قيل حول انتهاك الأعراض في تلك الوقعة ودواعي فشل أهل
المدينة في تلك المعركة، وتكلمت عن حركة ابن الزبير في عهد يزيد، وأسباب اختيار ابن
الزبير لمكة في مقاومته للحكم الأموي، وأسباب خروجه عليهم والجهود السليمة التي
بذلها يزيد لاحتواء ابن الزبير، والجهود الحربية أيضاً، وحصار الكعبة وضربها
بالمنجينف واحتراقها ووفاة يزيد بن معاوية المفاجيء، ثم تحدثت عن خلافة معاوية بن
يزيد ومدة حكمه وتنازله عن الخلافة وتركه للأمر شورى ثم ذكرت خلافة عبد الله بن
الزبير. وشيء من سيرته وصفاته وبيعة الناس له بالخلافة وكون بيعته كانت شرعية، فقد
بايعه معظم المسلمين إلا أقليم الأردن، وبعض الشخصيات المهمة بالحجاز كعبد الله بن
عمر وابن عباس ومحمد بن الحنيفة ثم تعرضت لخروج مروان بن عبد الحكم على ابن الزبير
وأهمية مؤتمر الجابية ومعركة مرج راهط في حسم الصراع لصالح البيت الأموي، وتحدثت عن
ضم مصر للدولة الأموية ومحاولتها لإعادة العراق والحجاز لهيمنتها، وعن تولي عبد
الملك الزعامة الأموية بعد وفاة أبيه مروان وبينت سياسته الداخلية وترتيبه
للأولويات في الصراع حتى استطاع القضاء على الخليفة الشرعي عبد الله بن الزبير رضي
الله عنه وأشرت على أهم أسباب سقوط خلافة ابن الزبير رضي الله عنه ثم دخلت في عهد
عبد الملك بن مروان، وصراعه مع الخوارج، ودور المهلب بن أبي صفرة في القضاء على
الخوارج الأزارقة واهتمام الدولة الأموية بمحاربة الخوراج الصفرية، وترجمت لشخصيات
من الخوارج كقطري بن الفجاءة وعمران بن حطان وذكرت شيئاً من إشعارهم وأشرت إلى
أسباب فشل الخوارج في عهد عبد الملك، وقمت بدارسة لثورة عبد الرحمن بن الأشعث
وأسباب خروجه وموقف العلماء منها وأسباب فشلها وتكلمت عن جهود عبد الملك في توحيد
الدولة والقضاء على الثورات الداخلية وعن النظام الإداري وأهم الدواوين التي كانت
في عهده كديوان الرسائل،والعطاء والخراج والخاتم، والبريد، وعن دوره في تعريب
الدواوين وأسباب ذلك والنتائج التي ترتبت عليه، وعن إدارته للإقليم وألمحت للخطوط
العامة لسياسته في إدارة شؤون الدولة، كالمشاورة واعتماده على أهل الشام، ووضع
الشخص المناسب في المكان المناسب ومتابعة أخبار والولاة، وتقديم الأقرباء في
المناصب وحفظ التوازن القبلي، وتسامحه مع أهل الكتاب واحترام وتقدير الشخصيات
البارزة في المجتمع، وتحجيم الولاة إذ أرادوا تجوز الخطوط الحمراء،..الخ وترجمت
لأهم ولاته كالحجّاج بن يوسف الثقفي، وذكرت النظام المالي في عهده وأشرت إلى القطاع
الزراعي والصناعي، ودور عبد الملك في إحداث دور ضرب العملة، وتعريب النقد وتطرقت
للعمارة والبناء والنظام القضائي والشرطة في عهده، واهتمامه بالعلماء والشعراء،
وأفردت فصلاً كاملاً عن الفتوحات في عهده وعهد ولديه الوليد وسليمان لكي نعطي صورة
متكاملة عنها بسبب ترابطها ببعضها، ولخصت أهم الدروس والعبر والفوائد من الفتوحات،
كأسباب دخول الإسلام في البلاد المفتوحة، كعالمية الدعوة، والمعاملة السمحة الكريمة
من المسلمين، وكتفسير حركة التعريب بين الشعوب من هجرة القبائل العربية إلى البلاد
المفتوحة، وتعريب الدواوين وتفوق الحضارة الإسلامية..الخ وتحدثت عن عقد عبد الملك
لولاية العهد ثم لأبنه الوليد ثم سليمان وموقف العالم الجليل سعيد بن المسيب من ذلك
وما تعرض له من الابتلاء بسبب ذلك، وذكرت وصية عبد الملك لابنه الوليد عند موته
ووصيته لبنيه ثم دخلت في عهد الوليد بن عبد الملك وتحدثت عن أهم أعماله الحضارية
والإنسانية، من توسيع المسجد النبوي، وبناء المسجد الأموي، والمستشفيات في عهده،
وكفالة الدولة للمحتاجين وتطوير الطرق، وغير ذلك من الأعمال. وترجمت لزوجته أم
البنين بنت عبد العزيز بن مروان، فذكرت خشيتها لله وجودها وكرمها، وبينت بطلان ما
ينسب إليها في كتب الأدب في قصتها المكذوبة مع وضاح اليمن وحذرت من الأكاذيب
والأباطيل التي تذكر أحياناً في كتب التاريخ وأدب في حق مثل هذه التابعية الجليلة
ثم دخلت في عهد سليمان بن عبد الملك وتحدثت عن سياسته العامة، مفهوم الشورى عنده
وسياسته في اختيار الولاة وسياسته تجاه الحركات المعارضة وعلاقته بالعلماء وتقريبه
لعمر بن عبد العزيز ورجاء بن حيوة، ونسفت بعض الشبهات الملصقة بسيرته كوصف بعض
المؤرخين له بأنه المصيبة العظمى في الأكل فبنيت بطلان ذلك ثم ذكرت جهود رجاء بن
حيوة في تولية عمر بن عبد العزيز ثم دخلت في عهد الإصلاحي الكبير والمجدد الشهير
عمر بن عبد العزيز، فتحدثت عن حياته وسيرته وطلبه للعلم وعن أهم أعماله في عهد
الوليد وسليمان وعن خلافته وبيعته ومنهجه في إدارة الدولة، واهتمامه بالشورى والعدل
وسياسته في رد المظالم وعزله لجميع الولاة الظالمين، ورفع المظالم عن الموالي وأهل
الذمة وإقامة العدل لأهل سمرقند وعن الحريات في دولته، كالحرية الفكرية والعقدية
والسياسية والشخصية، وحرية التجارة والكسب، وذكرت أهم صفاته، كشدة خوفه من الله
تعالى، وزهده، وتواضعه وورعه، وحلمه وصفحه وعفوه، وصبره، وحزمه، وعدله وتضرعه
ودعاؤه واستجابة الله له، وتحدثت عن معالم التجديد عند عمر بن عبد العزيز، كالشورى،
والأمانة في الحكم وتوكيل الأمناء، وأحياؤه مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
ومبدأ العدل، وعن شروط المجدد، كأن يكون معروفاً بصفاء العقيدة وسلامة المنهج وأن
يكون عالماً مجتهداً، وأن يشمل تجديده ميدان الفكر والسلوك وأن يعم نفعه أهل زمانه،
وتكلمت عن اهتمام عمر بن عبد العزيز بعقائد أهل السنة والجماعة، في توحيد الألوهية
وفي باب أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، وفي مفهوم الإيمان والإيمان باليوم الآخر
والمعتقدات الغيبية، كعذاب القبر ونعيمه والمعاد، والميزان والحوض والصراط والجنة
والنار ورؤية المؤمنين ربهم في الجنة والدعوة للاعتصام بالكتاب والسنة وسنة الخلفاء
الراشدين، وموقفه من الصحابة والخلاف بينهم وموقفه من أهل البيت وتحدثت عن معاملته
للخوارج والشيعة والقدرية وعن حياته الاجتماعية، واهتمامه بأولاده وأسرته ومنهجه في
تربيته لأولاده كاختيار المعلم والمؤدب الصالح، وتحديد المنهج العلمي وتحديد طريقة
التأديب والتعليم، وتحديد أوقات وأولويات التعليم، ومراعاة المؤثرات التعليمية وعن
نتائج ذلك المنهج وتأثر ابنه عبد الملك به، وتكلمت عن حياته مع الناس، واهتمامه
بإصلاح المجتمع، وتذكيره الناس بالآخرة، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وإنكاره العصبية
القبلية، وتقديره لأهل الفضل وقضاؤه ديون الغارمين، وفك أسرى المسلمين،
وإغناؤه المحتاجين عن المسألة، ودفع
المهور من بيت المال، وجهوده في التقريب بين طبقات المجتمع، ومعاملته للشعراء،
واهتمامه الكبير بالعلماء، ومشاركتهم الفعّالة معه لإنجاح مشروعه الإصلاحي، فترقبوا
منه وشدوا أزره للسير في منهجه التجديدي، وتعهدوه بالنصح والتذكير بالمسؤولية،
واستعدادهم لتولي مختلف مناصب الدولة وأعمالها، وتحدثت عن المدارس العلمية في عهده
وعهد الدولة الأموية، كمدرسة الشام والحجاز، والعراق ومصر..الخ، وعن منهج التابعين
في تفسير القرآن الكريم، وجهودهم في خدمة السنة ودور عمر بن عبد العزيز في تدوينها،
وأشرت إلى منهج التزكية والسلوك عند التابعين وأخذت مدرسة الحسن البصري مثالاً على
ذلك فتحدثت عنها وعن تلاميذها كأيوب السختياني، ومالك بن دينار، ومحمد بن واسع،
وبينت براءة الحسن البصري من الاعتزال وتحدثت عن علاقة الحسن البصري بعمر بن عبد
العزيز ورسائله إليه، التي يبين فيها صفات الإمام العادل في نظره، وذكرت موقف عمر
بن عبد العزيز وأسباب رفعه لحصار القسطنطينية واهتمامه بالدعوة الشاملة، ووضعه
لقانون التفرغ للدعاة والعلماء وحضه على نشر العلم وتعليمه وتوجيه الأمة إلى
أهميته، وإرسال العلماء الربانيين في شمال أفريقيا وغيرها لتعليم الناس وتربيتهم
على الكتاب والسنة، وإرساله الرسائل الدعوية إلى الملوك بالهند وغيرها، وتشجيعه غير
المسلمين على الدخول في الإسلام، وأفردت مبحثاً لإصلاحاته المالية وسياسته الحكيمة
في ذلك وحرصه على ترسيخ قيم الحق والعدل ورفع الظلم، فبينت أهداف السياسة
الاقتصادية عنده، من إعادة توزيع الدخل والثروة بشكل عادل وتحقيق التنمية
الاقتصادية والرفاه الاجتماعي، وأشرت لتحقيق تلك الأهداف كتوفير المناخ المناسب
للتنمية ورد الحقوق لأصحابها وفتح الحرية الاقتصادية بقيود، وإتباع سياسة زراعية
جديدة تمنع بيع الأرض الخراجية، وتعتني بالمزارعين وتخفف الضرائب عنهم، وحث الناس
على الإصلاح والإعمار وإحياء أرض الموات، وتوفير مشاريع البنية التحتية، وتحدثت عن
سياسته في الإنفاق العام، كإنفاق عمر على
الرعاية الإجتماعية وترشيد الإنفاق في مصالح الدولة، كقطع الامتيازات الخاصة
بالخليفة وبأمراء الأمويين، وترشيد الإنفاق الإداري والحربي وتكلمت عن المؤسسة
القضائية في عهده وبعض اجتهاداته الفقهية كرأيه في الهدية لولاة الأمر ونقض الأحكام
إذا خالفت النصوص الشرعية وغير ذلك من الاجتهادات الفقهية والقضائية وتحدثت عن
سياسته الإدارية وأشهر ولاته وحرصه على انتقاء عماله من أهل الخير والصلاح، وإشرافه
المباشر على إدارة شئون الدولة وعن قدراته في التخطيط والتنظيم وعن أسلوبه في
الوقاية من الفساد الإداري، كالتوسعة على العمال في الأرزاق وحرصه على الوقاية من
الكذب، والامتناع عن أخذ الهدايا والهبات والنهي عن الإسراف والتبذير، ومنع الولاة
والعمال من ممارسة التجارة، وفتح قنوات الاتصال بين الوالي والرعية، ومحاسبته لولاة
من قبله عن أموال بيت المال، وتطرقت إلى مفهوم المركزية واللامركزية في إدارة عمر
بن عبد العزيز واهتمامه بمبدأ المرونة، وتوظيفه للوقت في خدمة الدولة والرعية،
وممارسته لمبدأ تقسيم العمل في الإدارة وحرصت على بيان بواعث عمر بن عبد العزيز في
إصلاحه وتجديداته، المالية والسياسية والإدارية،..الخ وأشرت إلى حرصه على تنفيذ
أحكام الشريعة على الدولة والأمة والمجتمعات والأفراد وأشرت إلى آثار التمسك بأحكام
القرآن الكريم والسنة النبوية وهدي الخلافة الراشدة على دولته، من التمكين والأمن
والاستقرار، والنصر والفتح، والعز والشرف وبركة العيش ورغده وعشت مع الأيام الأخيرة
من حياة هذا المصلح الكبير حتى وفاته.
إن
ظهور عمر بن عبد العزيز في تلك المرحلة التاريخية الحرجة من تاريخ الأمة ومحاولته
العظيمة للعودة بالحياة إلى تحكيم الشريعة وآفاق الخلافة الراشدة الملتزمة بمعطيات
القرآن والسنة، ظاهرة فذة تحمل في دلالتها ليس على بطولة القائد فحسب، وإنما على
قدرة الإسلام نفسه على العودة باستمرار لقيادة الحياة السياسية والتشريعية
والحضارية في نهاية الأمر وصياغتها بما ينسجم ومبادئه الأساسية[2].
إن
خلافة عمر بن عبد العزيز حجة تاريخية على من لا يزال يردد الكلمات والأصوات
القائلة: إن الدولة التي تقوم على الأحكام الإسلامية والشريعة عرضة للمشاكل
والأزمات وعرضة للإنهيار في كل ساعة، وإنها ليست إلا حُلماً من الأحلام ولا يزال
التاريخ يتحدى هؤلاء ويقول لهم: ((قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)) (البقرة ،
الآية : 111).
ولقد
سار نور الدين زنكي المتوفى عام 568 على منهج عمر بن عبد العزيز وأخذه نموذجاً ومثالاً له في القدوة والتأسي،
فآتت محاولته الإصلاحية ثمارها للأمة وساهمت في نهوضها وعودة الوعي لها وتغلبت على
أعدائها الصليبيين وطهرت بيت المقدس على يدي تلميذه، القائد الأشم، البطل المغوار
صلاح الدين الأيوبي، كثر الله من أمثاله في جيلنا.
إن
الإصلاح ـ كما يفهمه المسلمون الصادقون لا كما يروّج أعداء الإسلام ـ هو الغاية من
إرسال الله تعالى الرسل إلى الناس قال شعيب عليه السلام لقومه الغارقين في الضلال
والفساد في العقيدة والسلوك: ((قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني
منه رزقاً حسناً وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما
استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب)) (هود ، الآية :
88).
وقد
اضطلع بمهمة الإصلاح لشؤون البشر ـ بعد مصلح الإنسانية الأعظم محمد ـ صلوات الله
عليه وسلامه ـ وسار على منهاج النبوة خلفاؤه الراشدون، وعلماء الأمة الأبرار كعمر
بن عبد العزيز، والأمة الآن في أشد الحاجة لمعرفة هدي المصلحين ابتداء من النبي
الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد اصابها التخلف والتيه والتفرق والضعف
والاستكانة،
إن فقه
حركة التاريخ الإسلامي يرشدنا إلى أن عوامل النهوض وأسباب النصر كثيرة منها صفاء
العقيدة، ووضح المنهج، وتحكيم شرع الله في الدولة، ووجود القيادة الربانية التي
تنظر بنور الله وقدرتها في التعامل مع سنن الله في تربية الأمم وبناء الدول
وسقوطها، ومعرفة علل المجتمعات وأطوار الأمم، وأسرار التاريخ، ومخططات الأعداء من
الصليبيين واليهود والملاحدة والفرق الباطنية، والمبتدعة وإعطاء كل عامل حقه
الطبيعي في التعامل معه، فقضايا فقه النهوض، والمشاريع النهضوية البعيدة المدى
متداخلة متشابكة لا يستطيع استيعابها إلا من فهم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى
الله عليه وسلم، وارتبط بالفقه الراشدي المحفوظ عن سلفنا العظيم، فعلم معالمه
وخصائصه وأسباب وجوده وعوامل زواله واستفاد من التاريخ الإسلامي وتجارب النهوض،
فأيقن بأن هذه الأمة ما فقدت الصدارة قط وهي وفية لربها ونبيها صلى الله عليه وسلم
وعلم بأن الهزائم العسكرية عرض يزول، أما الهزائم الثقافية فجرح مميت، والثقافة
الصحيحة تبني الإنسان المسلم، والأسرة المسلمة، والمجتمع المسلم، والدولة المسلمة،
على قواعدها المتينة من كتاب الله وسنة رسوله، وهدى الخلفاء الراشدين، ومن سار على
نهجهم، وعبقرية البناء الحضاري الصحيح هي التي أبقت صرح الإسلام إلى يومنا هذا بعد
توفيق الله وحفظه.
إن
سيرة عمر بن عبد العزيز تمدنا بالمفهوم الصحيح لكلمة الإصلاح للمفهوم القرآني
الأصيل الذي فهمه علماؤنا المصلحون فهماً صحيحاً وطبّقوه تطبيقاً، سليماً، لا
المفهوم الغربي الحديث الذي تسرَّب إلى أذهان بعض المفكرين السياسيين المقلدين
للغرب في حقّه وباطله حتى أصبح من المسلم به عند كثير من أبنائنا اليوم أن الثورة
أعمّ وأشمل وأعمق من الإصلاح الذي يرادف في الغرب معنى التغيير الخفيف الذي يحدث
بتدرج ومن دون عنف، بينما الثورة هي عندهم انقلاب جذري دون تدرّج، عنيف ومفاجيء،
وما دروا أن الإصلاح بالمفهوم القرآني الصحيح له معنى أشمل وأعمّ وأكبر من الثورة،
فهو دائماً نحو الأحسن والأكمل، بينما الثورة قد تكون من الصالح إلى الفاسد أصلاً،
ويتم ذلك بتغيير سلطة بسلطة وحاكم بحاكم[3].
إن عمر
بن عبد العزيز نموذج إصلاحي لمن يريد السير على منهاج النبوة وعهد الخلافة الراشدة،
ولقد أخلص لله تعالى في مشروعه الإصلاحي فتولى الله توفيقه وأطلق ألسنة الناس بمدحه
والثناء عليه، قال الشاعر أحمد رفيق المهدوي الليبـي:
فإذا أحب الله باطن
عبده
ظهرت عليه مواهب الفتاح
وإذا صفت لله نية
مصلح
مال
العباد عليـه بالأرواح
هذا
وقد تحدثت عن عهد يزيد بن عبد الملك وهشام، وعهد الوليد بن يزيد، ويزيد بن الوليد،
وإبراهيم بن الوليد، وأشرت إلى أهم أعمال يزيد وهشام واعتبرت وفاة هشام، بداية
الانحدار والضعف للدولة الأموية، وتعرضت للدعوة العباسية وجذورها التاريخية
ومشروعها الذي قدمته لاتباعها في المرحلة السرية والعلنية وتكلمت عن قيادتها،
وهيكلها التنظيمي والبعد التخطيطي وقراءة الواقع عند زعمائها، وفقهها الحركي
المستمد من ابن عباس ومتى أعلنت الثورة العباسية؟ وتحدثت عن الخليفة الأموي الأخير
مروان بن محمد وجهوده في القضاء على الثورات التي اندلعت في عهده؟ وعن انتصار
العباسيين على الأمويين في معركة الزاب، وافردت مبحثاً لأسباب سقوط الدولة الأموية
وناقشتها من خلال سنن الله في حركة المجتمعات وبناء الدول وسقوطها، ومن الأسباب
التي ذكرتها، الثورة المضادة على حركة عمر بن عبد العزيز الإصلاحية، والظلم والترف
والانغماس في الشهوات، ونظام ولاية العهد، وتعطيل الخيار الشوري، والثورات ضد
النظام الأموي كثورة الحسين بن علي رضي الله عنه، وثورة زيد بن علي بن الحسين،
وثورات الخوارج المستمرة، ومن الأسباب التي ذكرتها العصبية، والموالي، وفشل
الأمويين في إيجاد تيار حضاري، والنزاع الداخلي بين الأسرة الحاكمة، وفشلهم في آخر
عهدهم في تكوين جيش نظامي مرتبط بالدولة وموالٍ لها ومدافع عن شرعيتها، وأشرت إلى
أسباب فشل مروان في إنقاذ الخلافة الأموية، فذكرت، عدم شرعيته ونقله لعاصمة الدولة
إلى حرّان، وعدم قدرته على تنظيم حكومة مركزية قوية، واحتقاره للخصوم في خراسان،
والاستبداد بالرأي، وإبعاد الأولياء وتقريب الأعداء، ولم يلجأ إلى المال والسياسة
في تفتيت الخصوم، وشؤم بدعة الجهمية على الدولة، وإنحلال الضبط، وتجاوز الاحتياط
وضعف الثقة بينه وبين رجاله وبغض الناس له، وخذلان أهل الشام له في معركة الزاب،
وتكلمت عن الدعوة العباسية وكيف استفادت من تلك الأسباب؟ وفي نهاية الكتاب قمت
بدراسة علمية لبعض الكتب التي ساهمت في تشوية تاريخ صدر الإسلام كالإمامية والسياسة
المنسوب زوراً لابن قتيبة، وكتاب الأغاني للأصفهاني وتاريخ اليعقوبي، ومروج الذهب
للمسعودي، وحذرت من بعض المستشرقين الذين عملوا على تشويه التاريخ الإسلامي وطمس
حقائقه الناصعة ثم خاتمة الكتاب.
إن
تاريخ الدولة الأموية تعرض لهجمة شرسة من قبل خصومه وأعدائه، وحاولوا طمس كل ما لهم
من فضائل وإيجابيات وتوسعوا في ذكر السلبيات وافترى عليهم الكذب فنسب لهم ما لم يكن
منهم، ويعود ذلك إلى كتابة التاريخ إنما كانت في عهد خصومهم السياسيين من بني
العباس هذا من جهة ومن جهة ثانية، فإن هذه الكتابة كانت بأيد شيعية حاقدة لا تعرف
الإنصاف ولا العدل ولا تتكلم بعلم ولا معرفة وقد تحدث الدكتور حمدي شاهين في كتابه
عن الدولة الأموية المفترى عليها عن أسباب تزوير التاريخ الأموي، ومناهج المؤرخين
في كتابتها فمن أراد التوسع فليرجع إليه وأما عن منهجي في كتابة الدولة الأموية فقد
التزمت بمنهج أهل السنة والجماعة في النقد والحكم على الآخرين والذي من قواعده،
الخوف من الله عز وجل عند الكلام في الآخرين، وتقديم حسن الظن بالمسلم، والكلام في
الناس يجب أن يكون بعلم وإنصاف لا بجهل وظلم، كحال أهل البدع، والعدل في وصف
الآخرين والعبرة بكثرة الفضائل، والنظر في حال الجارح، والتثبت من الأخبار، وغير
ذلك من القواعد المعروفة عند أهل السنة وقد تركت الحديث عن الدولة الأموية بالمغرب
لقناعتي بأن دولة عبد الرحمن الداخل لها علاقة أصيلة بتاريخ الأندلس وتعتبر جزءاً
من تاريخها لا يمكن فصله.
هذا
وقد انتهيت من هذا الكتاب يوم الثلاثاء الساعة الخامسة وثمان دقائق بعد صلاة العصر
بتاريخ 2/ربيع الآخر/1426 الموافق 10/5/2005م/
والفضل
لله من قبل ومن بعد، وأسأله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل
عملي لوجهه خالصاً ولعباده نافعاً، وأن يثيبني على كل حرف كتبته ويجعله في ميزان
حسناتي، وأن يثيب إخواني الذين ساهموا في إتمام هذا الجهد المتواضع، ونرجو من كل
مسلم يطلع على هذا الكتاب أن لا ينسى العبد الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته
ورضوانه من دعائه ((رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديَّ وأن أعمل
صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين)) (النمل ، الآية : 19). قال تعالى:
((ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو
العزيز الحكيم)) (فاطر ، الآية : 2). وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
وسلم.
سبحانك
اللهم وبحمدك أشد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك. وآخر دعوانا أن الحمد لله
ربا العالمين
الفقير
إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه
علي
محمد محمد الصًّلاَّبيَّ
الأخوة
القرّاء الكرام، يسر المؤلف أن تصله ملاحظاتكم حول هذا الكتاب وغيره من كتبه من
خلال دور النشر، ويطلب من إخوانه الدعاء في ظهر الغيب بالإخلاص والصواب ومواصلة
المسيرة في خدمة تاريخ أمتنا
شبكة الميزان :: منتدى الاسلاميات :: قسم التاريخ الإسلامي القديم والحديث :: الدّوْلة الأمَويّة عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى