ذكر الغار وما جرى لأبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي طريقه وتقدم في الذكر قبله طرف منه
صفحة 1 من اصل 1
ذكر الغار وما جرى لأبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي طريقه وتقدم في الذكر قبله طرف منه
ذكر الغار وما جرى لأبي بكر مع
النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي طريقه وتقدم في الذكر قبله طرف منه
وعن أنس أن أبا بكر رضي الله عنه حدثهم قال قلت للنبي صلى
الله عليه وسلم ونحن في الغار لو أراد أحد منهم أن ينظر إلى قدميه لأبصرنا تحت
قدميه فقال صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما خرجه أبو
حاتم وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد ذكر عنده أبو بكر فبكى وقال وددت لو أن
عملي كله من عمله يوماً واحداً من أيامه وليلة من لياليه وأما الليلة فليلة سار مع
رسول الله صلى الله عيه وسلم إلى الغار فلما انتهيا إليه قال والله لا تدخله حتى
أدخل قبلك فإن كان فيه شيء أصابني دونك فدخله فكسحه ووجد في جوانبه ثقباً فشق
إزاره وسد بها تلك الثقب وبقي منها اثنان فألقمهما رجله ثم قال لرسول الله صلى
الله عليه وسلم ادخل فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع رأسه في حجره فنام فلدغ
أبو بكر في رجله من الجحر فلم يتحرك مخافة أن يستنبه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فسقطت دموعه على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتبه رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال ما لك يا أبا بكر قال لدغت فداك أبي وأمي فتفل عليه رسول الله صلى الله
عليه وسلم فذهب ما يجده ثم انتقض عليه فكان سبب موته فلما قبض رسول الله صلى الله
عليه وسلم ارتدت العرب وقالوا لا نؤدي زكاة فقال لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه
فقلت يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم تألف الناس وارفق بهم فقال أجبار في
الجاهلية وخوار في الإسلام إنه قد انقطع الوحي وتم الدين ثم انتفض وأنا حي خرجه
النسائي وخرج في الصفوة منه قصة الغار عن أنس وقال في آخره فلما أصبح قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأين ثوبك يا أبا بكر فأخبره بالذي صنع فرفع النبي صلى
الله عليه وسلم يديه وقال اللهم اجعل أبا بكر في درجتي يوم القيامة فأوحى الله
سبحانه إليه أن الله قد استجاب لك وخرجه الحافظ أبو الحسن بن بشران والملاء في
سيرته عن ميمون بن مهران عن ضبة بن محصن الغنوي قال كان علينا أبو موسى أميراً
بالبصرة فكان إذا خطبنا حمد الله عز وجل وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه
وسلم ثم بدأ يدعو لعمر قال فأغاظني ذلك منه فقمت إليه فقلت له أين أنت عن صاحبه
تفضله عليه قال فصنع ذلك ثلاث جمع ثم كتب إلى عمر يشكوني ويقول إن ضبة بن محصن
الغنوي يتعرض لي في خطبتي قال فكتب إليه عمر أن أشخصه لي قال فأشخصني إليه فقدمت
على عمر فدققت عليه الباب فخرج محصن الغنوي قال فلا مرحباً ولا أهلاً قال قلت أما
الرحب فمن الله عز وجل وأما الأهل فلا أهل ولا مال فبم استحللت يا عمر مصري بلا
ذنب أذنبته قال فما الذي شجر بينك وبين عاملك قال قلت الآن أخبرك يا أمير المؤمنين
كان إذا خطبنا فحمد الله عز وجل وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم بدأ
يدعو لك فأغاظني ذلك منه قال فقمت إليه وقلت له أين أنت عن صاحبه تفضله عليه فصنع
ذلك ثلاث جمع ثم كتب إليك يشكوني قال فاندفع عمر باكياً فجعلت أرثي له ثم قال أنت
والله أوثق عنه وأرشد فهل أنت غافر لي ذنبي يغفر الله لك ذنبك قال قلت غفر الله لك
يا أمير المؤمنين ثم اندفع باكياً وهو يقول والله الليلة من أبي بكر خير من عمر هل
لك أن أحدثك بيومه وليلته قال قلت نعم يا أمير المؤمنين قال أما الليلة فلما خرج
النبي صلى الله عليه وسلم هارباً من أهل مكة خرج ليلاً فتبعه أبو بكر فجعل يمشي
مرة أمامه ومرة خلفه ومرة عن يمينه ومرة عن يساره فقال له رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما هذا يا أبا بكر ما أعرف هذا من فعلك قال يا رسول الله اذكر الرصد فأكون
أمامك وأذكر الطلب فأكون خلفك ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك لا آمن عليك قال فمشى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلته على أطراف أصابعه حتى حفيت رجلاه فلما رأى أبو
بكر أنها قد حفيت حمله على كاهله وجعل يشتد به حتى أتى به فم الغار فأنزله ثم قال
والذي بعثك بالحق لا تدخله حتى أدخله قبلك فإن كان فيه شيء نزل بي قبلك فدخل فلم
ير فيه شيئاً فحمله وكان في الغار خروق فيها حيات وأفاعي فخشي أبو بكر أن يخرج
منها شيء يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقمه قدمه فجعلن يضربنه ويلسعنه
الحيات والأفاعي وجعلت دموعه تتحادر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له يا أبا
بكر لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته وهي طمأنينة لأبي بكر فهذه ليلته وأما
يومه فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثل ما تقدم وقال في آخره
ثم كتب إلى أبي موسى يلومه خرجه الملاء في سيرته وصاحب فضائله وخرج الخجندي معناه
وزاد بعد قوله أذكر الرصد فأكون أمامك وأذكر الطلب فأكون خلفك إلى آخره فقال يا
أبا بكر لو كان شيء أحببت أن يكون بك قال نعم والذي بعثك بالحق ثم ذكر معنى ما
بعده ثم قال بعد ذكر سد الجحرة انزل يا رسول الله فنزل ثم قال عمر والذي نفسي بيده
لتلك الليلة خير من آل عمر شرح الغار الكهف في الجبل والجمع غيران كسحه كنسه
والمكسحة المكنسة طمأنينة هكذا قيد في الحديث تقول اطمأن الرجل اطميناناً وطمأنينة
من غير همز عند إلحاق الهاء إذا سكن قاله الجوهري فتفل التفل شبيه بالبزق وهو أقل
منه أوله البزق ثم التفل ثم النفث ثم النفخ تقول منه تفل يتفل بضم الفاء وكسرها
قاله الجوهري الخوار الضعيف من الخور بالتحريك يقال رجل خوار وأرض خوارة ورمح خوار
والجمع خور أشخصه من شخص من بلد إلى بلد شخوصاً إذا ذهب أو أشخصه غيره مرحباً من
الرحب بالضم السعة وفلان رحب الصدر أي واسعه وقولهم مرحباً وأهلاً أي أتيت سعة
وأتيت أهلاً فاستأنس ولا تستوحش شجر بينك وبين عاملك أي اختلف واشتجر القوم
وتشاجروا أي تنازعوا والمشاجرة المنازعة الرصد بالتحريك القوم يرصدون كالحرس يستوي
فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث وربما قالوا في الجميع أرصاد بالإسكان مصدر
رصدت الشيء أرصده رصداً ورصداً أيضاً إذا راقبته حفيت رجله أي رقت من كثرة المشي
ويشبه أن يكون ذلك من خشونة الجبل وكان حافياً وإلا فلا يحتمل بعد الإمكان ذلك
ويؤيد ذلك ما روته عائشة قالت قال لي أبو بكر لو رأيتني ورسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا صعدنا الغار فأما قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطرتا دماً وأما
قدماي كأنهما صفوان فقالت عائشة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتعود الحفية
ولا الرعبة ولا الشقوة خرجه في فضائله أو لعلهم أضلوا طريق الغار حتى بعدت المسافة
ويدل عليه وقوله فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلته ولا يحتمل ذلك مشى ليلة
إلا بتقدير ذلك أو سلوك غير الطريق تعمية على الطلب الكاهل الحارك وهو ما بين
الكتفين قال صلى الله عليه وسلم تميم كاهل مضر وعليها المحمل الأفاعي جمع أفعى وهي
الحية تقول هذه أفعى بالتنوين وكذلك أروى قاله الجوهري وفي قوله انزل يا رسول الله
دليل على أن باب الغار كان من أعلاه ويؤيده أن في حديث الخجندي أن أبا بكر لما دخل
الغار وخرج حتى إذا كان في أعلاه ذكر أنه لم يستبريء الجحرة فقال مكانك يا رسول
الله حتى استبريء الجحرة فدخل فاستبرأها ثم قال انزل يا رسول الله وقول عمر خير من
آل عمر يعني نفسه ومنه اعملوا آل داود شكراً أي دواد نفسه وعن ابن عباس قال لما
كانت ليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار قال لصاحبه أبي بكر أنائم أنت
قال لا وقد رأيت صنيعك وتقليك يا رسول الله فما بالك بأبي أنت وأمي قال جحر رأيته
قد انهار فخشيت أن يخرج منه هامة تؤذيك أو تؤذيني فقال أبو بكر يا رسول الله فأين
هو فأخبره فسد الجحر وألقمه عقبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمك الله من
صديق صدقتني حين كذبني الناس ونصرتني حين خذلني الناس وآمنت بي حين كفر بي الناس
وآنستني في وحشتي فأي منه لأحد علي كمثلك خرجه في فضائله. فلما توفي رسول الله صلى
الله عليه وسلم فذكر مثل ما تقدم وقال في آخره ثم كتب إلى أبي موسى يلومه خرجه
الملاء في سيرته وصاحب فضائله وخرج الخجندي معناه وزاد بعد قوله أذكر الرصد فأكون
أمامك وأذكر الطلب فأكون خلفك إلى آخره فقال يا أبا بكر لو كان شيء أحببت أن يكون
بك قال نعم والذي بعثك بالحق ثم ذكر معنى ما بعده ثم قال بعد ذكر سد الجحرة انزل
يا رسول الله فنزل ثم قال عمر والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر شرح
الغار الكهف في الجبل والجمع غيران كسحه كنسه والمكسحة المكنسة طمأنينة هكذا قيد
في الحديث تقول اطمأن الرجل اطميناناً وطمأنينة من غير همز عند إلحاق الهاء إذا
سكن قاله الجوهري فتفل التفل شبيه بالبزق وهو أقل منه أوله البزق ثم التفل ثم
النفث ثم النفخ تقول منه تفل يتفل بضم الفاء وكسرها قاله الجوهري الخوار الضعيف من
الخور بالتحريك يقال رجل خوار وأرض خوارة ورمح خوار والجمع خور أشخصه من شخص من
بلد إلى بلد شخوصاً إذا ذهب أو أشخصه غيره مرحباً من الرحب بالضم السعة وفلان رحب
الصدر أي واسعه وقولهم مرحباً وأهلاً أي أتيت سعة وأتيت أهلاً فاستأنس ولا تستوحش
شجر بينك وبين عاملك أي اختلف واشتجر القوم وتشاجروا أي تنازعوا والمشاجرة
المنازعة الرصد بالتحريك القوم يرصدون كالحرس يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر
والمؤنث وربما قالوا في الجميع أرصاد بالإسكان مصدر رصدت الشيء أرصده رصداً ورصداً
أيضاً إذا راقبته حفيت رجله أي رقت من كثرة المشي ويشبه أن يكون ذلك من خشونة
الجبل وكان حافياً وإلا فلا يحتمل بعد الإمكان ذلك ويؤيد ذلك ما روته عائشة قالت
قال لي أبو بكر لو رأيتني ورسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعدنا الغار فأما
قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطرتا دماً وأما قدماي كأنهما صفوان فقالت
عائشة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتعود الحفية ولا الرعبة ولا الشقوة
خرجه في فضائله أو لعلهم أضلوا طريق الغار حتى بعدت المسافة ويدل عليه وقوله فمشى رسول
الله صلى الله عليه وسلم ليلته ولا يحتمل ذلك مشى ليلة إلا بتقدير ذلك أو سلوك غير
الطريق تعمية على الطلب الكاهل الحارك وهو ما بين الكتفين قال صلى الله عليه وسلم
تميم كاهل مضر وعليها المحمل الأفاعي جمع أفعى وهي الحية تقول هذه أفعى بالتنوين
وكذلك أروى قاله الجوهري وفي قوله انزل يا رسول الله دليل على أن باب الغار كان من
أعلاه ويؤيده أن في حديث الخجندي أن أبا بكر لما دخل الغار وخرج حتى إذا كان في
أعلاه ذكر أنه لم يستبريء الجحرة فقال مكانك يا رسول الله حتى استبريء الجحرة فدخل
فاستبرأها ثم قال انزل يا رسول الله وقول عمر خير من آل عمر يعني نفسه ومنه اعملوا
آل داود شكراً أي دواد نفسه وعن ابن عباس قال لما كانت ليلة رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الغار قال لصاحبه أبي بكر أنائم أنت قال لا وقد رأيت صنيعك وتقليك يا
رسول الله فما بالك بأبي أنت وأمي قال جحر رأيته قد انهار فخشيت أن يخرج منه هامة
تؤذيك أو تؤذيني فقال أبو بكر يا رسول الله فأين هو فأخبره فسد الجحر وألقمه عقبه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمك الله من صديق صدقتني حين كذبني الناس
ونصرتني حين خذلني الناس وآمنت بي حين كفر بي الناس وآنستني في وحشتي فأي منه لأحد
علي كمثلك خرجه في فضائله.
شرح: الهامة مخفف من طير الليل وهو الصدى والجمع هام قاله
الجوهري فلعله أراد ذلك لأنهم أتوا الغار ليلاً أو أراد دواب الأرض استعارة من
ذلك. وعن جابر بن عبد الله أن أبا بكر الصديق لما ذهب مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى الغار فدخل أبو بكر ثم قال كما أنت يا رسول الله فضرب برجله فأطار اليمام
يعني الحمام الطوري وطاف فلم ير شيئاً فقال ادخل يا رسول الله فدخل فإذا في الغار
جحر فألقمه أبو بكر عقبة مخافة أن يخرج على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء وغزل
العنكبوت على الغار وذهب الطالب في كل مكان فمروا على الغار فأشفق أبو بكر منهم
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحزن إن الله معنا. وعن جندب بن عبد الله
بن سفيان العلقي قال لما انطلق أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم على الغار
فأصاب يده شيء فجعل يمسح الدم من أصبعه ويقول:
شرح: في جندب لغتان ضم الدال وفتحها وسفيان جده نسب إليه
وجندب هذا نزل الكوفة فيمن نزلها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صار
إلى البصرة ثم خرج عنها والعلقي منسوب إلى علق فخذ من بجيلة خرجه في فضائله. وعن
أنس أن أبا بكر حدثه قال قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار لو أن أحدهم
نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه فقال يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما
أخرجاه وأبو حاتم وغيرهم من طرق كثيرة وفيه دلالة على ما تقدم من أن باب الغار كان
من أعلاه. وعن أبي مصعب المكي قال أدركت أنس بن مالك وزيد بن أرقم والمغيرة بن
شعبة وسمعتهم يتحدثون عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة الغار قال فأمر الله عز
وجل شجرة فنبتت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته وأمر الله حمامتين وحشيتين
فوقفتا بفم الغار فأقبل فتيان من قريش من كل بطن رجل بعصيهم وهراواتهم وسيوفهم حتى
إذا كانوا من النبي صلى الله عليه وسلم بقدر أربعين ذراعاً فجاء رجل منهم لينظر في
الغار فرأى الحمامتين بفم الغار فرجع إلى أصحابه فقالوا ما لك لم تنظر في الغار
قال رأيت حمامتين بفم الغار فعلمت أن ليس فيه أحد فسمع النبي صلى الله عليه وسلم
ما قال فعرفا أن الله ذرأ بهما فدعا لهن النبي صلى الله عليه وسلم وشمت عليهن وفرض
جزاءهن وانحدرن في الحرم خرجه في فضائله.
شرح: الهراوة العصا الضخمة والجمع الهراوى بفتح الواو بزنة
مطايا كما في الاداوة وهروته بالهراوة وتهريته أي ضربته بها شمت عليهن أي برك
عليهن ومنه الحديث شمتوا في الطعام أي إذا فرغتم فادعوا بالبركة لمن طعمتم عنده
ومنه تشميت العاطس. قال أبو عمرو واختلفوا في مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبي بكر في الغار فيروى عن مجاهد ما روته عائشة في الحديث المتقدم في كتاب قبله
فمكثا فيه ثلاث ليال وعليه جمهور المحدثين. وروي في حديث مرسل أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال مكثت مع صاحبي في الغار بضعة عشر يوماً ما لنا طعام إلا ثمر البرير
يعني ثمر الأراك ولا يصح هذا وحمله على غار ثور غلط فإنه كان طعامهم فيه ما تقدم
ذكره وإنما كانت هذه القصة والله أعلم أيام كان صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على
قبائل العرب يدعوهم إلى الله عز وجل ويروى أن ثمر البرير كان طعام النبي صلى الله
عليه وسلم وصاحبه في سفر الهجرة. وعن سعد بن هشام قال لما قدم النبي صلى الله عليه
وسلم صلى بهم فقام رجل فقال يا رسول الله أحرق بطوننا التمر فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم إني خرجت أنا وصاحبي هذا يعني أبا بكر ليس لنا طعام إلا حب البرير
فقدمنا على إخواننا الأنصار فواسونا في طعامهم وكان جل طعامهم التمر وايم الله لو
أجد لكم الخبز لأطعمتكموه خرجه في فضائله وسعد بن هشام تابعي يروي عن الزهري وأنس
وعائشة. وعن ابن عباس قال كان أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار فعطش
عطشاً شديداً فشكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم
اذهب على صدر الغار فأشرب قال أبو بكر فانطلقت إلى صدر الغار فشربت ماء أحلى من
العسل وأبيض من اللبن وأذكى رائحة من المسك ثم عدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال شربت قلت نعم قال ألا أبشرك يا أبا بكر قلت بلى يا رسول الله قال إن الله
تبارك وتعالى أمر الملك الموكل بأنهار الجنة أن أخرق نهراً من جنة الفردوس على صدر
الغار ليشرب أبو بكر فقلت يا رسول الله ولي عند الله هذه المنزلة فقال النبي صلى
الله عليه وسلم نعم وأفضل والذي بعثني بالحق نبياً لا يدخل الجنة مبغضك ولو كان له
عمل سبعين نبياً خرجه الملاء في سيرته.
النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي طريقه وتقدم في الذكر قبله طرف منه
وعن أنس أن أبا بكر رضي الله عنه حدثهم قال قلت للنبي صلى
الله عليه وسلم ونحن في الغار لو أراد أحد منهم أن ينظر إلى قدميه لأبصرنا تحت
قدميه فقال صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما خرجه أبو
حاتم وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد ذكر عنده أبو بكر فبكى وقال وددت لو أن
عملي كله من عمله يوماً واحداً من أيامه وليلة من لياليه وأما الليلة فليلة سار مع
رسول الله صلى الله عيه وسلم إلى الغار فلما انتهيا إليه قال والله لا تدخله حتى
أدخل قبلك فإن كان فيه شيء أصابني دونك فدخله فكسحه ووجد في جوانبه ثقباً فشق
إزاره وسد بها تلك الثقب وبقي منها اثنان فألقمهما رجله ثم قال لرسول الله صلى
الله عليه وسلم ادخل فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع رأسه في حجره فنام فلدغ
أبو بكر في رجله من الجحر فلم يتحرك مخافة أن يستنبه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فسقطت دموعه على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتبه رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال ما لك يا أبا بكر قال لدغت فداك أبي وأمي فتفل عليه رسول الله صلى الله
عليه وسلم فذهب ما يجده ثم انتقض عليه فكان سبب موته فلما قبض رسول الله صلى الله
عليه وسلم ارتدت العرب وقالوا لا نؤدي زكاة فقال لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه
فقلت يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم تألف الناس وارفق بهم فقال أجبار في
الجاهلية وخوار في الإسلام إنه قد انقطع الوحي وتم الدين ثم انتفض وأنا حي خرجه
النسائي وخرج في الصفوة منه قصة الغار عن أنس وقال في آخره فلما أصبح قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأين ثوبك يا أبا بكر فأخبره بالذي صنع فرفع النبي صلى
الله عليه وسلم يديه وقال اللهم اجعل أبا بكر في درجتي يوم القيامة فأوحى الله
سبحانه إليه أن الله قد استجاب لك وخرجه الحافظ أبو الحسن بن بشران والملاء في
سيرته عن ميمون بن مهران عن ضبة بن محصن الغنوي قال كان علينا أبو موسى أميراً
بالبصرة فكان إذا خطبنا حمد الله عز وجل وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه
وسلم ثم بدأ يدعو لعمر قال فأغاظني ذلك منه فقمت إليه فقلت له أين أنت عن صاحبه
تفضله عليه قال فصنع ذلك ثلاث جمع ثم كتب إلى عمر يشكوني ويقول إن ضبة بن محصن
الغنوي يتعرض لي في خطبتي قال فكتب إليه عمر أن أشخصه لي قال فأشخصني إليه فقدمت
على عمر فدققت عليه الباب فخرج محصن الغنوي قال فلا مرحباً ولا أهلاً قال قلت أما
الرحب فمن الله عز وجل وأما الأهل فلا أهل ولا مال فبم استحللت يا عمر مصري بلا
ذنب أذنبته قال فما الذي شجر بينك وبين عاملك قال قلت الآن أخبرك يا أمير المؤمنين
كان إذا خطبنا فحمد الله عز وجل وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم بدأ
يدعو لك فأغاظني ذلك منه قال فقمت إليه وقلت له أين أنت عن صاحبه تفضله عليه فصنع
ذلك ثلاث جمع ثم كتب إليك يشكوني قال فاندفع عمر باكياً فجعلت أرثي له ثم قال أنت
والله أوثق عنه وأرشد فهل أنت غافر لي ذنبي يغفر الله لك ذنبك قال قلت غفر الله لك
يا أمير المؤمنين ثم اندفع باكياً وهو يقول والله الليلة من أبي بكر خير من عمر هل
لك أن أحدثك بيومه وليلته قال قلت نعم يا أمير المؤمنين قال أما الليلة فلما خرج
النبي صلى الله عليه وسلم هارباً من أهل مكة خرج ليلاً فتبعه أبو بكر فجعل يمشي
مرة أمامه ومرة خلفه ومرة عن يمينه ومرة عن يساره فقال له رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما هذا يا أبا بكر ما أعرف هذا من فعلك قال يا رسول الله اذكر الرصد فأكون
أمامك وأذكر الطلب فأكون خلفك ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك لا آمن عليك قال فمشى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلته على أطراف أصابعه حتى حفيت رجلاه فلما رأى أبو
بكر أنها قد حفيت حمله على كاهله وجعل يشتد به حتى أتى به فم الغار فأنزله ثم قال
والذي بعثك بالحق لا تدخله حتى أدخله قبلك فإن كان فيه شيء نزل بي قبلك فدخل فلم
ير فيه شيئاً فحمله وكان في الغار خروق فيها حيات وأفاعي فخشي أبو بكر أن يخرج
منها شيء يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقمه قدمه فجعلن يضربنه ويلسعنه
الحيات والأفاعي وجعلت دموعه تتحادر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له يا أبا
بكر لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته وهي طمأنينة لأبي بكر فهذه ليلته وأما
يومه فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثل ما تقدم وقال في آخره
ثم كتب إلى أبي موسى يلومه خرجه الملاء في سيرته وصاحب فضائله وخرج الخجندي معناه
وزاد بعد قوله أذكر الرصد فأكون أمامك وأذكر الطلب فأكون خلفك إلى آخره فقال يا
أبا بكر لو كان شيء أحببت أن يكون بك قال نعم والذي بعثك بالحق ثم ذكر معنى ما
بعده ثم قال بعد ذكر سد الجحرة انزل يا رسول الله فنزل ثم قال عمر والذي نفسي بيده
لتلك الليلة خير من آل عمر شرح الغار الكهف في الجبل والجمع غيران كسحه كنسه
والمكسحة المكنسة طمأنينة هكذا قيد في الحديث تقول اطمأن الرجل اطميناناً وطمأنينة
من غير همز عند إلحاق الهاء إذا سكن قاله الجوهري فتفل التفل شبيه بالبزق وهو أقل
منه أوله البزق ثم التفل ثم النفث ثم النفخ تقول منه تفل يتفل بضم الفاء وكسرها
قاله الجوهري الخوار الضعيف من الخور بالتحريك يقال رجل خوار وأرض خوارة ورمح خوار
والجمع خور أشخصه من شخص من بلد إلى بلد شخوصاً إذا ذهب أو أشخصه غيره مرحباً من
الرحب بالضم السعة وفلان رحب الصدر أي واسعه وقولهم مرحباً وأهلاً أي أتيت سعة
وأتيت أهلاً فاستأنس ولا تستوحش شجر بينك وبين عاملك أي اختلف واشتجر القوم
وتشاجروا أي تنازعوا والمشاجرة المنازعة الرصد بالتحريك القوم يرصدون كالحرس يستوي
فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث وربما قالوا في الجميع أرصاد بالإسكان مصدر
رصدت الشيء أرصده رصداً ورصداً أيضاً إذا راقبته حفيت رجله أي رقت من كثرة المشي
ويشبه أن يكون ذلك من خشونة الجبل وكان حافياً وإلا فلا يحتمل بعد الإمكان ذلك
ويؤيد ذلك ما روته عائشة قالت قال لي أبو بكر لو رأيتني ورسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا صعدنا الغار فأما قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطرتا دماً وأما
قدماي كأنهما صفوان فقالت عائشة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتعود الحفية
ولا الرعبة ولا الشقوة خرجه في فضائله أو لعلهم أضلوا طريق الغار حتى بعدت المسافة
ويدل عليه وقوله فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلته ولا يحتمل ذلك مشى ليلة
إلا بتقدير ذلك أو سلوك غير الطريق تعمية على الطلب الكاهل الحارك وهو ما بين
الكتفين قال صلى الله عليه وسلم تميم كاهل مضر وعليها المحمل الأفاعي جمع أفعى وهي
الحية تقول هذه أفعى بالتنوين وكذلك أروى قاله الجوهري وفي قوله انزل يا رسول الله
دليل على أن باب الغار كان من أعلاه ويؤيده أن في حديث الخجندي أن أبا بكر لما دخل
الغار وخرج حتى إذا كان في أعلاه ذكر أنه لم يستبريء الجحرة فقال مكانك يا رسول
الله حتى استبريء الجحرة فدخل فاستبرأها ثم قال انزل يا رسول الله وقول عمر خير من
آل عمر يعني نفسه ومنه اعملوا آل داود شكراً أي دواد نفسه وعن ابن عباس قال لما
كانت ليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار قال لصاحبه أبي بكر أنائم أنت
قال لا وقد رأيت صنيعك وتقليك يا رسول الله فما بالك بأبي أنت وأمي قال جحر رأيته
قد انهار فخشيت أن يخرج منه هامة تؤذيك أو تؤذيني فقال أبو بكر يا رسول الله فأين
هو فأخبره فسد الجحر وألقمه عقبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمك الله من
صديق صدقتني حين كذبني الناس ونصرتني حين خذلني الناس وآمنت بي حين كفر بي الناس
وآنستني في وحشتي فأي منه لأحد علي كمثلك خرجه في فضائله. فلما توفي رسول الله صلى
الله عليه وسلم فذكر مثل ما تقدم وقال في آخره ثم كتب إلى أبي موسى يلومه خرجه
الملاء في سيرته وصاحب فضائله وخرج الخجندي معناه وزاد بعد قوله أذكر الرصد فأكون
أمامك وأذكر الطلب فأكون خلفك إلى آخره فقال يا أبا بكر لو كان شيء أحببت أن يكون
بك قال نعم والذي بعثك بالحق ثم ذكر معنى ما بعده ثم قال بعد ذكر سد الجحرة انزل
يا رسول الله فنزل ثم قال عمر والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر شرح
الغار الكهف في الجبل والجمع غيران كسحه كنسه والمكسحة المكنسة طمأنينة هكذا قيد
في الحديث تقول اطمأن الرجل اطميناناً وطمأنينة من غير همز عند إلحاق الهاء إذا
سكن قاله الجوهري فتفل التفل شبيه بالبزق وهو أقل منه أوله البزق ثم التفل ثم
النفث ثم النفخ تقول منه تفل يتفل بضم الفاء وكسرها قاله الجوهري الخوار الضعيف من
الخور بالتحريك يقال رجل خوار وأرض خوارة ورمح خوار والجمع خور أشخصه من شخص من
بلد إلى بلد شخوصاً إذا ذهب أو أشخصه غيره مرحباً من الرحب بالضم السعة وفلان رحب
الصدر أي واسعه وقولهم مرحباً وأهلاً أي أتيت سعة وأتيت أهلاً فاستأنس ولا تستوحش
شجر بينك وبين عاملك أي اختلف واشتجر القوم وتشاجروا أي تنازعوا والمشاجرة
المنازعة الرصد بالتحريك القوم يرصدون كالحرس يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر
والمؤنث وربما قالوا في الجميع أرصاد بالإسكان مصدر رصدت الشيء أرصده رصداً ورصداً
أيضاً إذا راقبته حفيت رجله أي رقت من كثرة المشي ويشبه أن يكون ذلك من خشونة
الجبل وكان حافياً وإلا فلا يحتمل بعد الإمكان ذلك ويؤيد ذلك ما روته عائشة قالت
قال لي أبو بكر لو رأيتني ورسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعدنا الغار فأما
قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطرتا دماً وأما قدماي كأنهما صفوان فقالت
عائشة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتعود الحفية ولا الرعبة ولا الشقوة
خرجه في فضائله أو لعلهم أضلوا طريق الغار حتى بعدت المسافة ويدل عليه وقوله فمشى رسول
الله صلى الله عليه وسلم ليلته ولا يحتمل ذلك مشى ليلة إلا بتقدير ذلك أو سلوك غير
الطريق تعمية على الطلب الكاهل الحارك وهو ما بين الكتفين قال صلى الله عليه وسلم
تميم كاهل مضر وعليها المحمل الأفاعي جمع أفعى وهي الحية تقول هذه أفعى بالتنوين
وكذلك أروى قاله الجوهري وفي قوله انزل يا رسول الله دليل على أن باب الغار كان من
أعلاه ويؤيده أن في حديث الخجندي أن أبا بكر لما دخل الغار وخرج حتى إذا كان في
أعلاه ذكر أنه لم يستبريء الجحرة فقال مكانك يا رسول الله حتى استبريء الجحرة فدخل
فاستبرأها ثم قال انزل يا رسول الله وقول عمر خير من آل عمر يعني نفسه ومنه اعملوا
آل داود شكراً أي دواد نفسه وعن ابن عباس قال لما كانت ليلة رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الغار قال لصاحبه أبي بكر أنائم أنت قال لا وقد رأيت صنيعك وتقليك يا
رسول الله فما بالك بأبي أنت وأمي قال جحر رأيته قد انهار فخشيت أن يخرج منه هامة
تؤذيك أو تؤذيني فقال أبو بكر يا رسول الله فأين هو فأخبره فسد الجحر وألقمه عقبه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمك الله من صديق صدقتني حين كذبني الناس
ونصرتني حين خذلني الناس وآمنت بي حين كفر بي الناس وآنستني في وحشتي فأي منه لأحد
علي كمثلك خرجه في فضائله.
شرح: الهامة مخفف من طير الليل وهو الصدى والجمع هام قاله
الجوهري فلعله أراد ذلك لأنهم أتوا الغار ليلاً أو أراد دواب الأرض استعارة من
ذلك. وعن جابر بن عبد الله أن أبا بكر الصديق لما ذهب مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى الغار فدخل أبو بكر ثم قال كما أنت يا رسول الله فضرب برجله فأطار اليمام
يعني الحمام الطوري وطاف فلم ير شيئاً فقال ادخل يا رسول الله فدخل فإذا في الغار
جحر فألقمه أبو بكر عقبة مخافة أن يخرج على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء وغزل
العنكبوت على الغار وذهب الطالب في كل مكان فمروا على الغار فأشفق أبو بكر منهم
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحزن إن الله معنا. وعن جندب بن عبد الله
بن سفيان العلقي قال لما انطلق أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم على الغار
فأصاب يده شيء فجعل يمسح الدم من أصبعه ويقول:
هل أنت إلا إصبع دميت | | وفي سبيل الله ما لقيت |
شرح: في جندب لغتان ضم الدال وفتحها وسفيان جده نسب إليه
وجندب هذا نزل الكوفة فيمن نزلها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صار
إلى البصرة ثم خرج عنها والعلقي منسوب إلى علق فخذ من بجيلة خرجه في فضائله. وعن
أنس أن أبا بكر حدثه قال قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار لو أن أحدهم
نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه فقال يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما
أخرجاه وأبو حاتم وغيرهم من طرق كثيرة وفيه دلالة على ما تقدم من أن باب الغار كان
من أعلاه. وعن أبي مصعب المكي قال أدركت أنس بن مالك وزيد بن أرقم والمغيرة بن
شعبة وسمعتهم يتحدثون عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة الغار قال فأمر الله عز
وجل شجرة فنبتت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته وأمر الله حمامتين وحشيتين
فوقفتا بفم الغار فأقبل فتيان من قريش من كل بطن رجل بعصيهم وهراواتهم وسيوفهم حتى
إذا كانوا من النبي صلى الله عليه وسلم بقدر أربعين ذراعاً فجاء رجل منهم لينظر في
الغار فرأى الحمامتين بفم الغار فرجع إلى أصحابه فقالوا ما لك لم تنظر في الغار
قال رأيت حمامتين بفم الغار فعلمت أن ليس فيه أحد فسمع النبي صلى الله عليه وسلم
ما قال فعرفا أن الله ذرأ بهما فدعا لهن النبي صلى الله عليه وسلم وشمت عليهن وفرض
جزاءهن وانحدرن في الحرم خرجه في فضائله.
شرح: الهراوة العصا الضخمة والجمع الهراوى بفتح الواو بزنة
مطايا كما في الاداوة وهروته بالهراوة وتهريته أي ضربته بها شمت عليهن أي برك
عليهن ومنه الحديث شمتوا في الطعام أي إذا فرغتم فادعوا بالبركة لمن طعمتم عنده
ومنه تشميت العاطس. قال أبو عمرو واختلفوا في مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبي بكر في الغار فيروى عن مجاهد ما روته عائشة في الحديث المتقدم في كتاب قبله
فمكثا فيه ثلاث ليال وعليه جمهور المحدثين. وروي في حديث مرسل أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال مكثت مع صاحبي في الغار بضعة عشر يوماً ما لنا طعام إلا ثمر البرير
يعني ثمر الأراك ولا يصح هذا وحمله على غار ثور غلط فإنه كان طعامهم فيه ما تقدم
ذكره وإنما كانت هذه القصة والله أعلم أيام كان صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على
قبائل العرب يدعوهم إلى الله عز وجل ويروى أن ثمر البرير كان طعام النبي صلى الله
عليه وسلم وصاحبه في سفر الهجرة. وعن سعد بن هشام قال لما قدم النبي صلى الله عليه
وسلم صلى بهم فقام رجل فقال يا رسول الله أحرق بطوننا التمر فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم إني خرجت أنا وصاحبي هذا يعني أبا بكر ليس لنا طعام إلا حب البرير
فقدمنا على إخواننا الأنصار فواسونا في طعامهم وكان جل طعامهم التمر وايم الله لو
أجد لكم الخبز لأطعمتكموه خرجه في فضائله وسعد بن هشام تابعي يروي عن الزهري وأنس
وعائشة. وعن ابن عباس قال كان أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار فعطش
عطشاً شديداً فشكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم
اذهب على صدر الغار فأشرب قال أبو بكر فانطلقت إلى صدر الغار فشربت ماء أحلى من
العسل وأبيض من اللبن وأذكى رائحة من المسك ثم عدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال شربت قلت نعم قال ألا أبشرك يا أبا بكر قلت بلى يا رسول الله قال إن الله
تبارك وتعالى أمر الملك الموكل بأنهار الجنة أن أخرق نهراً من جنة الفردوس على صدر
الغار ليشرب أبو بكر فقلت يا رسول الله ولي عند الله هذه المنزلة فقال النبي صلى
الله عليه وسلم نعم وأفضل والذي بعثني بالحق نبياً لا يدخل الجنة مبغضك ولو كان له
عمل سبعين نبياً خرجه الملاء في سيرته.
مواضيع مماثلة
» ذكر اختصاصه بأنه أرحم الأمة بالأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم
» الفصل الحادي عشر فيما جاء متضمناً صلاة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة
» ذكر اختصاصه بأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورته
» ذكر اختصاصه بالفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه كان أعلمهم بالأمور وأعلمهم به
» ذكر اختصاصه بالحوالة عليه بعد وفاته تنبيهاً على خلافته وأنه القائم بعده
» الفصل الحادي عشر فيما جاء متضمناً صلاة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة
» ذكر اختصاصه بأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورته
» ذكر اختصاصه بالفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه كان أعلمهم بالأمور وأعلمهم به
» ذكر اختصاصه بالحوالة عليه بعد وفاته تنبيهاً على خلافته وأنه القائم بعده
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى