ذكر اختصاصه بالفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه كان أعلمهم بالأمور وأعلمهم به
صفحة 1 من اصل 1
ذكر اختصاصه بالفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه كان أعلمهم بالأمور وأعلمهم به
ذكر اختصاصه بالفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأنه كان أعلمهم بالأمور وأعلمهم به
عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على
المنبر فقال إن عبداً خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار
ما عنده فبكى أبو بكر وقال فديناك بآبائنا وأمهاتنا فكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به أخرجاه وأحمد وأبو حاتم وعند البخاري بعد
قوله فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به وعند الترمذي
من رواية أبي المعلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال إن رجلاً خيره ربه
بين أن يعيش في الدنيا ما شاء ويأكل من الدنيا ما شاء أن يأكل وبين لقاء ربه
فاختار لقاء ربه قال فبكى أبو بكر فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ألا تعجبون
من هذا الشيخ إذ ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً صالحاً خيره ربه بين
الدنيا ولقاء ربه قال فكان أبو بكر أعلمهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال أبو بكر بل نفديك بآبائنا وأموالنا وخرجه الحافظ الدمشقي عن أبي سعيد ولفظه
قال جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني مرجعه من حجته فقال إن عبداً ثم ذكر
معناه وقال فكان أبو بكر أعلمنا بالأمور وقد تقدم في ذكر اختصاصه بأنه أمن الناس
في صحبته وماله وخرجه صاحب فضائله عن أبي سعيد ولفظه خرج علينا رسول الله صلى الله
عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه وهو معصوب الرأس فاتبعته حتى قام على المنبر فقال
"إني الساعة قائم على الحوض ثم قال إن عبداً عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار
الآخرة" فلم يفطن لها أحد من القوم إلا أبو بكر فقال بأبي وأمي بل بأموالنا
وأنفسنا وأولادنا قال ثم هبط من المنبر فما رئي عليه حتى الساعة وقال حديث حسن وعن
عمر قال كنت أدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وأبو بكر يتكلمان في علم
التوحيد فاجلس بينهما كأني زنجي لا أعلم ما يقولون خرجه الملاء في سيرته.
ذكر اختصاصه بشربه فضل لبن شربه
رسول الله
صلى الله عليه وسلم في رؤيا رآها وأعطى فضله أبا بكر وتفسير الصحابة
ذلك بالعلم وتصويبه صلى الله عليه وسلم ذلك التفسير.
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رأيت كأني أعطيت عساً
مملوءاً لبناً فشربت منه حتى امتلأت فرأيتها تجري في عروقي بين الجلد واللحم ففضلت
منها فضلة فأعطيتها أبا بكر" قالوا يا رسول الله أهذا علم أعطاكه الله حتى
إذا امتلأت فضلت فضلة فأعطيتها أبا بكر قال صلى الله عليه وسلم قد أصبتم خرجه أبو
حاتم.
شرح: العس القدح العظيم والرفد وجمعه عساس وقد جاء في الصحيح مثل هذا لعمر وسيأتي
في خصائصه ولعل الرؤيا تعددت في ذلك وعلى ذلك يحمل فإن الحديثين صحيحان وإن كان
حديث عمر متفقاً عليه.
ذكر اختصاصه بشهادة النبي صلى الله
عليه وسلم بأعلميته بالنسب
عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحسان لا تعجل وأت
أبا بكر فإنه أعلم قريش بأنسابها حتى يمحص لك نسبي خرجه في الفضائل وقال حسن صحيح
وعن ابن عباس قال حدثني علي بن أبي طالب من فيه قال لما أمر الله تبارك وتعالى
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه وأبو بكر
فدفعنا إلى مجالس العرب فتقدم أبو بكر وكان مقدماً في كل خير وكان رجلاً نسابة
فسلم وقال من القوم قالوا من ربيعة قال وأي ربيعة أنتم من هامتها أم من لهازمها
فقالوا من ذهل الأكبر قال فيكم عوف الذي يقال لا حر بوادي عوف قالوا لا قال فمنكم
جساس بن مرة حامي الذمار ومانع الجار قالوا لا قال فمنكم الحوفزان قاتل الملوك
وسالبها أنفسها قالوا لا قال فيكم المزدلف صاحب العمامة الفردة قالوا لا قال فمنكم
أخوال الملوك من كندة قالوا لا قال فمنكم أصهار الملوك من لخم قالوا لا قال أبو
بكر فلستم ذهلاً الأكبر أنتم ذهل الأصغر فقام إليه غلام من بني شيبان يقال دغفل
حين بقل وجهه فقال:
يا هذا إنك قد سألتنا فأخبرناك ولم نكتمك شيئاً فمن الرجل
قال أبو بكر من قريش قال الفتى بخ بخ أهل الشرف والرياسة فمن أي القرشيين أنت قال
من ولد تيم بن مرة قال الفتى أمكنت والله من سواء الثغرة أمنكم قصي الذي جمع
القبائل من فهر وكان يدعى في قريش مجمعاً قال لا قال فمنكم هاشم الذي قال فيه
الشاعر:
قال لا قال فمنكم شيبة الحمد عبد المطلب مطعم طير السماء
الذي كان وجهه القمر يضيء في الليلة الداجية الظلماء قال لا قال فمن أهل الإفاضة
بالناس أنت قال لا قال فمن أهل الحجاية أنت قال لا قال فمن أهل السقاية أنت قال لا
قال فمن أهل الندوة أنت قال لا قال فمن أهل الرفادة أنت قال لا فاجتذب أبو بكر
زمام الناقة راجعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الغلام:
أما والله لو ثبت لأخبرتك من أي قريش أنت فتبسم رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال علي فقلت يا أبا بكر لقد وقعت من الأعرابي على باقعة قال
أجلس أبا الحسن ما من طامة إلا وفوقها طامة والبلاء موكل بالمنطق قال ثم دفعنا إلى
مجلس آخر عليهم السكينة والوقار فتقدم أبو بكر فسلم وقال ممن القوم قالوا من شيبان
بن ثعلبة فالتفت أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بأبي وأمي هؤلاء
غرر الناس وفيهم مفروق بن عمرو وهانئ بن قبيصة والمثنى بن حارثة والنعمان بن شريك
وكان مفروق قد غلبهم جمالاً ولساناً وكان له غديرتان يسقطان على تربته وكان أدنى
القوم مجلساً فقال أبو بكر العدد فيكم فقال مفروق إنا نزيد على ألف ولن يغلب ألف
من قلة فقال أبو بكر وكيف المنعة فيكم فقال مفروق علينا الجهد ولكل قوم حد فقال
أبو بكر فكيف الحرب بينكم وبين عدوكم قال مفروق إنا لأشد ما يكون غضباً حين نلقى
وأشد ما نكون لقاء حين نغضب وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد والسلاح على اللقاح
والنصر من عند الله تعالى يديلنا مرة ويديل علينا أخرى لعلك أخو قريش قال أبو بكر
قد بلغكم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا هو ذا فقال مفروق بلغنا أنه يذكر
ذلك فإلام تدعو يا أخا قريش فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وقام أبو بكر
يظله بثوبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وإلى أن تؤووني وتنصروني فإن قريشاً
قد ظاهرت على أمر الله وكذبت رسوله واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغني الحميد
فقال مفروق بن عمرو إلام تدعونا يا أخا قريش فوالله ما سمعت كلاماً أحسن من هذا
فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم"
إلى "فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون" فقال مفروق إلى ما
تدعونا يا أخا قريش قال فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله يأمر
بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم
تذكرون" فقال مفروق دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال
ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك وكأنه أحب أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة فقال
وهذا هانئ بن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا فقال هانئ قد سمعت مقالتك يا أخا قريش وإني
أرى إن تركنا ديننا واتبعناك على دينك بمجلس جلسناه إليك ليس له أول ولا آخر زللاً
في الرأي وقلة نظر في العاقبة وإنما تكون الزلة مع العجلة ومن ورائنا قوم نكره أن
نعقد عليهم عقداً ولكن ترجع ونرجع وتنظر وننظر وكأنه أحب أن يشركه المثنى بن حارثة
فقال وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا فقال المثنى بن حارثة وقد سمعت
مقالتك يا أخا قريش والجواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتك على دينك وإنما
نزلنا بين صريتين اليمانية والشامية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هاتان
الصريتان فقال أنهار كسرى ومياه العرب فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير
مغفور وعذره غير مقبول وإنا إنما على عهد أخذه علينا أن لا نحدث حدثاً ولا نؤوي
محدثاً وإني أرى هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا أخا قريش مما تكره الملوك فإن
أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم "ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه
من جميع جوانبه أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم
وأموالهم ويفرشكم نساءهم أتسبحون الله وتقدسونه" فقال النعمان بن شريك اللهم
فلك ذلك قال فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً
ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً" ثم نهض رسول الله صلى الله
عليه وسلم قابضاً على يد أبي بكر وهو يقول "يا أبا بكر أية أخلاق في الجاهلية
ما أشرفها بها يدفع الله عز وجل بأس بعضهم عن بعض وبها يتحاجزون فيما بينهم"
قال فدفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج فما نهضنا حتى بايعوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سر بما كان من أبي بكر ومعرفته
بأنسابهم.
شرح: هامتها رأسها واللهازم في الأصل جمع لهزمة بالكسر
واللهزمتان عظمتان ناتئتان في اللحيين تحت الأذنين وتيم الله بن ثعلبة بن عكابة من
بني ربيعة يقال لهم اللهازم قاله الجوهري ذهل حي من بكر وهما ذهلان كلاهما من
ربيعة أحدهما ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة والآخر ذهل بن ثعلبة بن عكابة حامي
الذمار أي إذا ذمر وغضب حمى وذمر أي حث يقال تذامر القوم أي حث بعضهم بعضاً وذلك
في الحرب وذمر الأسد إذا زأر والحوفزان بفاء وزاي هو لقب الحارث بن شريك الشيباني
لقب بذلك لأن قيس بن عاصم التميمي حفزه بالرمح حين خاف أن يفوته ودغفل هو ابن
حنظلة النسابة أحد بني شيبان والدغفل ولد الفيل قاله الجوهري بقل وجهه خرجت لحيته
والندوة والندي على فعيل بمعنى وهو مجلس القوم ومتحدثهم وكذلك النادي والمنتدى فإن
تفرقوا فليس بندي وسميت دار الندوة بمكة التي بناها قصي لأنهم كانوا ينتدون فيها
أي يجتمعون للمشاورة وإليها الإشارة على حذف المضاف والله أعلم العبء بالكسر الحمل
وجمعه أعباء سواء الثغرة أي وسطها والثغرة ثغرة النحر التي بين الترقوتين كأنه
استعارها لمكان شرف النسب مسنتون مجدبون أسنت القوم أي أجدبوا الدرء كل ما استترت
به يهيضه يكسره وهاض العظم كسره الباقعة الداهية وبقع الرجل إذا رمى بكلام قبيح
الطامة يقال لما علا وغلب طم غرر الناس ساداتهم وغرة كل شئ أوله وأكرمه ديرتان
ضفيرتان تربية واحدة الترائب وهي عظام الصدر ما بين الترقوة الثندوة المنعة
الامتناع ويقال جمع مانع نحو كافر وكفرة الجد بالفتح الحظ يديلنا أي يجعل لنا
الدولة تارة وعلينا أخرى ظاهرة من المظاهرة المعاونة الصريتان تثنية صرية لعله من
الصرا بكسر الصاد وفتحها الماء يطول مكثه واستنقاعه أو من الصراة نهر بالعراق
التحاجز التمانع وربما يتوهم جاهل أن أبا بكر لما رجع عن دغفل كان عن انقطاع وعي
ولم يكن رجوعه لذلك فإن أبا بكر انتسب إلى أرومة ليس منها أحد ممن ذكره دغفل وإلى
بيت ليس فيه شيء من تلك المناصب ولو ثبت أبو بكر لما أمكن دغفل أن يقول له لست من
تيم بن مرة ولا لست من قريش ولكان لأبي بكر أن يقول له يا أخا العرب إن جميع ما
ذكرته لم يكن إلا من الأرومة التي انتسبت إليها وما ذكرته من المناصب ليس شيء منه
في البيت الذي انتسب إليه ولا يقتضي كونهم ليسوا منا ولا شيء من هذه المناصب فينا
في إخراجي من قريش فإن قريشاً بطون كثيرة ولم أدع أني من أرومة تشملني ومن ذكرته
أما أنتم فادعيتم أنكم من الهامة من ذهل الأكبر وذهل الأكبر أرومة من عددته عليكم
فيلزم من كان من ذهل الأكبر أن يكون هؤلاء منهم فلما أقررتم بانتفاء اللازم وهو أن
هؤلاء ليسوا منكم مع الاعتراف بأنهم من ذهل الأكبر فانتفى الملزوم وهو أن يكون ذهل
الأكبر أرومتكم لأنهم متفق عليهم فتعينتم للانتفاء وإنما كان رجوعه رضي الله عنه
من باب عظموا أقداركم بالتغافل فإنه رأى إنساناً قصد التنقص به والغض من أرومته
بكون هؤلاء العظماء النبلاء المشهورين بالمناقب ليسوا منكم والحط من مرتبته بكون
هذه المناصب الشريفة ليس شيء منها فيه وعرف أنه مقتدر على الكلام وترويجه
والتعاريض بما ينقصه به بين ذلك الملأ فكان من النظر السديد ما فعله أبو بكر وقول
دغفل أما والله لو ثبت لأخبرتك من قريش أي قريش الممتدحة بتلك المناقب والمناصب
وكأنه يقول فهم قريش على الحقيقة لا أنه يريد أن تيم بن مرة ليس من قريش فإنه
علامة بالنسب مشهور بذلك بين العرب فكيف يعزب عنه هذا وقول علي لقد وقعت من
الأعرابي على باقعة صحيح ولا شك في أنه كذلك وقول أبي بكر ما من طامة إلا وفوقها
طامة لا يلزم منه أنه أراد أنه أعلم منه بالنسب وإنما لما كان أبو بكر من أفصح
العرب وأعرفهم بوجوه الكلام ومحاسنه وحقائقه ومجازاته وأعلمهم بالنسب لكنه لم يكن
يستعمل التمويه والمعاريض التي هي شبيه بالباطل وإن كانت حقاً لمكان دينه وورعه
ودغفل وإن كان في الفصاحة والعلم بالنسب كذلك إلا أنه لا دين له ولا ورع عنده
يمنعانه من ذلك كما قد وقع فإنه أوهم أن أبا بكر ليس من قريش بما عرض به من تعداد
أقوام ونفي أبي بكر عنهم وهو محق في القول مبطل في الإيهام فبذلك طم على أبي بكر
والله أعلم.
ذكر اختصاصه بالفتوى بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإمضاء النبي صلى الله عليه وسلم
عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه" وكنت قتلت رجلاً من المشركين
فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست فأعادها من يشهد لي ثم جلست فأعادها الثالثة فقال
رجل صدق يا رسول الله سلبه عندي فأرضه عني فقال أبو بكر لا ها الله إذن لا أعمد
إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله يعطيك سلبه فقال صلى الله عليه وسلم صدق
فأعطه فبعث الدرع فابتعت به مخرفاً في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام
أخرجاه شرح لا ها الله إذن هكذا يروونها للتنبيه وفيها لغتان المد والقصر وجاءت في
هذا الموضع عوضاً عن واو القسم كهمزة الاستفهام في الله ومد ألفها أحسن ويجوز
حذفها لالتقاء الساكنين وذكر أبو حاتم السجستاني فيما يلحن فيه العامة أنهم يقولون
لا ها الله إذا والصواب لاها الله ذا والمعنى لا والله هذا ما أقسم به فأدخل اسم
الله بين ها وذا فعلى هذا يكون هذا من الرواة لأنهم كانوا يروون بالمعنى هذا مذهب
الأخفش وذهب الخليل إلى أن الخبر محذوف أبداً وأن التقدير لا والله إلا من ذا ولا
والله لا يكون ذا فحذف لكثرة الاستعمال وأعلم أن بدار أبي بكر بالزجر والردع
والفتوى واليمين على ذلك في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصدقه الرسول
صلى الله عليه وسلم فيما قال ويحكم بقوله خصوصية شرف لم تكن لأحد غيره وقد كان
يفتي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر من الصحابة أبو بكر وعمر
وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وعمار بن ياسر وأبي بن كعب ومعاذ بن
جبل وحذيفة بن اليمان وزيد بن ثابت وأبو الدرداء وسلمان وأبو موسى الأشعري رضي
الله عنهم ولهذا لما قال ذلك الرجل فسألت رجالاً من أهل العلم فأخبروني أن على
ابني جلد مائة جلدة لم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوى غيره في زمانه
لأنها عنه صدرت وعن تعليمه أخذت وأما الفتوى بحضرته على ما ذكرنا فلم تكن لأحد سوى
أبي بكر وعن محمد بن كعب القرطبي قال بلغني أنه لما اشتكى أبو طالب شكواه التي قبض
فيها قالت له قريش أرسل إلى ابن أخيك يرسل إليك من هذه الجنة التي ذكرها ما يكون
لك شفاء فخرج الرسول حتى وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر جالس معه فقال
يا محمد إن عمك يقول لك إني كبير ضعيف سقيم فأرسل إلي من جنتك هذه التي تذكر من
طعامها وشرابها شيئاً يكون لي فيه شفاء فقال أبو بكر إن الله حرمها على الكافرين
فرجع الرسول إليهم وأخبرهم بمقالة أبي بكر فحملوا عليه بأنفسهم حتى أرسل رسولاً من
عنده فوجده الرسول في مجلسه فقال له مثل ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن
الله حرمها على الكافرين خرجه في فضائل أبي بكر وهو مرسل.
ذكر تعبيره الرؤيا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وفي حال
انفراده عنه وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم تعبيره في الحالي وأنه كان أعلم
الناس بالتعبير
عن ابن عباس أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم منصرفه
من أحد فقال يا رسول الله إني رأيت في المنام ظلة تنطف عسلاً وسمناً والناس
يتكففون فمنهم المقل ومنهم المستكثر ثم رأيت سبباً واصلاً من السماء أخذت به فعلوت
ثم أخذ به آخر بعدك فعلاً ثم أخذ به بعدك فعلاً ثم أخذ به آخر فانقطع ثم وصل له
فعلاً قال فقال أبو بكر اتركني أعبرها يا رسول الله قال عبرها قال أما الظلة
فالإسلام وأما السمن والعسل فهو القرآن حلاوته ولينه والناس يتكففون منه فمنهم
المقل ومنهم المستكثر وأما السبب من السماء فهو الحق الذي أنت عليه أخذت به فعلوت
ثم أخذ به آخر بعدك فعلاً ثم أخذ به آخر فعلاً ثم أخذ به آخر فانقطع ثم وصل له
فعلاً أصبت يا رسول الله قال أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً قال أقسمت يا رسول الله
لتخبرني قال لا تقسم أخرجاه شرح يتكففون ويستكفون بمعنى وهو أن يمد كفه يسأل
والسبب الحبل في لغة هذيل وعن عمرو بن شرحبيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم رأيت كأني في غنم سود إذ ردفتها غنم بيض فلم أستبن السود من كثرة البيض قال
أبو بكر يا رسول الله أهذه العرب ولدت فيها ثم تدخل العجم فلا تستبين العرب من
كثرتهم قال كذلك عبرها الملك سحر خرجه سعيد بن منصور في سننه والحاكم أبو عبد الله
بن الربيع واللفظ له وهو مرسل وعن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه أن النبي صلى
الله عليه وسلم لقي ابن بديل فقال "ما كنت أرى إلا أنك قد قتلت أتذكر رؤيا
رأيتها فقصصتها على أبي بكر" فقال "إن صدقت رؤياك قتلت في أمر
ملتبس" فقتل يوم صفين خرجه في الفضائل وعن عطاء قال جاءت امرأة إلى النبي صلى
الله عليه وسلم فقالت إني رأيت كأن حائز بيتي انكسر وزوجها غائب فقال يرد عليك
غائبك فرجع زوجها ثم غاب فجاءت الثانية فقالت إني رأيت كأن حائز بيتي انكسر فقال
لها مثل ذلك فقدم زوجها ثم جاءت الثالثة فلم تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ووجدت أبا بكر وعمر أو أحدهما فأخبرت بما رأت فقال يموت زوجك ثم أتت رسول الله صلى
الله عليه وسلم فأخبرته فقال لها هل سألت أحداً قبلي قالت نعم قال فهو كما قال لك
وعن سعيد بن المسيب قال رأت عائشة كأن وقع في بيتها ثلاثة أقمار فقصتها على أبي
بكر وكان من أعبر الناس فقال إن صدقت رؤياك ليدفن في بيتك خير أهل الأرض ثلاثة
فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر يا عائشة هذا خير أقمارك خرجهما
سعيد بن منصور.
ذكر اختصاصه بالشورى بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم
وقبوله صلى الله عليه وسلم مشورته
عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم في قصة الحديبية وأنه
لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم عينه فقال إن قريشاً جمعوا لك جموعاً وهم
مقاتلوك وصادوك عن البيت ومانعوك فقال أشيروا أيها الناس علي أترون أن أميل إلى
عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت فإن فاتونا كان الله قد قطع
عيناً من المشركين وإلا تركناهم محرومين فقال أبو بكر يا رسول الله خرجت عامداً
لهذا البيت لا تريد قتال أحد و لا حرباً فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه قال امضوا
على اسم الله عز وجل أخرجاه.
وأنه كان أعلمهم بالأمور وأعلمهم به
عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على
المنبر فقال إن عبداً خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار
ما عنده فبكى أبو بكر وقال فديناك بآبائنا وأمهاتنا فكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به أخرجاه وأحمد وأبو حاتم وعند البخاري بعد
قوله فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به وعند الترمذي
من رواية أبي المعلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال إن رجلاً خيره ربه
بين أن يعيش في الدنيا ما شاء ويأكل من الدنيا ما شاء أن يأكل وبين لقاء ربه
فاختار لقاء ربه قال فبكى أبو بكر فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ألا تعجبون
من هذا الشيخ إذ ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً صالحاً خيره ربه بين
الدنيا ولقاء ربه قال فكان أبو بكر أعلمهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال أبو بكر بل نفديك بآبائنا وأموالنا وخرجه الحافظ الدمشقي عن أبي سعيد ولفظه
قال جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني مرجعه من حجته فقال إن عبداً ثم ذكر
معناه وقال فكان أبو بكر أعلمنا بالأمور وقد تقدم في ذكر اختصاصه بأنه أمن الناس
في صحبته وماله وخرجه صاحب فضائله عن أبي سعيد ولفظه خرج علينا رسول الله صلى الله
عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه وهو معصوب الرأس فاتبعته حتى قام على المنبر فقال
"إني الساعة قائم على الحوض ثم قال إن عبداً عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار
الآخرة" فلم يفطن لها أحد من القوم إلا أبو بكر فقال بأبي وأمي بل بأموالنا
وأنفسنا وأولادنا قال ثم هبط من المنبر فما رئي عليه حتى الساعة وقال حديث حسن وعن
عمر قال كنت أدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وأبو بكر يتكلمان في علم
التوحيد فاجلس بينهما كأني زنجي لا أعلم ما يقولون خرجه الملاء في سيرته.
ذكر اختصاصه بشربه فضل لبن شربه
رسول الله
صلى الله عليه وسلم في رؤيا رآها وأعطى فضله أبا بكر وتفسير الصحابة
ذلك بالعلم وتصويبه صلى الله عليه وسلم ذلك التفسير.
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رأيت كأني أعطيت عساً
مملوءاً لبناً فشربت منه حتى امتلأت فرأيتها تجري في عروقي بين الجلد واللحم ففضلت
منها فضلة فأعطيتها أبا بكر" قالوا يا رسول الله أهذا علم أعطاكه الله حتى
إذا امتلأت فضلت فضلة فأعطيتها أبا بكر قال صلى الله عليه وسلم قد أصبتم خرجه أبو
حاتم.
شرح: العس القدح العظيم والرفد وجمعه عساس وقد جاء في الصحيح مثل هذا لعمر وسيأتي
في خصائصه ولعل الرؤيا تعددت في ذلك وعلى ذلك يحمل فإن الحديثين صحيحان وإن كان
حديث عمر متفقاً عليه.
ذكر اختصاصه بشهادة النبي صلى الله
عليه وسلم بأعلميته بالنسب
عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحسان لا تعجل وأت
أبا بكر فإنه أعلم قريش بأنسابها حتى يمحص لك نسبي خرجه في الفضائل وقال حسن صحيح
وعن ابن عباس قال حدثني علي بن أبي طالب من فيه قال لما أمر الله تبارك وتعالى
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه وأبو بكر
فدفعنا إلى مجالس العرب فتقدم أبو بكر وكان مقدماً في كل خير وكان رجلاً نسابة
فسلم وقال من القوم قالوا من ربيعة قال وأي ربيعة أنتم من هامتها أم من لهازمها
فقالوا من ذهل الأكبر قال فيكم عوف الذي يقال لا حر بوادي عوف قالوا لا قال فمنكم
جساس بن مرة حامي الذمار ومانع الجار قالوا لا قال فمنكم الحوفزان قاتل الملوك
وسالبها أنفسها قالوا لا قال فيكم المزدلف صاحب العمامة الفردة قالوا لا قال فمنكم
أخوال الملوك من كندة قالوا لا قال فمنكم أصهار الملوك من لخم قالوا لا قال أبو
بكر فلستم ذهلاً الأكبر أنتم ذهل الأصغر فقام إليه غلام من بني شيبان يقال دغفل
حين بقل وجهه فقال:
إن على سائلنا أن نسـألـه | | والعبء لا تعرفه أو تحمله |
يا هذا إنك قد سألتنا فأخبرناك ولم نكتمك شيئاً فمن الرجل
قال أبو بكر من قريش قال الفتى بخ بخ أهل الشرف والرياسة فمن أي القرشيين أنت قال
من ولد تيم بن مرة قال الفتى أمكنت والله من سواء الثغرة أمنكم قصي الذي جمع
القبائل من فهر وكان يدعى في قريش مجمعاً قال لا قال فمنكم هاشم الذي قال فيه
الشاعر:
عمرو العلا هشم الثريد لقومه | | ورجال مكة مسنتون عجاف |
قال لا قال فمنكم شيبة الحمد عبد المطلب مطعم طير السماء
الذي كان وجهه القمر يضيء في الليلة الداجية الظلماء قال لا قال فمن أهل الإفاضة
بالناس أنت قال لا قال فمن أهل الحجاية أنت قال لا قال فمن أهل السقاية أنت قال لا
قال فمن أهل الندوة أنت قال لا قال فمن أهل الرفادة أنت قال لا فاجتذب أبو بكر
زمام الناقة راجعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الغلام:
صادف السيل درءاً يرفعه | | يهيضه حيناً وحيناً يصدعه |
أما والله لو ثبت لأخبرتك من أي قريش أنت فتبسم رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال علي فقلت يا أبا بكر لقد وقعت من الأعرابي على باقعة قال
أجلس أبا الحسن ما من طامة إلا وفوقها طامة والبلاء موكل بالمنطق قال ثم دفعنا إلى
مجلس آخر عليهم السكينة والوقار فتقدم أبو بكر فسلم وقال ممن القوم قالوا من شيبان
بن ثعلبة فالتفت أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بأبي وأمي هؤلاء
غرر الناس وفيهم مفروق بن عمرو وهانئ بن قبيصة والمثنى بن حارثة والنعمان بن شريك
وكان مفروق قد غلبهم جمالاً ولساناً وكان له غديرتان يسقطان على تربته وكان أدنى
القوم مجلساً فقال أبو بكر العدد فيكم فقال مفروق إنا نزيد على ألف ولن يغلب ألف
من قلة فقال أبو بكر وكيف المنعة فيكم فقال مفروق علينا الجهد ولكل قوم حد فقال
أبو بكر فكيف الحرب بينكم وبين عدوكم قال مفروق إنا لأشد ما يكون غضباً حين نلقى
وأشد ما نكون لقاء حين نغضب وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد والسلاح على اللقاح
والنصر من عند الله تعالى يديلنا مرة ويديل علينا أخرى لعلك أخو قريش قال أبو بكر
قد بلغكم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا هو ذا فقال مفروق بلغنا أنه يذكر
ذلك فإلام تدعو يا أخا قريش فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وقام أبو بكر
يظله بثوبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وإلى أن تؤووني وتنصروني فإن قريشاً
قد ظاهرت على أمر الله وكذبت رسوله واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغني الحميد
فقال مفروق بن عمرو إلام تدعونا يا أخا قريش فوالله ما سمعت كلاماً أحسن من هذا
فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم"
إلى "فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون" فقال مفروق إلى ما
تدعونا يا أخا قريش قال فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله يأمر
بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم
تذكرون" فقال مفروق دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال
ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك وكأنه أحب أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة فقال
وهذا هانئ بن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا فقال هانئ قد سمعت مقالتك يا أخا قريش وإني
أرى إن تركنا ديننا واتبعناك على دينك بمجلس جلسناه إليك ليس له أول ولا آخر زللاً
في الرأي وقلة نظر في العاقبة وإنما تكون الزلة مع العجلة ومن ورائنا قوم نكره أن
نعقد عليهم عقداً ولكن ترجع ونرجع وتنظر وننظر وكأنه أحب أن يشركه المثنى بن حارثة
فقال وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا فقال المثنى بن حارثة وقد سمعت
مقالتك يا أخا قريش والجواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتك على دينك وإنما
نزلنا بين صريتين اليمانية والشامية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هاتان
الصريتان فقال أنهار كسرى ومياه العرب فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير
مغفور وعذره غير مقبول وإنا إنما على عهد أخذه علينا أن لا نحدث حدثاً ولا نؤوي
محدثاً وإني أرى هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا أخا قريش مما تكره الملوك فإن
أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم "ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه
من جميع جوانبه أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم
وأموالهم ويفرشكم نساءهم أتسبحون الله وتقدسونه" فقال النعمان بن شريك اللهم
فلك ذلك قال فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً
ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً" ثم نهض رسول الله صلى الله
عليه وسلم قابضاً على يد أبي بكر وهو يقول "يا أبا بكر أية أخلاق في الجاهلية
ما أشرفها بها يدفع الله عز وجل بأس بعضهم عن بعض وبها يتحاجزون فيما بينهم"
قال فدفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج فما نهضنا حتى بايعوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سر بما كان من أبي بكر ومعرفته
بأنسابهم.
شرح: هامتها رأسها واللهازم في الأصل جمع لهزمة بالكسر
واللهزمتان عظمتان ناتئتان في اللحيين تحت الأذنين وتيم الله بن ثعلبة بن عكابة من
بني ربيعة يقال لهم اللهازم قاله الجوهري ذهل حي من بكر وهما ذهلان كلاهما من
ربيعة أحدهما ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة والآخر ذهل بن ثعلبة بن عكابة حامي
الذمار أي إذا ذمر وغضب حمى وذمر أي حث يقال تذامر القوم أي حث بعضهم بعضاً وذلك
في الحرب وذمر الأسد إذا زأر والحوفزان بفاء وزاي هو لقب الحارث بن شريك الشيباني
لقب بذلك لأن قيس بن عاصم التميمي حفزه بالرمح حين خاف أن يفوته ودغفل هو ابن
حنظلة النسابة أحد بني شيبان والدغفل ولد الفيل قاله الجوهري بقل وجهه خرجت لحيته
والندوة والندي على فعيل بمعنى وهو مجلس القوم ومتحدثهم وكذلك النادي والمنتدى فإن
تفرقوا فليس بندي وسميت دار الندوة بمكة التي بناها قصي لأنهم كانوا ينتدون فيها
أي يجتمعون للمشاورة وإليها الإشارة على حذف المضاف والله أعلم العبء بالكسر الحمل
وجمعه أعباء سواء الثغرة أي وسطها والثغرة ثغرة النحر التي بين الترقوتين كأنه
استعارها لمكان شرف النسب مسنتون مجدبون أسنت القوم أي أجدبوا الدرء كل ما استترت
به يهيضه يكسره وهاض العظم كسره الباقعة الداهية وبقع الرجل إذا رمى بكلام قبيح
الطامة يقال لما علا وغلب طم غرر الناس ساداتهم وغرة كل شئ أوله وأكرمه ديرتان
ضفيرتان تربية واحدة الترائب وهي عظام الصدر ما بين الترقوة الثندوة المنعة
الامتناع ويقال جمع مانع نحو كافر وكفرة الجد بالفتح الحظ يديلنا أي يجعل لنا
الدولة تارة وعلينا أخرى ظاهرة من المظاهرة المعاونة الصريتان تثنية صرية لعله من
الصرا بكسر الصاد وفتحها الماء يطول مكثه واستنقاعه أو من الصراة نهر بالعراق
التحاجز التمانع وربما يتوهم جاهل أن أبا بكر لما رجع عن دغفل كان عن انقطاع وعي
ولم يكن رجوعه لذلك فإن أبا بكر انتسب إلى أرومة ليس منها أحد ممن ذكره دغفل وإلى
بيت ليس فيه شيء من تلك المناصب ولو ثبت أبو بكر لما أمكن دغفل أن يقول له لست من
تيم بن مرة ولا لست من قريش ولكان لأبي بكر أن يقول له يا أخا العرب إن جميع ما
ذكرته لم يكن إلا من الأرومة التي انتسبت إليها وما ذكرته من المناصب ليس شيء منه
في البيت الذي انتسب إليه ولا يقتضي كونهم ليسوا منا ولا شيء من هذه المناصب فينا
في إخراجي من قريش فإن قريشاً بطون كثيرة ولم أدع أني من أرومة تشملني ومن ذكرته
أما أنتم فادعيتم أنكم من الهامة من ذهل الأكبر وذهل الأكبر أرومة من عددته عليكم
فيلزم من كان من ذهل الأكبر أن يكون هؤلاء منهم فلما أقررتم بانتفاء اللازم وهو أن
هؤلاء ليسوا منكم مع الاعتراف بأنهم من ذهل الأكبر فانتفى الملزوم وهو أن يكون ذهل
الأكبر أرومتكم لأنهم متفق عليهم فتعينتم للانتفاء وإنما كان رجوعه رضي الله عنه
من باب عظموا أقداركم بالتغافل فإنه رأى إنساناً قصد التنقص به والغض من أرومته
بكون هؤلاء العظماء النبلاء المشهورين بالمناقب ليسوا منكم والحط من مرتبته بكون
هذه المناصب الشريفة ليس شيء منها فيه وعرف أنه مقتدر على الكلام وترويجه
والتعاريض بما ينقصه به بين ذلك الملأ فكان من النظر السديد ما فعله أبو بكر وقول
دغفل أما والله لو ثبت لأخبرتك من قريش أي قريش الممتدحة بتلك المناقب والمناصب
وكأنه يقول فهم قريش على الحقيقة لا أنه يريد أن تيم بن مرة ليس من قريش فإنه
علامة بالنسب مشهور بذلك بين العرب فكيف يعزب عنه هذا وقول علي لقد وقعت من
الأعرابي على باقعة صحيح ولا شك في أنه كذلك وقول أبي بكر ما من طامة إلا وفوقها
طامة لا يلزم منه أنه أراد أنه أعلم منه بالنسب وإنما لما كان أبو بكر من أفصح
العرب وأعرفهم بوجوه الكلام ومحاسنه وحقائقه ومجازاته وأعلمهم بالنسب لكنه لم يكن
يستعمل التمويه والمعاريض التي هي شبيه بالباطل وإن كانت حقاً لمكان دينه وورعه
ودغفل وإن كان في الفصاحة والعلم بالنسب كذلك إلا أنه لا دين له ولا ورع عنده
يمنعانه من ذلك كما قد وقع فإنه أوهم أن أبا بكر ليس من قريش بما عرض به من تعداد
أقوام ونفي أبي بكر عنهم وهو محق في القول مبطل في الإيهام فبذلك طم على أبي بكر
والله أعلم.
ذكر اختصاصه بالفتوى بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإمضاء النبي صلى الله عليه وسلم
عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه" وكنت قتلت رجلاً من المشركين
فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست فأعادها من يشهد لي ثم جلست فأعادها الثالثة فقال
رجل صدق يا رسول الله سلبه عندي فأرضه عني فقال أبو بكر لا ها الله إذن لا أعمد
إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله يعطيك سلبه فقال صلى الله عليه وسلم صدق
فأعطه فبعث الدرع فابتعت به مخرفاً في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام
أخرجاه شرح لا ها الله إذن هكذا يروونها للتنبيه وفيها لغتان المد والقصر وجاءت في
هذا الموضع عوضاً عن واو القسم كهمزة الاستفهام في الله ومد ألفها أحسن ويجوز
حذفها لالتقاء الساكنين وذكر أبو حاتم السجستاني فيما يلحن فيه العامة أنهم يقولون
لا ها الله إذا والصواب لاها الله ذا والمعنى لا والله هذا ما أقسم به فأدخل اسم
الله بين ها وذا فعلى هذا يكون هذا من الرواة لأنهم كانوا يروون بالمعنى هذا مذهب
الأخفش وذهب الخليل إلى أن الخبر محذوف أبداً وأن التقدير لا والله إلا من ذا ولا
والله لا يكون ذا فحذف لكثرة الاستعمال وأعلم أن بدار أبي بكر بالزجر والردع
والفتوى واليمين على ذلك في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصدقه الرسول
صلى الله عليه وسلم فيما قال ويحكم بقوله خصوصية شرف لم تكن لأحد غيره وقد كان
يفتي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر من الصحابة أبو بكر وعمر
وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وعمار بن ياسر وأبي بن كعب ومعاذ بن
جبل وحذيفة بن اليمان وزيد بن ثابت وأبو الدرداء وسلمان وأبو موسى الأشعري رضي
الله عنهم ولهذا لما قال ذلك الرجل فسألت رجالاً من أهل العلم فأخبروني أن على
ابني جلد مائة جلدة لم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوى غيره في زمانه
لأنها عنه صدرت وعن تعليمه أخذت وأما الفتوى بحضرته على ما ذكرنا فلم تكن لأحد سوى
أبي بكر وعن محمد بن كعب القرطبي قال بلغني أنه لما اشتكى أبو طالب شكواه التي قبض
فيها قالت له قريش أرسل إلى ابن أخيك يرسل إليك من هذه الجنة التي ذكرها ما يكون
لك شفاء فخرج الرسول حتى وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر جالس معه فقال
يا محمد إن عمك يقول لك إني كبير ضعيف سقيم فأرسل إلي من جنتك هذه التي تذكر من
طعامها وشرابها شيئاً يكون لي فيه شفاء فقال أبو بكر إن الله حرمها على الكافرين
فرجع الرسول إليهم وأخبرهم بمقالة أبي بكر فحملوا عليه بأنفسهم حتى أرسل رسولاً من
عنده فوجده الرسول في مجلسه فقال له مثل ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن
الله حرمها على الكافرين خرجه في فضائل أبي بكر وهو مرسل.
ذكر تعبيره الرؤيا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وفي حال
انفراده عنه وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم تعبيره في الحالي وأنه كان أعلم
الناس بالتعبير
عن ابن عباس أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم منصرفه
من أحد فقال يا رسول الله إني رأيت في المنام ظلة تنطف عسلاً وسمناً والناس
يتكففون فمنهم المقل ومنهم المستكثر ثم رأيت سبباً واصلاً من السماء أخذت به فعلوت
ثم أخذ به آخر بعدك فعلاً ثم أخذ به بعدك فعلاً ثم أخذ به آخر فانقطع ثم وصل له
فعلاً قال فقال أبو بكر اتركني أعبرها يا رسول الله قال عبرها قال أما الظلة
فالإسلام وأما السمن والعسل فهو القرآن حلاوته ولينه والناس يتكففون منه فمنهم
المقل ومنهم المستكثر وأما السبب من السماء فهو الحق الذي أنت عليه أخذت به فعلوت
ثم أخذ به آخر بعدك فعلاً ثم أخذ به آخر فعلاً ثم أخذ به آخر فانقطع ثم وصل له
فعلاً أصبت يا رسول الله قال أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً قال أقسمت يا رسول الله
لتخبرني قال لا تقسم أخرجاه شرح يتكففون ويستكفون بمعنى وهو أن يمد كفه يسأل
والسبب الحبل في لغة هذيل وعن عمرو بن شرحبيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم رأيت كأني في غنم سود إذ ردفتها غنم بيض فلم أستبن السود من كثرة البيض قال
أبو بكر يا رسول الله أهذه العرب ولدت فيها ثم تدخل العجم فلا تستبين العرب من
كثرتهم قال كذلك عبرها الملك سحر خرجه سعيد بن منصور في سننه والحاكم أبو عبد الله
بن الربيع واللفظ له وهو مرسل وعن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه أن النبي صلى
الله عليه وسلم لقي ابن بديل فقال "ما كنت أرى إلا أنك قد قتلت أتذكر رؤيا
رأيتها فقصصتها على أبي بكر" فقال "إن صدقت رؤياك قتلت في أمر
ملتبس" فقتل يوم صفين خرجه في الفضائل وعن عطاء قال جاءت امرأة إلى النبي صلى
الله عليه وسلم فقالت إني رأيت كأن حائز بيتي انكسر وزوجها غائب فقال يرد عليك
غائبك فرجع زوجها ثم غاب فجاءت الثانية فقالت إني رأيت كأن حائز بيتي انكسر فقال
لها مثل ذلك فقدم زوجها ثم جاءت الثالثة فلم تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ووجدت أبا بكر وعمر أو أحدهما فأخبرت بما رأت فقال يموت زوجك ثم أتت رسول الله صلى
الله عليه وسلم فأخبرته فقال لها هل سألت أحداً قبلي قالت نعم قال فهو كما قال لك
وعن سعيد بن المسيب قال رأت عائشة كأن وقع في بيتها ثلاثة أقمار فقصتها على أبي
بكر وكان من أعبر الناس فقال إن صدقت رؤياك ليدفن في بيتك خير أهل الأرض ثلاثة
فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر يا عائشة هذا خير أقمارك خرجهما
سعيد بن منصور.
ذكر اختصاصه بالشورى بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم
وقبوله صلى الله عليه وسلم مشورته
عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم في قصة الحديبية وأنه
لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم عينه فقال إن قريشاً جمعوا لك جموعاً وهم
مقاتلوك وصادوك عن البيت ومانعوك فقال أشيروا أيها الناس علي أترون أن أميل إلى
عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت فإن فاتونا كان الله قد قطع
عيناً من المشركين وإلا تركناهم محرومين فقال أبو بكر يا رسول الله خرجت عامداً
لهذا البيت لا تريد قتال أحد و لا حرباً فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه قال امضوا
على اسم الله عز وجل أخرجاه.
مواضيع مماثلة
» ذكر اختصاصه بأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورته
» ذكر اختصاصه بأنه أرحم الأمة بالأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم
» ذكر اختصاصه بالحوالة عليه بعد وفاته تنبيهاً على خلافته وأنه القائم بعده
» ذكر الغار وما جرى لأبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي طريقه وتقدم في الذكر قبله طرف منه
» الفصل الحادي عشر فيما جاء متضمناً صلاة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة
» ذكر اختصاصه بأنه أرحم الأمة بالأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم
» ذكر اختصاصه بالحوالة عليه بعد وفاته تنبيهاً على خلافته وأنه القائم بعده
» ذكر الغار وما جرى لأبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي طريقه وتقدم في الذكر قبله طرف منه
» الفصل الحادي عشر فيما جاء متضمناً صلاة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى