الفصل الخامس في ذكر من أسلم على يديه
صفحة 1 من اصل 1
الفصل الخامس في ذكر من أسلم على يديه
الفصل الخامس
في ذكر من أسلم على يديه
عن عائشة أن أبا بكر لما أسلم راح بعثمان بن عفان وطلحة
والزبير وسعد فأسلموا ثم جاء الغد بعثمان بن مظعون وأبي عبيدة وعبد الرحمن بن عوف
وأبي سلمة والأرقم فأسلموا خرجه ابن ناصر السلامي. قال ابن إسحاق ولما أسلم أبو
بكر أظهر إسلامه ودعا إلى الله ورسوله وكان رجلاً مألفاً لقومه محبباً سهلاً وكان
أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بها وبما كان فيها من خير وشر وكان رجلاً تاجراً ذا
خلق ومعروف وكان رجال قريش يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه وتجارته وحسن
مجالسته فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه فأسلم
بدعائه فيمن بلغني عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن
أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين
استجابوا له فأسلموا قال فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا بالإسلام الناس
وصدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني علياً وزيداً وأبا بكر ومن أسلم على
يديه. وعن محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان قال كان إسلام خالد بن سعيد بن العاص قديماً
وكان أول إخوته أسلم وكان بدء إسلامه أنه رأى في النوم أنه واقف على شفير النار
فذكر من سعتها ما الله أعلم ورأى كأن أباه يدفعه فيها ورأى رسول الله صلى الله
عليه وسلم آخذ بحقويه لا يقع ففزع من نومه وقال أحلف بالله عن هذه الرؤيا حق فلقي
أبا بكر فذكر ذلك له فقال أبو بكر أريد بك خيراً هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاتبعه والإسلام يحجزك أن تدخل فيها وأبوك واقع فيها فلقي النبي صلى الله عليه
وسلم وهو بأجياد فقال يا محمد إلام تدعو قال أدعو إلى الله وحده لا شريك له وأن
محمد عبده ورسوله وتخلع ما أنت عليه خرجه في فضائل أبي بكر وكان أبو بكر رضي الله
عنه قد ابتنى مسجداً بفناء داره يصلي فيه ويقرأ القرآن فيجتمع عليه الناس ويستمعون
إلى قراءته وينظرون إلى صلاته وبكائه حتى كان ذلك سبب إسلام جماعة وذلك مشهور من
خبره.
الفصل السادس
فيما كان بينه وبين النبي من الود
صلى الله عليه وسلم من الود والخلة في الجاهلية تقدم في بدء
إسلامه طرف من ذلك عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال كان النبي صلى الله عليه وسلم
إذا برز سمع من يناديه يا محمد فإذا سمع الصوت انطلق هارباً فأسر ذلك إلى أبي بكر
وكان نديمه في الجاهلية. وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة إني إذا
خلوت وحدي سمعت نداء وقد والله خشيت أن يكون هذا أمراً فقال معاذ الله ما كان الله
ليفعل بك فوالله إنك لتؤدي الأمانة وتصل الرحم وتصدق الحديث فلما دخل أبو بكر وليس
رسول الله صلى الله عليه وسلم موجوداً ثم ذكرت خديجة له حديثه وقالت يا عتيق اذهب
مع محمد إلى ورقة فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ أبو بكر بيده فقال
انطلق بنا إلى ورقة فقال ومن أخبرك قال خديجة فانطلقا إليه فقصا عليه وذكر الحديث
المشهور أخرجهما بهذا السياق في فضائل أبي بكر وقول خديجة للنبي صلى الله عليه
وسلم أخرجه الشيخان وكذلك حديث ورقة وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم.
الفصل السابع
فيما لقي من أذى المشركين بسبب
دعائه إلى الله
تعالى ودفعه المشركين عن النبي صلى الله عليه وسلم وتوبيخه
لهم
تقدم في ذكر إسلام أمه طرف من ذلك من حديث عائشة وعن أسماء
بنت أبي بكر وقيل لها ما أشد ما رأيت من المشركين بلغوا من رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقالت كان المشركون قعوداً في المسجد الحرام فتذاكروا رسول الله صلى
الله عليه وسلم وما يقول في آلهتهم فبينما هم كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه
وسلم المسجد فقاموا عليه وكانوا إذا سألوه عن شيء صدقهم فقالوا ألست تقول في
آلهتنا كذا وكذا قال بلى قال فتشبثوا به بأجمعهم فأتى الصريخ أبا بكر فقيل له أدرك
صاحبك فخرج أبو بكر فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس مجتمعون عليه فقال
ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم قال فلهوا عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلوا على أبي بكر الصديق يضربونه قالت فرجع إلينا
فجعل لا يمس شيئاً من غدائره إلا جاء معه وهو يقول تباركت يا ذا الجلال والإكرام
خرجه أبو عمر وغيره.
شرح: الغدائر الذوائب واحدتها غديرة قاله الجوهري. وعن القاسم بن محمد قال لقي أبو
بكر سفيهاً من سفهاء قريش وهو عائد إلى الكعبة فحثا على رأسه تراباً قال فمر بأبي
بكر الوليد بن المغيرة أو العاص بن وائل قال فقال له أبو بكر ألا ترى ما صنع هذا
السفيه قال أنت فعلت هذا بنفسك وهو يقول أي رب ما أحلمك ثلاثاً خرجه ابن إسحاق.
ذكر دفعه المشركين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن عروة بن الزبير قال سألت عبد الله بن عمرو بن العاص عن
أشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت عقبة بن أبي معيط جاء
إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فوضع رداءه في عنقه فخنقه به خنقاً شديداً
فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه فقال أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم
بالبينات من ربكم خرجه البخاري وخرجه أيضاً عن عمرو بن العاص نفسه وقال فيه يصلي
في حجر الكعبة وفي بعض طرقه قال أقبل عقبة بن أبي معيط والنبي صلى الله عليه وسلم
عند الكعبة فلوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً وأقبل أبو بكر وأخذ بمنكبيه
فدفعه عن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم وقال الحديث. وعن عمرو بن العاص
قال ما نيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نيل منه ذات يوم طاف بالبيت ضحى
فدخلوا عليه فقطعوا عليه الطواف وأخذوا بمنكبيه وقالوا أنت الذي تنهانا أن نعبد ما
يعبد آباؤنا قال هو ذاك وأبو بكر ملتزمه من خلفه ويقول أتقتلون رجلاً أن يقول ربي
الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذباً فعليه كذبه وإن يك صادقاً يصبكم
بعض الذي يعدكم وعيناه تهملان حتى خلوا سبيله عمرو بن العاص كان مشاهداً هذه القصة
وابنه عبد الله أرسله عنه ولم يكن مشاهداً.
شرح: تلبيبه هو ما يجمع من ثوبه عند صدره ونحره في الخصومة
ثم يجر به يقال لببته تلبيباً واللبة المنحر. وعن جابر بن عبد الله قال ضرب
المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة حتى غشي عليه فجاء أبو بكر فقال سبحان
الله أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله فقالوا من هذا قال ابن أبي قحافة المجنون
خرجه في فضائله. وعن أسماء بنت أبي بكر قالت لما نزلت: "تبت يدا أبي لهب
وتب" أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول:
والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر فلما
رآها أبو بكر قال يا رسول الله قد أقبلت وإني أخاف أن تراك قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم إني لن تراني وقرأ قرآناً فاعتصم به كما قال تعالى: "إذا قرأت
القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستورا" فوقفت على
أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا أبا بكر إن صاحبك هجاني قال
لا ورب هذا البيت ما هجاك قال فولت وهي تقول قد علمت قريش أني ابنة سيدها خرجه في
فضائل أبي بكر بهذا السياق ومعناه عند ابن إسحاق وقال بعد قولها بلغني أنه يهجوني
والله لو وجدته لضربته بهذا الفهر.
شرح: الولولة رفع الصوت تقول ولولت المرأة ولولة وولوالا إذا أعولت والفهر الحجر
ملء الكف يذكر ويؤنث والجمع أفهار واعتصم امتنع قال ابن إسحاق وكانت قريش تسمي
رسول الله صلى الله عليه وسلم مذمماً ثم يسبونه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول ألا تعجبون مما صرف الله عني من أذى قريش يسبون ويهجرون مذمماً وأنا محمد
وعنها أن أم جميل دخلت على أبي بكر وعنده رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا
ابن أبي قحافة ما شأن صاحبك ينشد في الشعر فقال والله ما صاحبي بشاعر فقالت أليس قد
قال: "في جيدها حبل من مسد" فما يدريه ما في جيدها فقال النبي صلى الله
عليه وسلم قل لها هل ترى عندي أحداً فإنها لن تراني جعل الله بيني وبينها حجاباً
فقال لها أبو بكر فقالت أتهزأ بي يا ابن أبي قحافة والله ما أرى عندك أحداً خرجه
في فضائله أيضاً.
شرح: المسد بالتحريك الليف والجيد العنق.
ذكر إخراج المشركين أبا بكر وجوار
ابن الدغنة له
عن عائشة قالت لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين ولم يمر
علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشياً
فلما ابتلى المسلمون خرج أبي بكر مهاجراً نحو أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد
لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال أين تريد يا أبا بكر فقال أبو بكر أخرجني
قومي فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي فقال ابن الدغنة مثلك يا أبا بكر لا يخرج
ولا يخرج إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب
الحق فارجع فاعبد ربك ببلدك فارتحل ابن الدغنة ورجع مع أبي بكر فطاف ابن الدغنة في
كفار قريش فقال عن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم ويصل
الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة
وأمنوا أبا بكر وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه في داره وليصل مهما شاء
وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا ولا يشتغلن بالصلاة والقراءة في غير داره ففعل.
ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً في فناء داره فكان يصلي فيه
ويقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلاً
بكاء لا يملك دموعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش فأرسلوا إلى ابن الدغنة
فقدم عليهم فقالوا إنا أجرنا لك أبا بكر على أن يعبد الله في داره وأنه جاوز ذلك
وابتنى مسجداً بفناء داره وأعلن بالصلاة وإنا خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فإن
أحب أن يقتصر على أن يعبد الله في داره فعل وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد
إليك ذمتك فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر بالاستعلان فأتى ابن
الدغنة أبا بكر فقال يا أبا بكر قد علمت الذي قد عقدت لك عليه فإما أن تقتصر على
ذلك وإما أن ترد ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في عقد رجل عقدت له قال
أبو بكر فإني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله ورسوله ورسول الله صلى الله عليه
وسلم يومئذ بمكة أخرجه البخاري وأبو حاتم وخرجه ابن إسحاق وقال استأذن أبو بكر
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فأذن له فخرج أبو بكر مهاجراً حتى إذا سار
من مكة يوماً أو يومين لقيه ابن الدغنة ثم ذكر معناه وقال والله إنك لزين العشيرة
وذكر معنى ما بقي.
شرح: برك الغماد بفتح الباء وتكسر وبضم الغين وتكسر وهو اسم موضع باليمن وقيل هو
موضع وراء مكة بخمس ليال ذكره أبو موسى المديني وابن الدغنة بفتح الدال وكسر الغين
المعجة وتخفيف النون بعدها هكذا قيده جمهور الحفاظ ويقال بضم الدال والغين وتشديد
النون بوزن دجنة وهو الأكثر عن مؤرخي المغازي ويقال بفتح الدال وسكون الغين وهو
تقييد أهل اللغة.
في ذكر من أسلم على يديه
عن عائشة أن أبا بكر لما أسلم راح بعثمان بن عفان وطلحة
والزبير وسعد فأسلموا ثم جاء الغد بعثمان بن مظعون وأبي عبيدة وعبد الرحمن بن عوف
وأبي سلمة والأرقم فأسلموا خرجه ابن ناصر السلامي. قال ابن إسحاق ولما أسلم أبو
بكر أظهر إسلامه ودعا إلى الله ورسوله وكان رجلاً مألفاً لقومه محبباً سهلاً وكان
أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بها وبما كان فيها من خير وشر وكان رجلاً تاجراً ذا
خلق ومعروف وكان رجال قريش يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه وتجارته وحسن
مجالسته فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه فأسلم
بدعائه فيمن بلغني عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن
أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين
استجابوا له فأسلموا قال فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا بالإسلام الناس
وصدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني علياً وزيداً وأبا بكر ومن أسلم على
يديه. وعن محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان قال كان إسلام خالد بن سعيد بن العاص قديماً
وكان أول إخوته أسلم وكان بدء إسلامه أنه رأى في النوم أنه واقف على شفير النار
فذكر من سعتها ما الله أعلم ورأى كأن أباه يدفعه فيها ورأى رسول الله صلى الله
عليه وسلم آخذ بحقويه لا يقع ففزع من نومه وقال أحلف بالله عن هذه الرؤيا حق فلقي
أبا بكر فذكر ذلك له فقال أبو بكر أريد بك خيراً هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاتبعه والإسلام يحجزك أن تدخل فيها وأبوك واقع فيها فلقي النبي صلى الله عليه
وسلم وهو بأجياد فقال يا محمد إلام تدعو قال أدعو إلى الله وحده لا شريك له وأن
محمد عبده ورسوله وتخلع ما أنت عليه خرجه في فضائل أبي بكر وكان أبو بكر رضي الله
عنه قد ابتنى مسجداً بفناء داره يصلي فيه ويقرأ القرآن فيجتمع عليه الناس ويستمعون
إلى قراءته وينظرون إلى صلاته وبكائه حتى كان ذلك سبب إسلام جماعة وذلك مشهور من
خبره.
الفصل السادس
فيما كان بينه وبين النبي من الود
صلى الله عليه وسلم من الود والخلة في الجاهلية تقدم في بدء
إسلامه طرف من ذلك عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال كان النبي صلى الله عليه وسلم
إذا برز سمع من يناديه يا محمد فإذا سمع الصوت انطلق هارباً فأسر ذلك إلى أبي بكر
وكان نديمه في الجاهلية. وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة إني إذا
خلوت وحدي سمعت نداء وقد والله خشيت أن يكون هذا أمراً فقال معاذ الله ما كان الله
ليفعل بك فوالله إنك لتؤدي الأمانة وتصل الرحم وتصدق الحديث فلما دخل أبو بكر وليس
رسول الله صلى الله عليه وسلم موجوداً ثم ذكرت خديجة له حديثه وقالت يا عتيق اذهب
مع محمد إلى ورقة فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ أبو بكر بيده فقال
انطلق بنا إلى ورقة فقال ومن أخبرك قال خديجة فانطلقا إليه فقصا عليه وذكر الحديث
المشهور أخرجهما بهذا السياق في فضائل أبي بكر وقول خديجة للنبي صلى الله عليه
وسلم أخرجه الشيخان وكذلك حديث ورقة وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم.
الفصل السابع
فيما لقي من أذى المشركين بسبب
دعائه إلى الله
تعالى ودفعه المشركين عن النبي صلى الله عليه وسلم وتوبيخه
لهم
تقدم في ذكر إسلام أمه طرف من ذلك من حديث عائشة وعن أسماء
بنت أبي بكر وقيل لها ما أشد ما رأيت من المشركين بلغوا من رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقالت كان المشركون قعوداً في المسجد الحرام فتذاكروا رسول الله صلى
الله عليه وسلم وما يقول في آلهتهم فبينما هم كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه
وسلم المسجد فقاموا عليه وكانوا إذا سألوه عن شيء صدقهم فقالوا ألست تقول في
آلهتنا كذا وكذا قال بلى قال فتشبثوا به بأجمعهم فأتى الصريخ أبا بكر فقيل له أدرك
صاحبك فخرج أبو بكر فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس مجتمعون عليه فقال
ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم قال فلهوا عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلوا على أبي بكر الصديق يضربونه قالت فرجع إلينا
فجعل لا يمس شيئاً من غدائره إلا جاء معه وهو يقول تباركت يا ذا الجلال والإكرام
خرجه أبو عمر وغيره.
شرح: الغدائر الذوائب واحدتها غديرة قاله الجوهري. وعن القاسم بن محمد قال لقي أبو
بكر سفيهاً من سفهاء قريش وهو عائد إلى الكعبة فحثا على رأسه تراباً قال فمر بأبي
بكر الوليد بن المغيرة أو العاص بن وائل قال فقال له أبو بكر ألا ترى ما صنع هذا
السفيه قال أنت فعلت هذا بنفسك وهو يقول أي رب ما أحلمك ثلاثاً خرجه ابن إسحاق.
ذكر دفعه المشركين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن عروة بن الزبير قال سألت عبد الله بن عمرو بن العاص عن
أشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت عقبة بن أبي معيط جاء
إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فوضع رداءه في عنقه فخنقه به خنقاً شديداً
فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه فقال أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم
بالبينات من ربكم خرجه البخاري وخرجه أيضاً عن عمرو بن العاص نفسه وقال فيه يصلي
في حجر الكعبة وفي بعض طرقه قال أقبل عقبة بن أبي معيط والنبي صلى الله عليه وسلم
عند الكعبة فلوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً وأقبل أبو بكر وأخذ بمنكبيه
فدفعه عن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم وقال الحديث. وعن عمرو بن العاص
قال ما نيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نيل منه ذات يوم طاف بالبيت ضحى
فدخلوا عليه فقطعوا عليه الطواف وأخذوا بمنكبيه وقالوا أنت الذي تنهانا أن نعبد ما
يعبد آباؤنا قال هو ذاك وأبو بكر ملتزمه من خلفه ويقول أتقتلون رجلاً أن يقول ربي
الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذباً فعليه كذبه وإن يك صادقاً يصبكم
بعض الذي يعدكم وعيناه تهملان حتى خلوا سبيله عمرو بن العاص كان مشاهداً هذه القصة
وابنه عبد الله أرسله عنه ولم يكن مشاهداً.
شرح: تلبيبه هو ما يجمع من ثوبه عند صدره ونحره في الخصومة
ثم يجر به يقال لببته تلبيباً واللبة المنحر. وعن جابر بن عبد الله قال ضرب
المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة حتى غشي عليه فجاء أبو بكر فقال سبحان
الله أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله فقالوا من هذا قال ابن أبي قحافة المجنون
خرجه في فضائله. وعن أسماء بنت أبي بكر قالت لما نزلت: "تبت يدا أبي لهب
وتب" أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول:
مذمما أبينـا |
ودينه قلينـا |
وأمره عصينا |
والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر فلما
رآها أبو بكر قال يا رسول الله قد أقبلت وإني أخاف أن تراك قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم إني لن تراني وقرأ قرآناً فاعتصم به كما قال تعالى: "إذا قرأت
القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستورا" فوقفت على
أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا أبا بكر إن صاحبك هجاني قال
لا ورب هذا البيت ما هجاك قال فولت وهي تقول قد علمت قريش أني ابنة سيدها خرجه في
فضائل أبي بكر بهذا السياق ومعناه عند ابن إسحاق وقال بعد قولها بلغني أنه يهجوني
والله لو وجدته لضربته بهذا الفهر.
شرح: الولولة رفع الصوت تقول ولولت المرأة ولولة وولوالا إذا أعولت والفهر الحجر
ملء الكف يذكر ويؤنث والجمع أفهار واعتصم امتنع قال ابن إسحاق وكانت قريش تسمي
رسول الله صلى الله عليه وسلم مذمماً ثم يسبونه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول ألا تعجبون مما صرف الله عني من أذى قريش يسبون ويهجرون مذمماً وأنا محمد
وعنها أن أم جميل دخلت على أبي بكر وعنده رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا
ابن أبي قحافة ما شأن صاحبك ينشد في الشعر فقال والله ما صاحبي بشاعر فقالت أليس قد
قال: "في جيدها حبل من مسد" فما يدريه ما في جيدها فقال النبي صلى الله
عليه وسلم قل لها هل ترى عندي أحداً فإنها لن تراني جعل الله بيني وبينها حجاباً
فقال لها أبو بكر فقالت أتهزأ بي يا ابن أبي قحافة والله ما أرى عندك أحداً خرجه
في فضائله أيضاً.
شرح: المسد بالتحريك الليف والجيد العنق.
ذكر إخراج المشركين أبا بكر وجوار
ابن الدغنة له
عن عائشة قالت لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين ولم يمر
علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشياً
فلما ابتلى المسلمون خرج أبي بكر مهاجراً نحو أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد
لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال أين تريد يا أبا بكر فقال أبو بكر أخرجني
قومي فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي فقال ابن الدغنة مثلك يا أبا بكر لا يخرج
ولا يخرج إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب
الحق فارجع فاعبد ربك ببلدك فارتحل ابن الدغنة ورجع مع أبي بكر فطاف ابن الدغنة في
كفار قريش فقال عن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم ويصل
الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة
وأمنوا أبا بكر وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه في داره وليصل مهما شاء
وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا ولا يشتغلن بالصلاة والقراءة في غير داره ففعل.
ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً في فناء داره فكان يصلي فيه
ويقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلاً
بكاء لا يملك دموعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش فأرسلوا إلى ابن الدغنة
فقدم عليهم فقالوا إنا أجرنا لك أبا بكر على أن يعبد الله في داره وأنه جاوز ذلك
وابتنى مسجداً بفناء داره وأعلن بالصلاة وإنا خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فإن
أحب أن يقتصر على أن يعبد الله في داره فعل وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد
إليك ذمتك فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر بالاستعلان فأتى ابن
الدغنة أبا بكر فقال يا أبا بكر قد علمت الذي قد عقدت لك عليه فإما أن تقتصر على
ذلك وإما أن ترد ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في عقد رجل عقدت له قال
أبو بكر فإني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله ورسوله ورسول الله صلى الله عليه
وسلم يومئذ بمكة أخرجه البخاري وأبو حاتم وخرجه ابن إسحاق وقال استأذن أبو بكر
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فأذن له فخرج أبو بكر مهاجراً حتى إذا سار
من مكة يوماً أو يومين لقيه ابن الدغنة ثم ذكر معناه وقال والله إنك لزين العشيرة
وذكر معنى ما بقي.
شرح: برك الغماد بفتح الباء وتكسر وبضم الغين وتكسر وهو اسم موضع باليمن وقيل هو
موضع وراء مكة بخمس ليال ذكره أبو موسى المديني وابن الدغنة بفتح الدال وكسر الغين
المعجة وتخفيف النون بعدها هكذا قيده جمهور الحفاظ ويقال بضم الدال والغين وتشديد
النون بوزن دجنة وهو الأكثر عن مؤرخي المغازي ويقال بفتح الدال وسكون الغين وهو
تقييد أهل اللغة.
مواضيع مماثلة
» الفصل الثامن في هجرته مع النبي
» اللقاء الاول للقسيس الذى أسلم ع قناة الرحمة 01/10
» الباب الخامس فيما جاء مختصاً بأبي بكر وعمر وعثمان
» الفصل التاسع في خصائصه
» الفصل الثالث عشر في ذكر خلافته وما يتعلق بها
» اللقاء الاول للقسيس الذى أسلم ع قناة الرحمة 01/10
» الباب الخامس فيما جاء مختصاً بأبي بكر وعمر وعثمان
» الفصل التاسع في خصائصه
» الفصل الثالث عشر في ذكر خلافته وما يتعلق بها
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى