الفصل الثامن في هجرته مع النبي
صفحة 1 من اصل 1
الفصل الثامن في هجرته مع النبي
الفصل الثامن
في هجرته مع النبي
صلى الله عليه وسلم وخدمته له
فيها وما جرى لهما في الطريق وما جرى لهما في الغار ومقدمهما المدينة ذكر خروجهما
من مكة طالبين غار ثور وما يتعلق بذلك
عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قد
رأيت دار هجرتكم أريت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما الحرتان فهاجر من هاجر قبل
المدينة حتى ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع إلى المدينة بعض من كان
هاجر إلى الحبشة من المسلمين وتجهز أبو بكر مهاجراً فقال له رسول الله صلى الله
عليه وسلم "على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي" قال أبو بكر وترجو ذلك بأبي
أنت قال نعم فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحبته وعلف
راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر قالت عائشة فبينا نحن جلوس يوماً في
بيتنا في نحر الظهيرة إذ قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل
متقنع في ساعة لم يكن يأتينا فيها قال أبو بكر فداه أبي وأمي إن جاء به في هذه
الساعة لأمر قالت فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فدخل فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أخرج من عندك فقال أبو بكر إنما هم أهلك بأبي أنت يا
رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن لي في الخروج قال أبو بكر
فالصحبة بأبي أنت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فقال أبو
بكر بأبي أنت يا رسول الله فخذ إحدى راحلتي هاتين فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالثمن قالت عائشة فجهزناهما أحسن الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب وقطعت
أسماء بنت أبي بكر من نطاقها وأوكت به الجراب ولذلك سميت ذات النطاق ولحق رسول
الله صلى الله عليه وسلم بغار في جبل يقال له ثور فمكثا فيه ثلاث ليال" خرجه
البخاري وأبو حاتم وزاد في بعض طرق البخاري يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو
غلام شاب ثقف لقن فيدلج من عندهما سحراً فيصبح عند قريش كبائت فلا يسمع أمراً
يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك اليوم حين يختلط الظلام ويرعى عليهما
عامر بن فهيرة مولى لأبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين يذهب ساعة من العشاء
فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما ورضيفهما حتى ينفق ثمنها عامر بغلس يفعل ذلك في كل
ليلة من تلك الليالي الثلاث واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني
الدئل هادياً خريتاً والخريت الماهر في الهداية قد غمس حلفاً في آل العاص بن وائل
السهمي وهو على دين كفار قريش فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما ووعداه غار ثور بعد
ثلاث فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم
طريق الساحل وفي رواية قد غمس يده في حلف العاص بن وائل وفيهما فأخذ بهم طريق
أذاخر طريق الساحل وعند أبي حاتم قال أبو بكر عندي ناقتان قد كنت أعددتهما للخروج
قالت فأعطي النبي صلى الله عليه وسلم إحداهما وهي الجدعاء فركبا حتى أتيا الغار ثم
ذكر ما بعده شرح السبخة واحدة السباخ وأرض سبخة بكسر الباء ذات سباخ على رسلك مهلك
وتؤدتك نحر الظهيرة الهاجرة ونحر النهار أوله فلعله أراد أول الهاجرة وإن كان سياق
اللفظ يشعر بأن المراد شدة الظهيرة النطاق شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها ثم ترسل الأعلى
على الأسفل إلى الركبة والأسفل ينجر على الأرض وليس لها حجزة ولا نيفق ولا ساقان
والجمع نطق يقال انتطقت المرأة إذا لبست النطاق وانتطق الرجل إذا لبس المنطقة وهو
كل ما شددت به وسطك قاله الجوهري ثقف حاذق خفيف بزنة ضخم من ثقف ثقافة وثقف كخدر
وخدر أو من ثقف ثقفاً كنعب نعباً لغتان فيه ولقن سريع الفهم والتلقين التفهيم يدلج
أدلج القوم إذا ساروا أول الليل وادلجوا بالتشديد ساروا آخره والاسم الدلجة بضم
الدال وفتحها فيهما منحة أصلها العطية ومنيحة اللبن أن تعطي الناقة أو الشاة أحداً
غيرك يحلبها ثم يردها إليك فيجوز أن يكون ذلك لأبي بكر منحة من غيره ويجوز أن يكون
سماها بملكها منحة توسعاً وقد استعمل ذلك فيما بعد الشرب وإن كان مملوكاً وهو
المراد هنا والله أعلم يريحها أراح ماشيته إذا ردها إلى المراح وكذلك الترويح ولا
يكون إلا بعد الزوال الرسل بالكسر اللبن وأرسل القوم صاروا ذا رسل والرضيف اللبن
يغلي بالرضف وهي الحجارة المحماة ورضفه كواه بالرضف وخريتا أي دليلاً حاذقاً كما
فسر في الحديث وخرت الأرض إذا عرف طرقها وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر لما
عرض عليه الراحلة بالثمن لم يكن ذلك والله أعلم إلا لأن يخلص ثواب الهجرة له لا يشركه
أحد في ثوابها وإلا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحكم في مال أبي بكر
كما يحكم في مال نفسه على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وقد ذكر ابن إسحاق أن
أبا بكر لما قرب الراحلتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم أفضلهما له وقال
اركب فداك أبي وأمي فقال صلى الله عليه وسلم إني لا أركب بعيراً ليس لي قال فهي لك
يا رسول الله قال لا ولكن بالثمن الذي ابتعتها به قال كذا وكذا قال قد أخذتها بذلك
فقد بين في هذا سبب الامتناع من قبولها مجاناً وهو أنه لا يركب بعيراً ليس له وما
ذاك والله أعلم إلا للمعنى الذي ذكرناه آنفاً لأنه لا يركب بعيراً إلا في طاعة
وعبادة ولا تضاد بين هذا وحديث عائشة المتقدم وأن هذا القول كان منه في بيت أبي
بكر لجواز أن الحديث في ذلك تكرر ويشهد لهذا أن الأول لم يكن فيه تبايع وإنما وعد
به والثاني تضمن العقد والتمليك بالثمن والله أعلم وعنها أيضاً أنها قالت كان لا
يخطئ أن يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت أبي بكر أحد طرفي النهار إما بكرة
وإما عشية حتى إذا كان اليوم الذي أذن الله فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في
الهجرة أتانا رسول الله بالهجيرة ثم ذكرت معنى ما تقدم وقالت بعد قولها فقال أبو
بكر الصحبة يا رسول الله فقال الصحبة قالت فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن
أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ خرجه ابن إسحاق ولم يعلم أحد
فيما بلغني بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علي بن أبي طالب فإن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أخبره بخروجه وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس وكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم ليس أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من أمانته وصدقه فلما
أجمع على الخروج أتى أبا بكر فخرج من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته ثم عمد إلى غار
بثور جبل بأسفل مكة وأمر أبو بكر عبد الله بن أبي بكر أن يستمع لهما ما يقول الناس
نهاراً ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون من الخبر وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى
غنمه نهاره ثم يريحها عليهما إذا أمسى في الغار وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما
من الطعام إذا أمست بما يصلحهما فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار
ثلاثة أيام ومعه أبو بكر وجعلت قريش حين فقدوه مائة ناقة لمن رده عليهم حتى إذا
مضت الثلاث وسكن عنهما الناس أتاهما صاحبهما الذي استأجراه بعيريهما وبعير له
وأتتهما أسماء بنت أبي بكر بسفرتيهما ونسيت أن تجعل لها عصاماً فلما ارتحلا ذهبت
لتعلق السفرة فإذا ليس فيها عصام فتحل بطاقها فتجعله عصاماً ثم علقتها به فكان
يقال لها ذات النطاق لذلك قال ابن هشام وسمعت غير واحد من أهل العلم يقول ذات
النطاقين وتفسيره أنها شقت نطاقها باثنتين فعلقت السفرة بواحدة وانتطقت بالأخرى
وعن أسماء أنها قالت صنعت سفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي بكر حين
أراد أن يهاجر إلى المدينة قالت فلم تجد لسفرته ولا لسقائه ما تربطهما به قالت
فقلت لأبي بكر والله ما أجد شيئاً أربطه به إلا نطاقي قالت قال شقيه باثنين فاربطي
بأحدهما السقاء وبالآخر السفرة فلذلك سميت ذات النطاقين خرجه البخاري وفي رواية
عند ابن السمان في كتاب الموافقة أن أبا بكر دفع إلى أسماء دراهم وقال ابتاعي بهذا
سفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابتاعي به خبزاً ولحماً فإن رسول الله صلى
الله عليه وسلم يعجبه اللحم ثم ذكر انطلاقهم إلى الغار وقال فدخل أبو بكر الغار
فلم ير فيه حجراً إلا أدخل إصبعه فيه حتى أتى على حجر كبير فأدخل رجله فيه إلى
فخذه ثم قال ادخل يا رسول الله فقد مهدت لك الموضع تمهيداً قال ثم إن المشركين
خرجوا بأجمعهم ينظرون إلى أثر قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شثن الكفين
والقدمين حتى أتوا منزل أبي بكر وأسماء تعالج اللحم فأخرجت المصباح ليغلب رائحة
الإدام فسألوا أسماء فقالت إني مشغولة في عمل فانطلقوا وجعلوا فيه مائة ناقة لمن
قتله وأقبلوا إلى باب الغار فعفا الله أثره وأثر أبي بكر فلم يستبن لهم وقعد رجل
منهم يبول فقال أبو بكر يا رسول الله قد رآنا القوم فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لا يا أبا بكر ما رأونا ولو رأونا ما قعد ذلك يبول بين أيدينا فتفرقوا وبات
أبو بكر بليلة منكرة من الأفعى فلما أصبح قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما
هذا يا أبا بكر وقد تورم جسده فقال يا رسول الله الأفعى فقال له رسول الله صلى
الله عليه وسلم فهلا أعلمتني فقال أبو بكر كرهت أن أفسد عليك قال فأمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم يده على أبي بكر فاضمحل ما كان بجسده من الألم وكأنه أنشط من
عقال ثم ذكر ما بعده وعنها قالت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر
أتانا نفر من قريش وفيهم أبو جهل بن هشام فوقفوا على باب أبي بكر فخرجت إليهم
فقالوا أين أبوك يا بنت أبي بكر قالت قلت لا أدري والله أين أبي قالت فرفع أبو جهل
يده وكان فاحشاً خبيثاً فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي قالت ثم انصرفوا فمكثنا ثلاث
ليال لا ندري أين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل رجل من الجن من أسفل
مكة يتغنى بأبيات من الشعر غناء العرب وإن الناس ليتبعونه يسمعون صوته وما يرونه
حتى خرج من أعلى مكة يقول:قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا يا أبا بكر
وقد تورم جسده فقال يا رسول الله الأفعى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهلا أعلمتني فقال أبو بكر كرهت أن أفسد عليك قال فأمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم يده على أبي بكر فاضمحل ما كان بجسده من الألم وكأنه أنشط من عقال ثم ذكر ما
بعده وعنها قالت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أتانا نفر من قريش
وفيهم أبو جهل بن هشام فوقفوا على باب أبي بكر فخرجت إليهم فقالوا أين أبوك يا بنت
أبي بكر قالت قلت لا أدري والله أين أبي قالت فرفع أبو جهل يده وكان فاحشاً خبيثاً
فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي قالت ثم انصرفوا فمكثنا ثلاث ليال لا ندري أين وجه
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات من
الشعر غناء العرب وإن الناس ليتبعونه يسمعون صوته وما يرونه حتى خرج من أعلى مكة
يقول:
خرجه ابن إسحاق وسيأتي قصة أم معبد مستوفاة في الذكر الثالث
من هذا الفصل إن شاء الله تعالى شرح القرط هو الذي يعلق في شحمة الأذن والجمع قرطة
وقراط كرمح ورماح وإتيان قريش هذا بيت أبي بكر الظاهر أنه غير الأول الذي تضمنه
حديثها من رواية ابن السمان وأن هذا كان بعد اليأس منهم ألا تراها تقسم بالله أنها
لا تعلم أين وجهه وفي ذلك الوقت كانت تعلم أنه بالغار لأنها كانت تأتينهم بالطعام
على ما تقدم بيانه وقولها أقمنا ثلاثاً لا نعلم أين وجه رسول الله صلى الله عليه
وسلم أي بعد توجههما من الغار والله أعلم ويجوز أن يكون هو ذلك الأول أو بعده
قريباً منه وهم بالغار ولم تكن علمت حينئذ ثم علمت بعد إلا أن قولها فأقمنا ثلاثاً
لا نعلم لا يجوز حملها على الثلاث الأول فإنها مدة مقامهم في الغار وقد كانت عالمة
بهم فيكون سؤالهم عنه في تلك وهو الظاهر من حال الباحث عن شيء ويكون قولها فأقمنا
ثلاثاً أي بعد علمها بهم أولاً ثم ارتحالهم من الغار والله أعلم قال ابن إسحاق لما
بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار وأمر أصحابه بالهجرة إلى المدينة وقال
إن الله جعل لكم إخواناً وداراً تأمنون بها فخرجوا أرسالاً وأقام النبي صلى الله
عليه وسلم ينتظر أن يؤذن له ولم يتخلف معه من أصحابه إلا من حبس أو فتن إلا علي بن
أبي طالب وأبو بكر بن أبي قحافة وكان أبو بكر كثيراً ما يستأذن رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الهجرة فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجل لعل الله أن
يجعل لك صاحباً فيطمع أبو بكر أن يكون إياه وعن علي قال جاء جبريل عليه السلام إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال له من يهاجر معي فقال أبو بكر وهو الصديق خرجه ابن
السمان في الموافقة.
في هجرته مع النبي
صلى الله عليه وسلم وخدمته له
فيها وما جرى لهما في الطريق وما جرى لهما في الغار ومقدمهما المدينة ذكر خروجهما
من مكة طالبين غار ثور وما يتعلق بذلك
عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قد
رأيت دار هجرتكم أريت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما الحرتان فهاجر من هاجر قبل
المدينة حتى ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع إلى المدينة بعض من كان
هاجر إلى الحبشة من المسلمين وتجهز أبو بكر مهاجراً فقال له رسول الله صلى الله
عليه وسلم "على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي" قال أبو بكر وترجو ذلك بأبي
أنت قال نعم فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحبته وعلف
راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر قالت عائشة فبينا نحن جلوس يوماً في
بيتنا في نحر الظهيرة إذ قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل
متقنع في ساعة لم يكن يأتينا فيها قال أبو بكر فداه أبي وأمي إن جاء به في هذه
الساعة لأمر قالت فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فدخل فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أخرج من عندك فقال أبو بكر إنما هم أهلك بأبي أنت يا
رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن لي في الخروج قال أبو بكر
فالصحبة بأبي أنت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فقال أبو
بكر بأبي أنت يا رسول الله فخذ إحدى راحلتي هاتين فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالثمن قالت عائشة فجهزناهما أحسن الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب وقطعت
أسماء بنت أبي بكر من نطاقها وأوكت به الجراب ولذلك سميت ذات النطاق ولحق رسول
الله صلى الله عليه وسلم بغار في جبل يقال له ثور فمكثا فيه ثلاث ليال" خرجه
البخاري وأبو حاتم وزاد في بعض طرق البخاري يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو
غلام شاب ثقف لقن فيدلج من عندهما سحراً فيصبح عند قريش كبائت فلا يسمع أمراً
يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك اليوم حين يختلط الظلام ويرعى عليهما
عامر بن فهيرة مولى لأبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين يذهب ساعة من العشاء
فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما ورضيفهما حتى ينفق ثمنها عامر بغلس يفعل ذلك في كل
ليلة من تلك الليالي الثلاث واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني
الدئل هادياً خريتاً والخريت الماهر في الهداية قد غمس حلفاً في آل العاص بن وائل
السهمي وهو على دين كفار قريش فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما ووعداه غار ثور بعد
ثلاث فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم
طريق الساحل وفي رواية قد غمس يده في حلف العاص بن وائل وفيهما فأخذ بهم طريق
أذاخر طريق الساحل وعند أبي حاتم قال أبو بكر عندي ناقتان قد كنت أعددتهما للخروج
قالت فأعطي النبي صلى الله عليه وسلم إحداهما وهي الجدعاء فركبا حتى أتيا الغار ثم
ذكر ما بعده شرح السبخة واحدة السباخ وأرض سبخة بكسر الباء ذات سباخ على رسلك مهلك
وتؤدتك نحر الظهيرة الهاجرة ونحر النهار أوله فلعله أراد أول الهاجرة وإن كان سياق
اللفظ يشعر بأن المراد شدة الظهيرة النطاق شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها ثم ترسل الأعلى
على الأسفل إلى الركبة والأسفل ينجر على الأرض وليس لها حجزة ولا نيفق ولا ساقان
والجمع نطق يقال انتطقت المرأة إذا لبست النطاق وانتطق الرجل إذا لبس المنطقة وهو
كل ما شددت به وسطك قاله الجوهري ثقف حاذق خفيف بزنة ضخم من ثقف ثقافة وثقف كخدر
وخدر أو من ثقف ثقفاً كنعب نعباً لغتان فيه ولقن سريع الفهم والتلقين التفهيم يدلج
أدلج القوم إذا ساروا أول الليل وادلجوا بالتشديد ساروا آخره والاسم الدلجة بضم
الدال وفتحها فيهما منحة أصلها العطية ومنيحة اللبن أن تعطي الناقة أو الشاة أحداً
غيرك يحلبها ثم يردها إليك فيجوز أن يكون ذلك لأبي بكر منحة من غيره ويجوز أن يكون
سماها بملكها منحة توسعاً وقد استعمل ذلك فيما بعد الشرب وإن كان مملوكاً وهو
المراد هنا والله أعلم يريحها أراح ماشيته إذا ردها إلى المراح وكذلك الترويح ولا
يكون إلا بعد الزوال الرسل بالكسر اللبن وأرسل القوم صاروا ذا رسل والرضيف اللبن
يغلي بالرضف وهي الحجارة المحماة ورضفه كواه بالرضف وخريتا أي دليلاً حاذقاً كما
فسر في الحديث وخرت الأرض إذا عرف طرقها وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر لما
عرض عليه الراحلة بالثمن لم يكن ذلك والله أعلم إلا لأن يخلص ثواب الهجرة له لا يشركه
أحد في ثوابها وإلا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحكم في مال أبي بكر
كما يحكم في مال نفسه على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وقد ذكر ابن إسحاق أن
أبا بكر لما قرب الراحلتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم أفضلهما له وقال
اركب فداك أبي وأمي فقال صلى الله عليه وسلم إني لا أركب بعيراً ليس لي قال فهي لك
يا رسول الله قال لا ولكن بالثمن الذي ابتعتها به قال كذا وكذا قال قد أخذتها بذلك
فقد بين في هذا سبب الامتناع من قبولها مجاناً وهو أنه لا يركب بعيراً ليس له وما
ذاك والله أعلم إلا للمعنى الذي ذكرناه آنفاً لأنه لا يركب بعيراً إلا في طاعة
وعبادة ولا تضاد بين هذا وحديث عائشة المتقدم وأن هذا القول كان منه في بيت أبي
بكر لجواز أن الحديث في ذلك تكرر ويشهد لهذا أن الأول لم يكن فيه تبايع وإنما وعد
به والثاني تضمن العقد والتمليك بالثمن والله أعلم وعنها أيضاً أنها قالت كان لا
يخطئ أن يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت أبي بكر أحد طرفي النهار إما بكرة
وإما عشية حتى إذا كان اليوم الذي أذن الله فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في
الهجرة أتانا رسول الله بالهجيرة ثم ذكرت معنى ما تقدم وقالت بعد قولها فقال أبو
بكر الصحبة يا رسول الله فقال الصحبة قالت فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن
أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ خرجه ابن إسحاق ولم يعلم أحد
فيما بلغني بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علي بن أبي طالب فإن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أخبره بخروجه وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس وكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم ليس أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من أمانته وصدقه فلما
أجمع على الخروج أتى أبا بكر فخرج من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته ثم عمد إلى غار
بثور جبل بأسفل مكة وأمر أبو بكر عبد الله بن أبي بكر أن يستمع لهما ما يقول الناس
نهاراً ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون من الخبر وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى
غنمه نهاره ثم يريحها عليهما إذا أمسى في الغار وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما
من الطعام إذا أمست بما يصلحهما فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار
ثلاثة أيام ومعه أبو بكر وجعلت قريش حين فقدوه مائة ناقة لمن رده عليهم حتى إذا
مضت الثلاث وسكن عنهما الناس أتاهما صاحبهما الذي استأجراه بعيريهما وبعير له
وأتتهما أسماء بنت أبي بكر بسفرتيهما ونسيت أن تجعل لها عصاماً فلما ارتحلا ذهبت
لتعلق السفرة فإذا ليس فيها عصام فتحل بطاقها فتجعله عصاماً ثم علقتها به فكان
يقال لها ذات النطاق لذلك قال ابن هشام وسمعت غير واحد من أهل العلم يقول ذات
النطاقين وتفسيره أنها شقت نطاقها باثنتين فعلقت السفرة بواحدة وانتطقت بالأخرى
وعن أسماء أنها قالت صنعت سفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي بكر حين
أراد أن يهاجر إلى المدينة قالت فلم تجد لسفرته ولا لسقائه ما تربطهما به قالت
فقلت لأبي بكر والله ما أجد شيئاً أربطه به إلا نطاقي قالت قال شقيه باثنين فاربطي
بأحدهما السقاء وبالآخر السفرة فلذلك سميت ذات النطاقين خرجه البخاري وفي رواية
عند ابن السمان في كتاب الموافقة أن أبا بكر دفع إلى أسماء دراهم وقال ابتاعي بهذا
سفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابتاعي به خبزاً ولحماً فإن رسول الله صلى
الله عليه وسلم يعجبه اللحم ثم ذكر انطلاقهم إلى الغار وقال فدخل أبو بكر الغار
فلم ير فيه حجراً إلا أدخل إصبعه فيه حتى أتى على حجر كبير فأدخل رجله فيه إلى
فخذه ثم قال ادخل يا رسول الله فقد مهدت لك الموضع تمهيداً قال ثم إن المشركين
خرجوا بأجمعهم ينظرون إلى أثر قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شثن الكفين
والقدمين حتى أتوا منزل أبي بكر وأسماء تعالج اللحم فأخرجت المصباح ليغلب رائحة
الإدام فسألوا أسماء فقالت إني مشغولة في عمل فانطلقوا وجعلوا فيه مائة ناقة لمن
قتله وأقبلوا إلى باب الغار فعفا الله أثره وأثر أبي بكر فلم يستبن لهم وقعد رجل
منهم يبول فقال أبو بكر يا رسول الله قد رآنا القوم فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لا يا أبا بكر ما رأونا ولو رأونا ما قعد ذلك يبول بين أيدينا فتفرقوا وبات
أبو بكر بليلة منكرة من الأفعى فلما أصبح قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما
هذا يا أبا بكر وقد تورم جسده فقال يا رسول الله الأفعى فقال له رسول الله صلى
الله عليه وسلم فهلا أعلمتني فقال أبو بكر كرهت أن أفسد عليك قال فأمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم يده على أبي بكر فاضمحل ما كان بجسده من الألم وكأنه أنشط من
عقال ثم ذكر ما بعده وعنها قالت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر
أتانا نفر من قريش وفيهم أبو جهل بن هشام فوقفوا على باب أبي بكر فخرجت إليهم
فقالوا أين أبوك يا بنت أبي بكر قالت قلت لا أدري والله أين أبي قالت فرفع أبو جهل
يده وكان فاحشاً خبيثاً فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي قالت ثم انصرفوا فمكثنا ثلاث
ليال لا ندري أين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل رجل من الجن من أسفل
مكة يتغنى بأبيات من الشعر غناء العرب وإن الناس ليتبعونه يسمعون صوته وما يرونه
حتى خرج من أعلى مكة يقول:قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا يا أبا بكر
وقد تورم جسده فقال يا رسول الله الأفعى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهلا أعلمتني فقال أبو بكر كرهت أن أفسد عليك قال فأمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم يده على أبي بكر فاضمحل ما كان بجسده من الألم وكأنه أنشط من عقال ثم ذكر ما
بعده وعنها قالت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أتانا نفر من قريش
وفيهم أبو جهل بن هشام فوقفوا على باب أبي بكر فخرجت إليهم فقالوا أين أبوك يا بنت
أبي بكر قالت قلت لا أدري والله أين أبي قالت فرفع أبو جهل يده وكان فاحشاً خبيثاً
فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي قالت ثم انصرفوا فمكثنا ثلاث ليال لا ندري أين وجه
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات من
الشعر غناء العرب وإن الناس ليتبعونه يسمعون صوته وما يرونه حتى خرج من أعلى مكة
يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه | | رفيقين حلاً خيمتي أم معـبـد |
هما نزلا بالبـر ثـم تـروحـا | | فأفلح من أمسى رفيق محمـد |
ليهن بني كعب مكان فتاتـهـم | | ومقعدها للمؤمنين بمـرصـد |
خرجه ابن إسحاق وسيأتي قصة أم معبد مستوفاة في الذكر الثالث
من هذا الفصل إن شاء الله تعالى شرح القرط هو الذي يعلق في شحمة الأذن والجمع قرطة
وقراط كرمح ورماح وإتيان قريش هذا بيت أبي بكر الظاهر أنه غير الأول الذي تضمنه
حديثها من رواية ابن السمان وأن هذا كان بعد اليأس منهم ألا تراها تقسم بالله أنها
لا تعلم أين وجهه وفي ذلك الوقت كانت تعلم أنه بالغار لأنها كانت تأتينهم بالطعام
على ما تقدم بيانه وقولها أقمنا ثلاثاً لا نعلم أين وجه رسول الله صلى الله عليه
وسلم أي بعد توجههما من الغار والله أعلم ويجوز أن يكون هو ذلك الأول أو بعده
قريباً منه وهم بالغار ولم تكن علمت حينئذ ثم علمت بعد إلا أن قولها فأقمنا ثلاثاً
لا نعلم لا يجوز حملها على الثلاث الأول فإنها مدة مقامهم في الغار وقد كانت عالمة
بهم فيكون سؤالهم عنه في تلك وهو الظاهر من حال الباحث عن شيء ويكون قولها فأقمنا
ثلاثاً أي بعد علمها بهم أولاً ثم ارتحالهم من الغار والله أعلم قال ابن إسحاق لما
بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار وأمر أصحابه بالهجرة إلى المدينة وقال
إن الله جعل لكم إخواناً وداراً تأمنون بها فخرجوا أرسالاً وأقام النبي صلى الله
عليه وسلم ينتظر أن يؤذن له ولم يتخلف معه من أصحابه إلا من حبس أو فتن إلا علي بن
أبي طالب وأبو بكر بن أبي قحافة وكان أبو بكر كثيراً ما يستأذن رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الهجرة فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجل لعل الله أن
يجعل لك صاحباً فيطمع أبو بكر أن يكون إياه وعن علي قال جاء جبريل عليه السلام إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال له من يهاجر معي فقال أبو بكر وهو الصديق خرجه ابن
السمان في الموافقة.
مواضيع مماثلة
» الفصل الحادي عشر فيما جاء متضمناً صلاة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة
» الفصل التاسع في خصائصه
» الفصل الثالث عشر في ذكر خلافته وما يتعلق بها
» الفصل الخامس في ذكر من أسلم على يديه
» ذكر اختصاصه بأنه أرحم الأمة بالأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم
» الفصل التاسع في خصائصه
» الفصل الثالث عشر في ذكر خلافته وما يتعلق بها
» الفصل الخامس في ذكر من أسلم على يديه
» ذكر اختصاصه بأنه أرحم الأمة بالأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى