الفصل الحادي عشر فيما جاء متضمناً صلاة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة
صفحة 1 من اصل 1
الفصل الحادي عشر فيما جاء متضمناً صلاة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة
الفصل الحادي عشر
فيما جاء متضمناً صلاة النبي صلى
الله عليه وسلم له بالجنة
وقد تقدم من أحاديث هذا الفصل ما جاء في العشرة وفيما دون
العشرة وفي الأربعة وفي الثلاثة وفي الشيخين في أبوابهم في كل باب ذكر يخص هذا
المعنى وتقدم في فصل الخصائص حديث أبي هريرة في أنه أول من يدخل الجنة وحديث ابن
عمر والزبير أنه رفيقه في الجنة.
ذكر ما جاء أنه يدعى من أبواب
الجنة كلها
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال "من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان
من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان
من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان"
فقال أبو بكر يا رسول الله بأبي أنت وأمي هل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم وأرجو أن تكون منهم أخرجاه أحمد والترمذي وأبو
حاتم وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أنفق من ماله زوجين في
سبيل الله ابتدرته حجبة الجنة يا عبد الله يا مسلم هذا خير لك" قال فضرب رسول
الله صلى الله عليه وسلم فخذ أبي بكر قال أما "إنك منهم" خرجه القلعي
شرح قوله زوجين جاء في الحديث قيل وما الزوجان قال فرسان أو عبدان أو بعيران وهكذا
فسره بعض العلماء وقال الحسن البصري شيئان متغايران درهم ودينار درهم وقوت خف
ولجام قال الباجي يحتمل أن يريد بذلك العمل من صلاتين أو صيام يومين والأصل في
الزوج الصنف والنوع من كل شيء وكل شيئين متفرقين مثلين كانا أو غير مثلين فهما
زوجان وكل واحد منهما زوج والمراد أنفق نوعين من ماله.
ذكر ما جاء أن الملائكة تزفه إلى
الجنان مع النبيين والصديقين
عن جابر بن عبد الله قال" قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم "تأتي الملائكة بأبي بكر الصديق مع النبيين والصديقين تزفه إلى الجنة
زفافاً" خرجه في فضائله وقد تقدم مثله في باب أبي بكر وعمر مختصاً بأبي بكر
من حديث زيد بن ثابت إلا أنه لم يذكر فيه النبيين والصديقين.
ذكر تنعمه في الجنة
عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن طير الجنة
كأمثال البخت نزعاً في شجر الجنة" قال أبو بكر يا رسول الله إن هذه الطير
ناعمة فقال "آكلها أنعم منها قالها ثلاثاً وإني لأرجو أن تكون ممن يأكل
منها" خرجه أحمد وعن ابن عمر قال ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم طوبى فقال
"يا أبا بكر هل بلغك ما طوبى قال الله ورسوله أعلم قال طوبى شجرة في الجنة لا
يعلم ما طولها إلا الله عز وجل يسير الراكب تحت غصن من أغصانها سبعين خريفاً يقع
عليها طير أمثال البخت" قال أبو بكر إن هذا الطير لناعم يا رسول الله قال
"أنعم منه من يأكله وأنت منهم إن شاء الله يا أبا بكر خرجه الخلعي.
ذكر وصف برج له في الجنة
عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لما
دخلت الجنة ليلة أسري بي فنظرت إلى برج أعلاه حرير وأسلفه حرير فقلت يا جبريل لمن
هذا البرج فقال هذا لأبي بكر خرجه في فضائله.
ذكر ما له من الحور الورديات
عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن في
الجنة حوراً خلقهن الله تعالى من الورد يقال لهن الورديات لا يتزوج بهن إلا نبي أو
صديق أو شهيد وان لأبي بكر منهن أربعمائة".
ذكر تشوق أهل الجنة إليه وتسليمهم
عليه إذا دخلها
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"يدخل رجل الجنة فلا يبقى أهل دار ولا أهل غرفة إلا قالوا مرحباً إلينا
إلينا" قال أبو بكر يا رسول الله ماتوا على هذا الرجل في ذلك اليوم قال أجل
وأنت هو يا أبا بكر خرجه أبو حاتم هكذا بالتاء باثنتين معدي بعلي ولعله أراد التوى
بالقصر الهلاك وخرجه في الفضائل ماثوا هذا الرجل بالمثلثة بإسقاط على وقال الثوي
يقال ثوى يثوي ثوا أي أقام والأول أنسب للجواب بأجل.
الفصل الثاني عشر
في ذكر نبذ من فضائله
قال أبو عمر وغيره واللفظ له لا يختلفون أن أبا بكر شهد
بدراً والحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لم يكن رفيقه من أصحابه
غيره وأنه كان مؤنسه في الغار وأنه قام بقتال أهل الردة وظهر من فضل رأيه في ذلك
وشدة بأسه مع لينه ما لم يحتسب وأظهر الله به دينه وقتل على يديه كل من ارتد عن
دين الله حتى ظهر أمر الله وهم كارهون وقال صاحب الصفوة ذكر أهل العلم بالتواريخ
أنه لم يفته مشهد من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه ثبت مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين انهزم الناس ودفع إليه رسول الله صلى الله
عليه وسلم رايته العظمى يوم تبوك وأنه تنزه عن شرب المسكر في الجاهلية والإسلام
وأنه أول ممن فاء تحرزاً من الشبهات.
ذكر ما جاء في أنه كان خيراً كله
عن طارق قال جاء ناس إلى ابن عباس فقالوا له أي رجل كان أبو
بكر قال كان خيراً كله أو قال كالخير كله على حدة كانت فيه خرجه أبو عمر وعن عبد
خير عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الخير ثلثمائة وستون خصلة
إذا أراد الله بعبد خيراً جعل فيه واحدة منهن فدخل بها الجنة" قال فقال أبو
بكر يا رسول الله هل في شيء منها قال نعم "جمع من كل" خرجه في فضائله
وخرجه ابن البهلول من حديث سليمان بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الربيع
بن أنس قال مكتوب في الكتاب الأول مثل أبي بكر مثل القطر حيثما وقع نفع خرجه في
فضائله أيضاً وقال حسن.
ذكر إثبات أفضليته بالمصاهرة
تقدم في باب ما دون العشرة أن مصاهرته صلى الله عليه وسلم
والمصاهرة إليه موجبة للجنة محرمة على النار وعن ابن عمر عن عمر سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول "كل نسب وصهر منقطع إلا نسبي وصهري" خرجه تمام
في فوائده وسيأتي كيفية تزوجه صلى الله عليه وسلم بعائشة في بابها من كتاب مناقب
أمهات المؤمنين إن شاء الله تعالى.
ذكر منزلته عند النبي صلى الله
عليه وسلم
عن ابن عباس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفاً
مع علي إذ أقبل أبو بكر فصافحه النبي صلى الله عليه وسلم وعانقه وقبل فاه أبي بكر
فقال صلى الله عليه وسلم يا أبا الحسن منزلة أبي بكر عندي كمنزلتي عند ربي خرجه
الملاء في سيرته.
ذكر أنه كان عنده بمنزلة سمعه
وبصره
عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر يوم
بدر وقد أراد أن يتقدم في أول الخيل فمنعه وقال "أما تعلم أنك عندي بمنزلة
سمعي وبصري" خرجه الواحدي وأبو الفرج في أسباب النزول في قوله تعالى "لا
تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله" الآية.
ذكر أدبه مع النبي صلى الله عليه
وسلم
عن يزيد بن الأصم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر
أنا أكبر أو أنت قال لا بل أنت أكبر مني وأكرم وخير مني وأنا أسن منك خرجه ابن
الضحاك وعن الحسن قال لما بويع أبو بكر قام دون مقام النبي صلى الله عليه وسلم
خرجه حمزة بن الحارث.
ذكر أنه لم يسؤ النبي صلى الله
عليه وسلم قط
عن سهل بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"يا أيها الناس إن أبا بكر لم يسوءني فاعرفوا له ذلك" خرجه الخلعي.
ذكر كتمه سر النبي صلى الله عليه
وسلم
عن عمر بن الخطاب قال تأيمت حفصة من خنيس بن حذافة وكان ممن
شهد بدراً فلقيت عثمان بن عفان فقلت إن شئت أنكحتك حفصة فقال أنظر ثم لقيني فقال
قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا فلقيت أبا بكر فعرضتها عليه فصمت فكنت أوجد مني
على عثمان فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه ثم
لقيني أبو بكر فقال لعلك وجدت علي حين لم أرجع إليك فقلت أجل فقال إنه لم يمنعني
أن أرجع إليك إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها فلم أكن
لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها لنكحتها أخرجه البخاري شرح اختلف
في موجدته على أبي بكر لماذا كانت فقيل لمكان الود الذي كان بينهما في الصحبة وقيل
لأنه لم يرجع إليه شيئاً وعثمان أراحه ولم يعلق خاطره فلذلك اختلف وجده عليهما
فكان على أبي بكر أكثر وقد جاء في بعض الطرق فكانت موجدتي على أبي بكر أكثر من
موجدتي على عثمان.
ذكر حبه صلة قرابة رسول الله صلى
الله عليه وسلم أكثر من حبه صلة قرابته
عن عائشة رضي الله عنها قالت قال أبو بكر والله لقرابة رسول
الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي أخرجه في حديث طويل.
ذكر إيثاره سرور رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقرة عينه
تقدم في إسلام أبي قحافة من حديث أسماء قول أبي بكر أما
والذي بعثك بالحق لأنا كنت أشد فرحاً بإسلام أبي طالب مني بإسلام أبي ألتمس بذلك
قرة عينك قال صدقت وعن أنس قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد
قد أطاف به أصحابه إذ أقبل علي بن أبي طالب فوقف فسلم ثم نظر مجلساً يشبهه فنظر
رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوه أصحابه أيهم يوسع له فكان أبو بكر جالساً
على يمين النبي صلى الله عليه وسلم فتزحزح له عن مجلس وقال ههنا يا أبا الحسن فجلس
بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر قال أنس فرأيت السرور في وجه رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال "يا أبا بكر إنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوو
الفضل" خرجه أحمد في المناقب والخلعي وابن السمان في الموافقة ومما يقرب من
هذا ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه جلس على منبر النبي صلى الله عليه
وسلم فصعد إليه الحسن فقال انزل عن مجلس أبي فقال مجلس أبيك لا مجلس أبي وبكى
وأجلسه في حجره وبكى وقال علي والله ما هذا عن رأيي فقال والله ما اتهمتك وفي
رواية فبلغ ذلك علياً فجاء وقال أعوذ بالله من غضب الله وغضب خليفة رسول الله صلى
الله عليه وسلم ثم قال والله ما أمرناه فقال أبو بكر والله ما اتهمتك خرجه ابن
السمان.
ذكر وفائه بعدات رسول الله صلى
الله عليه وسلم بعد وفاته
عن جابر قال أتي أبو بكر بمال من البحرين فقال من كانت له
عدة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فليأت فقمت فقلت لي عدة عند رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال وما عدتك فقلت قال لي لأن أتاني الله مالاً لأحثين لك هكذا
وهكذا قال فحثا لي أبو بكر كما قلت ثلاث حثيات حديث حسن صحيح وعن حبشي بن جنادة
قال كنت جالساً عند أبي بكر فقال من كانت له عدة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
فليقم فقام رجل فقال يا خليفة رسول الله وعدني ثلاث حثيات من تمر قال فقال أرسلوا
إلى علي فقال يا أبا الحسن إن هذا يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعده ثلاث
حثيات من تمر فأحثها له قال فحثاها قال أبو بكر عدوها فوجدوا في كل حثية ستين تمرة
لا تزيد واحدة على الأخرى فقال أبو بكر صدق الله ورسوله قال لي رسول الله صلى الله
عليه وسلم ليلة الهجرة ونحن خارجون من الغار نريد المدينة "يا أبا بكر كفي
وكف علي في العدد سواء" خرجه ابن السمان في الموافقة.
ذكر أن الله أعطاه ثواب من آمن
بالنبي صلى الله عليه وسلم
عن علي بن أبي طالب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول لأبي بكر "يا أبا بكر إن الله أعطاني ثواب من آمن به منذ خلق آدم إلى أن
بعثني وإن الله أعطاك ثواب من آمن بي منذ بعثني إلى أن تقوم الساعة" خرجه
الخلعي والملاء وصاحب فضائله.
ذكر شجاعته وثبات قلبه عند
الحوادث
تقدمت أحاديث هذا الذكر في ذكر اختصاصه بأنه أشجع الناس في
فضل خصائصه
ذكره علمه
تقدم أيضاً في ذكر اختصاصه بالفهم عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأعلميته بالأمور طرف منه وذكرنا فيه ما يتضمن علمه وأعلميته فلينظر ثمة
ومما يلتحق بهذا.
ذكر فراسته وكراماته
عن عائشة أن أبا بكر كان نحلها جاد عشرين وسقاً من ماله بالغابة
فلما حضرته الوفاة قال والله يا بنية ما في الناس أحد أحب إلي غناء بعدي منك ولا
أعز علي فقراً بعدي منك وإني كنت نحلتك جاد عشرين وسقاً فلو كنت جددته واحترزته
كان لك وإنما هو اليوم مال الوارث وإنما هو أخواك وأختاك فاقتسموه على كتاب الله
قالت قلت يا أبت لو كان كذا وكذا لتركته إنما هي أسماء فمن الأخرى قال ذو بطن بنت
خارجة أراها جارية خرجه في الموطأ وخرجه أبو معاوية الضرير وزاد بعد قوله ذو بطن
بنت جارية استوصي بها خيراً وإنه قد ألقي في نفسي أنها جارية فولدت أم كلثوم شرح
جاد عشرين وسقاً أي ما يجد من ذلك ذكره الهروي وروى أن بني طي لما مات رسول الله
صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب عزموا على الردة ومنع الزكاة فقام فيهم عدي بن
حاتم ووعظهم وخوفهم بالله وأعانه على ذلك زيد الخيل ثم إن عدي بن حاتم قدم على أبي
بكر بزكاة طي فسلم عليه فقال له أتعرفني يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال نعم أنت عدي الذي آمنت حين كفروا وأقبلت حين أدبروا وأوفيت حين غدروا قد عرفتك
وصاحبك زيد الخيل ولو لم أعرفكما لعرفكما الله خرجه الملاء.
ذكر اقتفائه آثار النبوة واتباعه
إياها
تقدم في قتال أهل الردة قوله والله لو منعوني عقالاً وفي
رواية عناقاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه وعن
عائشة أن فاطمة سألت أبا بكر أن يقسم لها ميراثها
وفي رواية أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما
من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر قال
أبو بكر إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا نورث ما تركنا
صدقة" إنما كان يأكل آل محمد من هذا المال وإني والله لا أدع أمراً رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيه إلا صنعته زاد في رواية إني أخشى إن تركت شيئاً
من أمره أن أزيع ثم ذكر قصة طويلة أخرجاه وقد روى حديث نفي الميراث جماعة من
الصحابة أبو هريرة ولفظه "لا يقتسم ورثتي ديناراً ولا درهماً ما تركت بعد
نفقة نسائي ومؤونة عاملي فهو صدقة" أخرجه البخاري وابن عمر وعثمان وعبد
الرحمن بن عوف وسعداً وعبد الرحمن بن عوف فقال نشدتكم بالذي تقوم السماء والأرض
بإذنه ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا نورث ما تركنا
صدقة" قالوا نعم خرجه الخلعي وفي حديث أبي هريرة تصريح بأن ما تركه صلى الله
عليه لا يورث مطلقاً وإن ما تركه يصنع به ما أمر به من صرفه في النفقة المذكورة ثم
يتصدق بفاضله وهذا يرد رواية من روى ما تركنا صدقة بالنصب فإن صحت فهي غلط وإلا
فالغالب أنها من وضع بعض المبتدعة حتى يجعل الميراث ثابتاً والصدقة فيما تركه
للصدقة وعن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه قال جاءت فاطمة إلى أبي
بكر فقالت أعطني فدك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبها لي قال صدقت يا بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسمها
فيعطي الفقراء والمساكين وابن السبيل بعد أن يعطيكم منها قوتكم فما تصنعين بها
قالت أفعل فيها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل قال ولك علي أن أفعل
فيها ما كان أبوك يفعل قالت والله لتفعلن ذلك قال والله لأفعلن ذلك قالت اللهم
اشهد قال فكان أبو بكر يعطيهم منها قوتهم ويقسم الباقي في الفقراء والمساكين وابن
السبيل ثم ولى ذلك عمر ففعل مثل ذلك ثم فعل ذلك علي بن أبي طالب فقيل له في ذلك
فقال إني لأستحيي من الله أن أنقض شيئاً فعله أبو بكر وعمر وعن أبي الطفيل قال
جاءت فاطمة إلى أبي بكر فقالت يا خليفة رسول الله أنت ورثت رسول الله أم أهله فقال
لا بل أهله قالت فما بال الخمس فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
"إن الله إذا أطعم نبياً طعمة ثم قبضه كانت للذي بعده" فلما وليت رأيت
أن أرده على المسلمين قالت أنت ورسول الله أعلم ورجعت خرجه ابن السمان في الموافقة
وعن مالك بن أوس بن الحدثان قال أتى العباس وعلي أبا بكر لما استخلف فجاء علي يطلب
نصيب فاطمة وجاء العباس يطلب نصيبه مما كان في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان
في يده نصف خيبر ثمانية عشر سهماً وكانت ستة وثلاثين سهماً وأرض بني قريظة وفدك
فقالا ادفعها إلينا إنها كانت في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما أبو
بكر لا أرى ذلك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول "إنا معاشر
الأنبياء لا نورث ما تركنا فهو صدقة" فقام قوم من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم فشهدوا بذلك قالا فدعها تكن في أيدينا تجري على ما كانت في يد رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال لا أرى ذلك أنا الوالي من بعده وأنا أحق بذلك منكما أضعها
في موضعها الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يضعها فيه فأبى أن يدفع إليهما شيئاً
فلما ولي عمر أتياه ثم ذكر قصة طويلة مضمونها أنهما ترددا إليه حتى دفعها إليهما
وأخذ عليهما العهد أن يعملا فيها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل خرجه
بهذا السياق تمام في فوائده ومعناه في الصحيح وعن معاذ بن رفاعة عن أبيه قال قام
أبو بكر الصديق على المنبر فبكى ثم قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عام
الأول على المنبر فبكى ثم قال "سلوا الله العفو والعافية فإن أحداً لم يعط
بعد اليقين خيراً من العافية" خرجه الترمذي والحافظ الدمشقي في الموافقات.
ذكر أنه من الذين استجابوا لله
والرسول
عن عروة عن عائشة قالت لي أبواك والله من الذين استجابوا لله
والرسول من بعد ما أصابهم القرح خرجه مسلم وفي رواية يعني أبا بكر والزبير وقد
خرجه البخاري في قصة طويلة ستأتي في فصل فضائل الزبير إن شاء الله.
ذكر تعبده وما جاء من حسن صلاته
عن عبد الرزاق قال أهل مكة يقولون أخذ ابن جريج الصلاة من
عطاء وأخذها عطاء من الزبير وأخذها ابن الزبير من أبي بكر وأخذها أبو بكر من رسول
الله صلى الله عليه وسلم خرجه في الصفوة وعن أنس قال صلى أبو بكر بالناس الفجر
فاقترأ البقرة في ركعتيه فلما انصرف قال له عمر يا خليفة رسول الله ما انصرفت حتى
رأينا أن الشمس قد طلعت قال لو طلعت لم تجدنا غافلين خرجه البغوي والمخلص الذهبي
وقد تقدم ما جاء في وتره أول الليل في باب الشيخين.
ذكر نبذ من أدعيته وتسبيحه
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن أبي بكر أنه
قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم "علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال قل
اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك
وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" أخرجاه وعن أبي راشد الخيراني قال أتيت ابن
عمر فقلت له حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى صحيفة فنظرت
فإذا فيها أن أبا بكر الصديق قال يا رسول الله علمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت
قال "يا أبا بكر قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة لا إله
إلا أنت رب كل شيء ومليكه أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه وأن أقترف على
نفسي شراً أو أن أجره إلى مسلم خرجه ابن عرفة العبدي والترمذي عنه وفي طريق عند
غيرهما "قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك" وعن أبي يزيد المدني
قال كان من بين دعاء أبي بكر اللهم هب لي إيماناً ويقيناً ومعافاة ونية أخرجه ابن
أبي الدنيا وعن أبي معاوية بن قرة قال بلغني أن أبا بكر كان يقول اللهم اجعل خير
عمري آخره وخير عملي خواتمه وخير أيامي يوم لقائك خرجه في فضائله وعن جعفر الصادق
قال كان أكثر كلام أبي بكر الصديق لا إله إلا الله خرجه الخجندي.
ذكر اشتماله على أنواع من البر
تقدم في خصائصه ذكر اختصاصه بالسبق إلى أنواع من البر في
اليوم الواحد وفي فضل الشهادة له بالجنة.
ذكر أنه يدعى من أبواب الجنة كلها
وفيها طرف من ذلك
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"إذا كان يوم القيامة دعي الإنسان بأفضل عمل يكون فيه فإن كانت الصلاة أفضل
عمله دعي بها وإن كان الصيام أفضل عمله دعي به وإن كان الجهاد أفضل عمله دعي
به" قال أبو بكر يا رسول الله وثم أحد يدعي بعملين قال نعم أنت وفي رواية وثم
باب من أبواب الجنة يقال له الريان فقال أبو بكر يا رسول الله وثم أحد يدعي منها
كلها قال نعم أنت خرجهما في فضائله شرح زوجين وجاء في بعضها زوجاً وهما بمعنى واحد
وكل شيء قرن بصاحبه فهو زوج وزوجين فالمرأة زوج الرجل وهو زوجها ومنه قولهم زوجت
بين الإبل أي قرنت كل واحد بشكله وكذلك كل شيء قال تعالى "ومن كل شيء خلقنا
زوجين" أي مثلين وشكلين وقد تقدم زيادة بيان في ذلك في باب الشهادة له بالجنة
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من رجل ينفق زوجين في سبيل
الله إلا والملائكة معهم الرياحين على أبواب الجنة ينادونه يا عبد الله يا مسلم
هلم" فقال أبو بكر إن هذا الرجل ما على ماله توى فقال يا أبا بكر "إني
لأرجو أن تكون منهم بل وأنت منهم" خرجه في فضائله شرح توى مصدر توى المال
يتوي تواء إذا هلك وأتوى فلان ماله إذا أذهبه وقول أبي بكر ما على ماله توى إشارة
إلى حسن العاقبة فيه.
ذكر ما أخبرت به زوجته من عمله وأنه كان يوجد منه رائحة كبد
مشوي
وروى أن عمر بن الخطاب أتى إلى زوجة أبي بكر بعد موته فسألها
عن أعمال أبي بكر في بيته ما كانت فأخبرته بقيامه في الليل وأعمال كان يعلمها ثم
قالت إلا أنه كان في كل ليلة جمعة يتوضأ ويصلي العشاء ثم يجلس مستقبل القبلة رأسه
على ركبتيه فإذا كان وقت السحر رفع رأسه وتنفس الصعداء فيشم في البيت روائح كبد
مشوي فبكى عمر وقال أني لابن الخطاب بكبد مشوي خرجه الملاء في سيرته.
ذكر زهده رضي الله عنه
تقدم من حديث هذا الذكر خروجه عن جميع ماله في كتاب الشيخين
وحديث على إن تؤمروا أبا بكر تجدوه زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة في باب أبي
بكر وعمر وعلي وحديث تحلله بالعبا في فضل خصائصه في ذكر اختصاصه بمواساة النبي صلى
الله عليه وسلم عن ابن عباس قال مات النبي صلى الله عليه وسلم وعليه إحدى عشرة
رقعة بعضها من آدم ومات أبو بكر وعليه ثلاث عشرة رقعة بعضها من آدم خرجه في
الفضائل وقال غريب وعن زيد بن أرقم قال استسقى أبو بكر فأتى بإناء فيه ماء وعسل
فلما أدناه من فمه بكى حتى أبكى من عنده فسكت وسكتوا ثم عاد فبكى حتى ظنوا أنهم لا
يقدرون على مسألته ثم مسح وجهه فأفاق فقالوا ما هاجك على هذا البكاء يا أبا بكر
قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يدفع عنه شيئاً يقول إليك عني ولا أرى
معه أحداً فقلت يا رسول الله أراك تدفع عنك شيئاً ولم أر معك أحداً فقال "هذه
الدنيا تمثلت لي بما فيها فقلت إليك عني فتنحت" وقال "أما والله لئن
أفلت مني لا ينفلت مني من بعدك فخشيت أن تكون قد لحقتني فذلك الذي أبكاني"
خرجه الملاء.
ذكر رضاه عن الله تعالى وسلام الله عليه
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا
أبا بكر هذا جبريل يقرئك من الله السلام ويقول لك أراض أنت في فقرك هذا أم
ساخط" فبكى أبو بكر وقال أسخط على ربي أنا عن ربي راض أنا عن ربي راض خرجه
الحافظ بن نعيم البصري.
ذكر خوفه من الله تعالى واعترافه
عن الحسن قال كان أبو بكر يقول يا ليتني كنت شجرة تعضد وتؤكل
وعن أبي عمران الجوني عن أبي بكر أنه كان يقول لوددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن
خرجهما في الصفوة وعن ابن عباس قال لما نزل قوله تعالى "لا ترفعوا أصواتكم
فوق صوت النبي" آلى أبو بكر أن لا يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا
كأخي السرار خرجه الواحدي وخرج في فضائله معناه عن عبد الرحمن بن عوف وعن طاريق بن
شهاب قال قال أبو بكر لما نزلت "إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك
الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى" آليت على نفسي أن لا أكلم رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلا كأخي السرار أخرجه الواحدي وعن أبي بكر رضي الله عنه قال كنت
عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية "من يعمل سوءاً يجز به"
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أبا بكر ألا أقرئك آية أنزلت على قلب
رسول الله صلى الله عليه وسلم" قال فاقرأنيها قال فلا أعلم إلا أني وجدت انقصاماً
في ظهري حتى تمطأت لها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما شأنك يا أبا
بكر" فقلت يا رسول الله بأبي وأمي وأينا لم يعمل سوءاً وإنا لمجزيون بما
عملنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أما أنت يا أبا بكر وأصحابك
المؤمنون فتجزون بذلك حتى تلقوا الله وليست لكم ذنوب وأما الآخرون فيجمع ذلك لهم
حتى يجزوا به يوم القيامة" خرجه في فضائله وخرج الماوردي عنه أنه قال لما
نزلت هذه الآية قال أبو بكر يا رسول الله ما أشد هذه الآية "من يعمل سوءاً
يجز به" فقال صلى الله عليه وسلم "يا أبا بكر إن المصيبة في الدنيا
جزاء" وعن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر لم يحنث قط في يمين حتى أنزل الله
كفارة اليمين فقال لا أحلف على يمين فرأيت غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير
وكفرت عن يميني أخرجه الحميدي عن أبي بكر البرقاني وعن قيس بن أبي حازم قال رأيت
أبا بكر آخذاً بطرف لسانه وهو يقول هذا الذي أوردني الموارد خرجه في الصفوة وعن
عمر أنه دخل على أبي بكر وهو ينصنص لسانه أو يحرك لسانه ويقول إن ذا أوردني
الموارد خرجه صاحب فضائله والملاء بهذا السياق وخرج ابن حرب الطائي أن أبا بكر قال
لساني أوردني الموارد شرح النصنصة بالصاد المهملة معناها التحريك واللقلقة
بالمعجمة لغة فيها إلا أنها غير مسموعة في هذا الحديث وعنه أيضاً أنه دخل عليه وهو
آخذ بطرف لسانه ويقول إن هذا أوردني الموارد ثم قال يا عمر لا حاجة لي في إمارتكم
فقال عمر والله لا نقيلك ولا نستقيلك خرجه في فضائله وروي أنه كان له حصاة يضعها
في فيه خوفاً من فلتات اللسان خرجه الملاء
ذكر ورعه رضي الله عنه.
عن عائشة قالت كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج وكان أبو
بكر يأكل من خراجه فجاء يوماً بشيء فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام تدري ما هذا
فقال أبو بكر ما هو قال كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني
خدعته فلقيني فأعطاني فهذا الذي أكلت منه فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه
أخرجه البخاري وعن زيد بن أرقم قال كان لأبي بكر غلام يغل عليه فأتاه ليلة بطعام
فتناول منه لقمة فقال له المملوك مالك كنت تسألني كل ليلة ولم تسألني الليلة فقال
حملني على ذلك الجوع من أين جئت بهذا قال مررت بقوم في الجاهلية فرقيت لهم فوعدوني
فلما أن جاء اليوم مررت بهم فإذا عرس لهم فأعطوني فقال أف لك وكدت تهلكني فأدخل
يده في حلقه وجعل يتقيأ وجعلت لا تخرج فقيل له إن هذه لا تخرج إلا بالماء فدعا بعس
ماء فجعل يشرب ويتقيأ حتى رمى بها فقيل له يرحمك الله كل هذا من أجل هذه اللقمة
فقال لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
"كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه
اللقمة" خرجه في الصفوة والملاء في سيرته
شرح يغل عليه أي يأتيه بغلته وفلان يغل على فلان وأغل القوم
إذا بلغت غلتهم والعس القدح العظيم وقد تقدم ذكره في شرح قوله صلى الله عليه وسلم
والسحت الحرام والكهانة الأخبار عن المغيبات في مستقبل الزمان وقد كان العرب كهنة
كشن وسطيح وغيرهم فمنهم من كان له تابع من الجن ورئي يلقي إليه الأخبار ومنهم من
يعرف الأمور بمقدماتها وأسبابها يستدل بها على مواقعها من كلام يسأله أو فعله أو
حاله وهذا يخصونه باسم العراف لأنه يدعي معرفة المسروق واسم السارق ومكان السرقة
ومنهم من مستنده في ذلك حساب وخط في رمل وغير ذلك وما أحسن الكهانة فيه إشعار بأنه
لو كان يحسن الكهانة لكان ما يأخذه مباحاً وهو كذلك لأنها معاملة كانت جائزة بينهم
ومعاملة الكفار إذا تعاوضوا فيها قبل الإسلام نفذناها وأمضيناها فلو كان العبد
يحسن الكهانة لاستقرت الأجرة في رقبتهم له ولاستحق مؤاخذة منهم ولما لم يحسنها كان
ذلك جزعاً منه وأكل مالاً بالباطل فإنهم لو علموا أنه لا يحسن الكهانة ما عاملوه
وكانت المعاملة باطلة في أصلها فلذلك حرمت والله أعلم وعن مجاهد قال لما نزل عذر
عائشة جاء أبو بكر فجلس عند رأسها فقالت قد أنزل الله عذري بغير حمد منك ولا صاحبك
فهلا عذرتني فقال لها أبو بكر فكيف أعذرك بما لا أعلم خرجه في فضائله وقال حديث
حسن وعن ميمون بن مهران قال كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله
تعالى فإن وجد فيه ما يقضي به وإن لم يكن في كتاب الله وعلم من سنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم قضى به وإن لم يجد خرج فسأل المسلمين فقال هل علمتم أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بقضاء فربما اجتمع إليه النفر يذكرون من رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيه قضاء فيقول أبو بكر الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ علينا
ديننا أو قال من يحفظ علينا سنة نبينا خرجه الإسماعيلي في معجمه وصاحب فضائله وعن
قبيصة بن ذؤيب قال جاءت الجدة إلى أبي بكر فتسأله ميراثها فقال مالك في كتاب الله
شيء وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فارجعي حتى أسأل الناس
فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاها السدس
فقال هل معك غيرك فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة بن شعبة
فأنفذه لها أبو بكر خرجه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ابن ماجة وعن عائشة قالت
جمع أبي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان خمسمائة حديث فبات ليلته
يتقلب قالت فغمني فقلت لأي شيء تتقلب لشكوى أو لشيء بلغك فلما أصبح قال أي بنية
هلمي الأحاديث التي هي عندك قالت فجئته بها فدعا بنار فأحرقها فقلت ما لك يا أبت
تحرقها قال ما بت الليلة خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته
ووثقت له ولم يكن كما حدثني فأكون قد تقلدت ذلك خرجه في فضائله وقال غريب وعنها
قالت لما مرض أبو بكر مرضه الذي مات فيه فقال انظروا ما زاد في مالي منذ دخلت في
الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة فنظرنا فإذا هو عبد نوبي يحمل صبيانه وإذا ناضح
كان يسقي بستانه فبعثنا بهما إلى عمر فبكى عمر وقال رحمة الله على أبي بكر لقد
أتعب من بعده تعباً شديداً خرجه صاحب الصفوة والفضائلي وخرجه ابن قتيبة في المعارف
ولفظه انظري يا بنية فما زاد في مال أبي بكر منذ ولينا هذا الأمر رديه على
المسلمين فوالله ما نلنا من أموالهم إلا ما أكلنا في بطوننا من جريش الطعام ولبسنا
على ظهورنا من خشن ثيابهم فنظرت فإذا بكر وجرد قطيفة لا تساوي خمسة دراهم فلما جاء
بها الرسول إلى عمر قال له عبد الرحمن بن عوف يا أمير المؤمنين أتسلب هذا ولد أبي
بكر قال كلا ورب الكعبة لا يتأثم بها أبو بكر في حياته وأتحملها بعد موته رحم الله
أبا بكر لقد كلف من بعده تعباً وخرج البغوي معناه في معجمه بزيادة ولفظه يا بنية
إني كنت أتجر قريش وأكثرهم مالاً فلما شغلتني الإمارة رأيت أن أصيب من المال فأصبت
هذه العباءة القطوانية وحلاباً وعبداً فإذا مت فأسرعي بي إلى ابن الخطاب يا بنية
ثيابي هذه كفنيني فيها قالت فبكيت وقلت يا أبت نحن أيسر من ذلك فقال غفر الله لك وهل
ذلك إلا المهل قالت فلما مات بعثت بذلك إلى ابن الخطاب فقال يرحم الله أباك لقد
أحب أن لا يترك لقائل مقالاً وخرج القلعي معناه وقال بعد قوله فأبلغيه
عمر ولم يكن عنده دينار ولا درهم ما كان إلا خادم ولقحة
ومحلب فلما رجعوا من جنازته أمرت به عائشة إلى عمر فقال عمر يرحم الله أبا بكر لقد
أتعب من بعده شرح الناضح البعير يستقى عليه والأنثى ناضحة وسانية جريش الطعام
غليظه وجرشت الشيء إذا لم ينعم دقه وملح جريش لم يطيب البكر بالفتح الفتى من الإبل
والأنثى بكرة وبالكسر المرأة التي ولدت بطناً واحداً وبكرها ولدها الذكر والأنثى
فيه سواء وكذلك هي في الإبل القطيفة دثار مخمل والجمع قطائف وجرد القطيفة من إضافة
الشيء إلى صفته والمراد أن القطيفة انجرد وبرها لكثرة الاستعمال ولعله بالتحريك من
قولهمر ولم يكن عنده دينار ولا درهم ما كان إلا خادم ولقحة ومحلب فلما رجعوا من
جنازته أمرت به عائشة إلى عمر فقال عمر يرحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده شرح
الناضح البعير يستقى عليه والأنثى ناضحة وسانية جريش الطعام غليظه وجرشت الشيء إذا
لم ينعم دقه وملح جريش لم يطيب البكر بالفتح الفتى من الإبل والأنثى بكرة وبالكسر
المرأة التي ولدت بطناً واحداً وبكرها ولدها الذكر والأنثى فيه سواء وكذلك هي في
الإبل القطيفة دثار مخمل والجمع قطائف وجرد القطيفة من إضافة الشيء إلى صفته
والمراد أن القطيفة انجرد وبرها لكثرة الاستعمال ولعله بالتحريك من قولهم رجل أجرد
بين الجرد لا شعر عليه والجرد بالتحريك فضاء لا نبات فيه يتأثم أي يتجنب الإثم
وكذلك يتحرج ويتحنث العباءة القطوانية منسوبة إلى قطوان موضع بالكوفة والحلاب
والمحلب بالكسر الإناء يحلب فيه والمهل هنا القيح والصديد وفي قوله تعالى
"يغاثوا بماء كالمهل" قيل هو النحاس المذاب وقيل دردي الزيت.
فيما جاء متضمناً صلاة النبي صلى
الله عليه وسلم له بالجنة
وقد تقدم من أحاديث هذا الفصل ما جاء في العشرة وفيما دون
العشرة وفي الأربعة وفي الثلاثة وفي الشيخين في أبوابهم في كل باب ذكر يخص هذا
المعنى وتقدم في فصل الخصائص حديث أبي هريرة في أنه أول من يدخل الجنة وحديث ابن
عمر والزبير أنه رفيقه في الجنة.
ذكر ما جاء أنه يدعى من أبواب
الجنة كلها
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال "من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان
من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان
من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان"
فقال أبو بكر يا رسول الله بأبي أنت وأمي هل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم وأرجو أن تكون منهم أخرجاه أحمد والترمذي وأبو
حاتم وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أنفق من ماله زوجين في
سبيل الله ابتدرته حجبة الجنة يا عبد الله يا مسلم هذا خير لك" قال فضرب رسول
الله صلى الله عليه وسلم فخذ أبي بكر قال أما "إنك منهم" خرجه القلعي
شرح قوله زوجين جاء في الحديث قيل وما الزوجان قال فرسان أو عبدان أو بعيران وهكذا
فسره بعض العلماء وقال الحسن البصري شيئان متغايران درهم ودينار درهم وقوت خف
ولجام قال الباجي يحتمل أن يريد بذلك العمل من صلاتين أو صيام يومين والأصل في
الزوج الصنف والنوع من كل شيء وكل شيئين متفرقين مثلين كانا أو غير مثلين فهما
زوجان وكل واحد منهما زوج والمراد أنفق نوعين من ماله.
ذكر ما جاء أن الملائكة تزفه إلى
الجنان مع النبيين والصديقين
عن جابر بن عبد الله قال" قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم "تأتي الملائكة بأبي بكر الصديق مع النبيين والصديقين تزفه إلى الجنة
زفافاً" خرجه في فضائله وقد تقدم مثله في باب أبي بكر وعمر مختصاً بأبي بكر
من حديث زيد بن ثابت إلا أنه لم يذكر فيه النبيين والصديقين.
ذكر تنعمه في الجنة
عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن طير الجنة
كأمثال البخت نزعاً في شجر الجنة" قال أبو بكر يا رسول الله إن هذه الطير
ناعمة فقال "آكلها أنعم منها قالها ثلاثاً وإني لأرجو أن تكون ممن يأكل
منها" خرجه أحمد وعن ابن عمر قال ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم طوبى فقال
"يا أبا بكر هل بلغك ما طوبى قال الله ورسوله أعلم قال طوبى شجرة في الجنة لا
يعلم ما طولها إلا الله عز وجل يسير الراكب تحت غصن من أغصانها سبعين خريفاً يقع
عليها طير أمثال البخت" قال أبو بكر إن هذا الطير لناعم يا رسول الله قال
"أنعم منه من يأكله وأنت منهم إن شاء الله يا أبا بكر خرجه الخلعي.
ذكر وصف برج له في الجنة
عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لما
دخلت الجنة ليلة أسري بي فنظرت إلى برج أعلاه حرير وأسلفه حرير فقلت يا جبريل لمن
هذا البرج فقال هذا لأبي بكر خرجه في فضائله.
ذكر ما له من الحور الورديات
عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن في
الجنة حوراً خلقهن الله تعالى من الورد يقال لهن الورديات لا يتزوج بهن إلا نبي أو
صديق أو شهيد وان لأبي بكر منهن أربعمائة".
ذكر تشوق أهل الجنة إليه وتسليمهم
عليه إذا دخلها
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"يدخل رجل الجنة فلا يبقى أهل دار ولا أهل غرفة إلا قالوا مرحباً إلينا
إلينا" قال أبو بكر يا رسول الله ماتوا على هذا الرجل في ذلك اليوم قال أجل
وأنت هو يا أبا بكر خرجه أبو حاتم هكذا بالتاء باثنتين معدي بعلي ولعله أراد التوى
بالقصر الهلاك وخرجه في الفضائل ماثوا هذا الرجل بالمثلثة بإسقاط على وقال الثوي
يقال ثوى يثوي ثوا أي أقام والأول أنسب للجواب بأجل.
الفصل الثاني عشر
في ذكر نبذ من فضائله
قال أبو عمر وغيره واللفظ له لا يختلفون أن أبا بكر شهد
بدراً والحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لم يكن رفيقه من أصحابه
غيره وأنه كان مؤنسه في الغار وأنه قام بقتال أهل الردة وظهر من فضل رأيه في ذلك
وشدة بأسه مع لينه ما لم يحتسب وأظهر الله به دينه وقتل على يديه كل من ارتد عن
دين الله حتى ظهر أمر الله وهم كارهون وقال صاحب الصفوة ذكر أهل العلم بالتواريخ
أنه لم يفته مشهد من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه ثبت مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين انهزم الناس ودفع إليه رسول الله صلى الله
عليه وسلم رايته العظمى يوم تبوك وأنه تنزه عن شرب المسكر في الجاهلية والإسلام
وأنه أول ممن فاء تحرزاً من الشبهات.
ذكر ما جاء في أنه كان خيراً كله
عن طارق قال جاء ناس إلى ابن عباس فقالوا له أي رجل كان أبو
بكر قال كان خيراً كله أو قال كالخير كله على حدة كانت فيه خرجه أبو عمر وعن عبد
خير عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الخير ثلثمائة وستون خصلة
إذا أراد الله بعبد خيراً جعل فيه واحدة منهن فدخل بها الجنة" قال فقال أبو
بكر يا رسول الله هل في شيء منها قال نعم "جمع من كل" خرجه في فضائله
وخرجه ابن البهلول من حديث سليمان بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الربيع
بن أنس قال مكتوب في الكتاب الأول مثل أبي بكر مثل القطر حيثما وقع نفع خرجه في
فضائله أيضاً وقال حسن.
ذكر إثبات أفضليته بالمصاهرة
تقدم في باب ما دون العشرة أن مصاهرته صلى الله عليه وسلم
والمصاهرة إليه موجبة للجنة محرمة على النار وعن ابن عمر عن عمر سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول "كل نسب وصهر منقطع إلا نسبي وصهري" خرجه تمام
في فوائده وسيأتي كيفية تزوجه صلى الله عليه وسلم بعائشة في بابها من كتاب مناقب
أمهات المؤمنين إن شاء الله تعالى.
ذكر منزلته عند النبي صلى الله
عليه وسلم
عن ابن عباس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفاً
مع علي إذ أقبل أبو بكر فصافحه النبي صلى الله عليه وسلم وعانقه وقبل فاه أبي بكر
فقال صلى الله عليه وسلم يا أبا الحسن منزلة أبي بكر عندي كمنزلتي عند ربي خرجه
الملاء في سيرته.
ذكر أنه كان عنده بمنزلة سمعه
وبصره
عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر يوم
بدر وقد أراد أن يتقدم في أول الخيل فمنعه وقال "أما تعلم أنك عندي بمنزلة
سمعي وبصري" خرجه الواحدي وأبو الفرج في أسباب النزول في قوله تعالى "لا
تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله" الآية.
ذكر أدبه مع النبي صلى الله عليه
وسلم
عن يزيد بن الأصم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر
أنا أكبر أو أنت قال لا بل أنت أكبر مني وأكرم وخير مني وأنا أسن منك خرجه ابن
الضحاك وعن الحسن قال لما بويع أبو بكر قام دون مقام النبي صلى الله عليه وسلم
خرجه حمزة بن الحارث.
ذكر أنه لم يسؤ النبي صلى الله
عليه وسلم قط
عن سهل بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"يا أيها الناس إن أبا بكر لم يسوءني فاعرفوا له ذلك" خرجه الخلعي.
ذكر كتمه سر النبي صلى الله عليه
وسلم
عن عمر بن الخطاب قال تأيمت حفصة من خنيس بن حذافة وكان ممن
شهد بدراً فلقيت عثمان بن عفان فقلت إن شئت أنكحتك حفصة فقال أنظر ثم لقيني فقال
قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا فلقيت أبا بكر فعرضتها عليه فصمت فكنت أوجد مني
على عثمان فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه ثم
لقيني أبو بكر فقال لعلك وجدت علي حين لم أرجع إليك فقلت أجل فقال إنه لم يمنعني
أن أرجع إليك إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها فلم أكن
لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها لنكحتها أخرجه البخاري شرح اختلف
في موجدته على أبي بكر لماذا كانت فقيل لمكان الود الذي كان بينهما في الصحبة وقيل
لأنه لم يرجع إليه شيئاً وعثمان أراحه ولم يعلق خاطره فلذلك اختلف وجده عليهما
فكان على أبي بكر أكثر وقد جاء في بعض الطرق فكانت موجدتي على أبي بكر أكثر من
موجدتي على عثمان.
ذكر حبه صلة قرابة رسول الله صلى
الله عليه وسلم أكثر من حبه صلة قرابته
عن عائشة رضي الله عنها قالت قال أبو بكر والله لقرابة رسول
الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي أخرجه في حديث طويل.
ذكر إيثاره سرور رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقرة عينه
تقدم في إسلام أبي قحافة من حديث أسماء قول أبي بكر أما
والذي بعثك بالحق لأنا كنت أشد فرحاً بإسلام أبي طالب مني بإسلام أبي ألتمس بذلك
قرة عينك قال صدقت وعن أنس قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد
قد أطاف به أصحابه إذ أقبل علي بن أبي طالب فوقف فسلم ثم نظر مجلساً يشبهه فنظر
رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوه أصحابه أيهم يوسع له فكان أبو بكر جالساً
على يمين النبي صلى الله عليه وسلم فتزحزح له عن مجلس وقال ههنا يا أبا الحسن فجلس
بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر قال أنس فرأيت السرور في وجه رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال "يا أبا بكر إنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوو
الفضل" خرجه أحمد في المناقب والخلعي وابن السمان في الموافقة ومما يقرب من
هذا ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه جلس على منبر النبي صلى الله عليه
وسلم فصعد إليه الحسن فقال انزل عن مجلس أبي فقال مجلس أبيك لا مجلس أبي وبكى
وأجلسه في حجره وبكى وقال علي والله ما هذا عن رأيي فقال والله ما اتهمتك وفي
رواية فبلغ ذلك علياً فجاء وقال أعوذ بالله من غضب الله وغضب خليفة رسول الله صلى
الله عليه وسلم ثم قال والله ما أمرناه فقال أبو بكر والله ما اتهمتك خرجه ابن
السمان.
ذكر وفائه بعدات رسول الله صلى
الله عليه وسلم بعد وفاته
عن جابر قال أتي أبو بكر بمال من البحرين فقال من كانت له
عدة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فليأت فقمت فقلت لي عدة عند رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال وما عدتك فقلت قال لي لأن أتاني الله مالاً لأحثين لك هكذا
وهكذا قال فحثا لي أبو بكر كما قلت ثلاث حثيات حديث حسن صحيح وعن حبشي بن جنادة
قال كنت جالساً عند أبي بكر فقال من كانت له عدة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
فليقم فقام رجل فقال يا خليفة رسول الله وعدني ثلاث حثيات من تمر قال فقال أرسلوا
إلى علي فقال يا أبا الحسن إن هذا يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعده ثلاث
حثيات من تمر فأحثها له قال فحثاها قال أبو بكر عدوها فوجدوا في كل حثية ستين تمرة
لا تزيد واحدة على الأخرى فقال أبو بكر صدق الله ورسوله قال لي رسول الله صلى الله
عليه وسلم ليلة الهجرة ونحن خارجون من الغار نريد المدينة "يا أبا بكر كفي
وكف علي في العدد سواء" خرجه ابن السمان في الموافقة.
ذكر أن الله أعطاه ثواب من آمن
بالنبي صلى الله عليه وسلم
عن علي بن أبي طالب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول لأبي بكر "يا أبا بكر إن الله أعطاني ثواب من آمن به منذ خلق آدم إلى أن
بعثني وإن الله أعطاك ثواب من آمن بي منذ بعثني إلى أن تقوم الساعة" خرجه
الخلعي والملاء وصاحب فضائله.
ذكر شجاعته وثبات قلبه عند
الحوادث
تقدمت أحاديث هذا الذكر في ذكر اختصاصه بأنه أشجع الناس في
فضل خصائصه
ذكره علمه
تقدم أيضاً في ذكر اختصاصه بالفهم عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأعلميته بالأمور طرف منه وذكرنا فيه ما يتضمن علمه وأعلميته فلينظر ثمة
ومما يلتحق بهذا.
ذكر فراسته وكراماته
عن عائشة أن أبا بكر كان نحلها جاد عشرين وسقاً من ماله بالغابة
فلما حضرته الوفاة قال والله يا بنية ما في الناس أحد أحب إلي غناء بعدي منك ولا
أعز علي فقراً بعدي منك وإني كنت نحلتك جاد عشرين وسقاً فلو كنت جددته واحترزته
كان لك وإنما هو اليوم مال الوارث وإنما هو أخواك وأختاك فاقتسموه على كتاب الله
قالت قلت يا أبت لو كان كذا وكذا لتركته إنما هي أسماء فمن الأخرى قال ذو بطن بنت
خارجة أراها جارية خرجه في الموطأ وخرجه أبو معاوية الضرير وزاد بعد قوله ذو بطن
بنت جارية استوصي بها خيراً وإنه قد ألقي في نفسي أنها جارية فولدت أم كلثوم شرح
جاد عشرين وسقاً أي ما يجد من ذلك ذكره الهروي وروى أن بني طي لما مات رسول الله
صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب عزموا على الردة ومنع الزكاة فقام فيهم عدي بن
حاتم ووعظهم وخوفهم بالله وأعانه على ذلك زيد الخيل ثم إن عدي بن حاتم قدم على أبي
بكر بزكاة طي فسلم عليه فقال له أتعرفني يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال نعم أنت عدي الذي آمنت حين كفروا وأقبلت حين أدبروا وأوفيت حين غدروا قد عرفتك
وصاحبك زيد الخيل ولو لم أعرفكما لعرفكما الله خرجه الملاء.
ذكر اقتفائه آثار النبوة واتباعه
إياها
تقدم في قتال أهل الردة قوله والله لو منعوني عقالاً وفي
رواية عناقاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه وعن
عائشة أن فاطمة سألت أبا بكر أن يقسم لها ميراثها
وفي رواية أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما
من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر قال
أبو بكر إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا نورث ما تركنا
صدقة" إنما كان يأكل آل محمد من هذا المال وإني والله لا أدع أمراً رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيه إلا صنعته زاد في رواية إني أخشى إن تركت شيئاً
من أمره أن أزيع ثم ذكر قصة طويلة أخرجاه وقد روى حديث نفي الميراث جماعة من
الصحابة أبو هريرة ولفظه "لا يقتسم ورثتي ديناراً ولا درهماً ما تركت بعد
نفقة نسائي ومؤونة عاملي فهو صدقة" أخرجه البخاري وابن عمر وعثمان وعبد
الرحمن بن عوف وسعداً وعبد الرحمن بن عوف فقال نشدتكم بالذي تقوم السماء والأرض
بإذنه ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا نورث ما تركنا
صدقة" قالوا نعم خرجه الخلعي وفي حديث أبي هريرة تصريح بأن ما تركه صلى الله
عليه لا يورث مطلقاً وإن ما تركه يصنع به ما أمر به من صرفه في النفقة المذكورة ثم
يتصدق بفاضله وهذا يرد رواية من روى ما تركنا صدقة بالنصب فإن صحت فهي غلط وإلا
فالغالب أنها من وضع بعض المبتدعة حتى يجعل الميراث ثابتاً والصدقة فيما تركه
للصدقة وعن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه قال جاءت فاطمة إلى أبي
بكر فقالت أعطني فدك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبها لي قال صدقت يا بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسمها
فيعطي الفقراء والمساكين وابن السبيل بعد أن يعطيكم منها قوتكم فما تصنعين بها
قالت أفعل فيها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل قال ولك علي أن أفعل
فيها ما كان أبوك يفعل قالت والله لتفعلن ذلك قال والله لأفعلن ذلك قالت اللهم
اشهد قال فكان أبو بكر يعطيهم منها قوتهم ويقسم الباقي في الفقراء والمساكين وابن
السبيل ثم ولى ذلك عمر ففعل مثل ذلك ثم فعل ذلك علي بن أبي طالب فقيل له في ذلك
فقال إني لأستحيي من الله أن أنقض شيئاً فعله أبو بكر وعمر وعن أبي الطفيل قال
جاءت فاطمة إلى أبي بكر فقالت يا خليفة رسول الله أنت ورثت رسول الله أم أهله فقال
لا بل أهله قالت فما بال الخمس فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
"إن الله إذا أطعم نبياً طعمة ثم قبضه كانت للذي بعده" فلما وليت رأيت
أن أرده على المسلمين قالت أنت ورسول الله أعلم ورجعت خرجه ابن السمان في الموافقة
وعن مالك بن أوس بن الحدثان قال أتى العباس وعلي أبا بكر لما استخلف فجاء علي يطلب
نصيب فاطمة وجاء العباس يطلب نصيبه مما كان في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان
في يده نصف خيبر ثمانية عشر سهماً وكانت ستة وثلاثين سهماً وأرض بني قريظة وفدك
فقالا ادفعها إلينا إنها كانت في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما أبو
بكر لا أرى ذلك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول "إنا معاشر
الأنبياء لا نورث ما تركنا فهو صدقة" فقام قوم من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم فشهدوا بذلك قالا فدعها تكن في أيدينا تجري على ما كانت في يد رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال لا أرى ذلك أنا الوالي من بعده وأنا أحق بذلك منكما أضعها
في موضعها الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يضعها فيه فأبى أن يدفع إليهما شيئاً
فلما ولي عمر أتياه ثم ذكر قصة طويلة مضمونها أنهما ترددا إليه حتى دفعها إليهما
وأخذ عليهما العهد أن يعملا فيها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل خرجه
بهذا السياق تمام في فوائده ومعناه في الصحيح وعن معاذ بن رفاعة عن أبيه قال قام
أبو بكر الصديق على المنبر فبكى ثم قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عام
الأول على المنبر فبكى ثم قال "سلوا الله العفو والعافية فإن أحداً لم يعط
بعد اليقين خيراً من العافية" خرجه الترمذي والحافظ الدمشقي في الموافقات.
ذكر أنه من الذين استجابوا لله
والرسول
عن عروة عن عائشة قالت لي أبواك والله من الذين استجابوا لله
والرسول من بعد ما أصابهم القرح خرجه مسلم وفي رواية يعني أبا بكر والزبير وقد
خرجه البخاري في قصة طويلة ستأتي في فصل فضائل الزبير إن شاء الله.
ذكر تعبده وما جاء من حسن صلاته
عن عبد الرزاق قال أهل مكة يقولون أخذ ابن جريج الصلاة من
عطاء وأخذها عطاء من الزبير وأخذها ابن الزبير من أبي بكر وأخذها أبو بكر من رسول
الله صلى الله عليه وسلم خرجه في الصفوة وعن أنس قال صلى أبو بكر بالناس الفجر
فاقترأ البقرة في ركعتيه فلما انصرف قال له عمر يا خليفة رسول الله ما انصرفت حتى
رأينا أن الشمس قد طلعت قال لو طلعت لم تجدنا غافلين خرجه البغوي والمخلص الذهبي
وقد تقدم ما جاء في وتره أول الليل في باب الشيخين.
ذكر نبذ من أدعيته وتسبيحه
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن أبي بكر أنه
قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم "علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال قل
اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك
وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" أخرجاه وعن أبي راشد الخيراني قال أتيت ابن
عمر فقلت له حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى صحيفة فنظرت
فإذا فيها أن أبا بكر الصديق قال يا رسول الله علمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت
قال "يا أبا بكر قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة لا إله
إلا أنت رب كل شيء ومليكه أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه وأن أقترف على
نفسي شراً أو أن أجره إلى مسلم خرجه ابن عرفة العبدي والترمذي عنه وفي طريق عند
غيرهما "قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك" وعن أبي يزيد المدني
قال كان من بين دعاء أبي بكر اللهم هب لي إيماناً ويقيناً ومعافاة ونية أخرجه ابن
أبي الدنيا وعن أبي معاوية بن قرة قال بلغني أن أبا بكر كان يقول اللهم اجعل خير
عمري آخره وخير عملي خواتمه وخير أيامي يوم لقائك خرجه في فضائله وعن جعفر الصادق
قال كان أكثر كلام أبي بكر الصديق لا إله إلا الله خرجه الخجندي.
ذكر اشتماله على أنواع من البر
تقدم في خصائصه ذكر اختصاصه بالسبق إلى أنواع من البر في
اليوم الواحد وفي فضل الشهادة له بالجنة.
ذكر أنه يدعى من أبواب الجنة كلها
وفيها طرف من ذلك
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"إذا كان يوم القيامة دعي الإنسان بأفضل عمل يكون فيه فإن كانت الصلاة أفضل
عمله دعي بها وإن كان الصيام أفضل عمله دعي به وإن كان الجهاد أفضل عمله دعي
به" قال أبو بكر يا رسول الله وثم أحد يدعي بعملين قال نعم أنت وفي رواية وثم
باب من أبواب الجنة يقال له الريان فقال أبو بكر يا رسول الله وثم أحد يدعي منها
كلها قال نعم أنت خرجهما في فضائله شرح زوجين وجاء في بعضها زوجاً وهما بمعنى واحد
وكل شيء قرن بصاحبه فهو زوج وزوجين فالمرأة زوج الرجل وهو زوجها ومنه قولهم زوجت
بين الإبل أي قرنت كل واحد بشكله وكذلك كل شيء قال تعالى "ومن كل شيء خلقنا
زوجين" أي مثلين وشكلين وقد تقدم زيادة بيان في ذلك في باب الشهادة له بالجنة
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من رجل ينفق زوجين في سبيل
الله إلا والملائكة معهم الرياحين على أبواب الجنة ينادونه يا عبد الله يا مسلم
هلم" فقال أبو بكر إن هذا الرجل ما على ماله توى فقال يا أبا بكر "إني
لأرجو أن تكون منهم بل وأنت منهم" خرجه في فضائله شرح توى مصدر توى المال
يتوي تواء إذا هلك وأتوى فلان ماله إذا أذهبه وقول أبي بكر ما على ماله توى إشارة
إلى حسن العاقبة فيه.
ذكر ما أخبرت به زوجته من عمله وأنه كان يوجد منه رائحة كبد
مشوي
وروى أن عمر بن الخطاب أتى إلى زوجة أبي بكر بعد موته فسألها
عن أعمال أبي بكر في بيته ما كانت فأخبرته بقيامه في الليل وأعمال كان يعلمها ثم
قالت إلا أنه كان في كل ليلة جمعة يتوضأ ويصلي العشاء ثم يجلس مستقبل القبلة رأسه
على ركبتيه فإذا كان وقت السحر رفع رأسه وتنفس الصعداء فيشم في البيت روائح كبد
مشوي فبكى عمر وقال أني لابن الخطاب بكبد مشوي خرجه الملاء في سيرته.
ذكر زهده رضي الله عنه
تقدم من حديث هذا الذكر خروجه عن جميع ماله في كتاب الشيخين
وحديث على إن تؤمروا أبا بكر تجدوه زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة في باب أبي
بكر وعمر وعلي وحديث تحلله بالعبا في فضل خصائصه في ذكر اختصاصه بمواساة النبي صلى
الله عليه وسلم عن ابن عباس قال مات النبي صلى الله عليه وسلم وعليه إحدى عشرة
رقعة بعضها من آدم ومات أبو بكر وعليه ثلاث عشرة رقعة بعضها من آدم خرجه في
الفضائل وقال غريب وعن زيد بن أرقم قال استسقى أبو بكر فأتى بإناء فيه ماء وعسل
فلما أدناه من فمه بكى حتى أبكى من عنده فسكت وسكتوا ثم عاد فبكى حتى ظنوا أنهم لا
يقدرون على مسألته ثم مسح وجهه فأفاق فقالوا ما هاجك على هذا البكاء يا أبا بكر
قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يدفع عنه شيئاً يقول إليك عني ولا أرى
معه أحداً فقلت يا رسول الله أراك تدفع عنك شيئاً ولم أر معك أحداً فقال "هذه
الدنيا تمثلت لي بما فيها فقلت إليك عني فتنحت" وقال "أما والله لئن
أفلت مني لا ينفلت مني من بعدك فخشيت أن تكون قد لحقتني فذلك الذي أبكاني"
خرجه الملاء.
ذكر رضاه عن الله تعالى وسلام الله عليه
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا
أبا بكر هذا جبريل يقرئك من الله السلام ويقول لك أراض أنت في فقرك هذا أم
ساخط" فبكى أبو بكر وقال أسخط على ربي أنا عن ربي راض أنا عن ربي راض خرجه
الحافظ بن نعيم البصري.
ذكر خوفه من الله تعالى واعترافه
عن الحسن قال كان أبو بكر يقول يا ليتني كنت شجرة تعضد وتؤكل
وعن أبي عمران الجوني عن أبي بكر أنه كان يقول لوددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن
خرجهما في الصفوة وعن ابن عباس قال لما نزل قوله تعالى "لا ترفعوا أصواتكم
فوق صوت النبي" آلى أبو بكر أن لا يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا
كأخي السرار خرجه الواحدي وخرج في فضائله معناه عن عبد الرحمن بن عوف وعن طاريق بن
شهاب قال قال أبو بكر لما نزلت "إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك
الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى" آليت على نفسي أن لا أكلم رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلا كأخي السرار أخرجه الواحدي وعن أبي بكر رضي الله عنه قال كنت
عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية "من يعمل سوءاً يجز به"
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أبا بكر ألا أقرئك آية أنزلت على قلب
رسول الله صلى الله عليه وسلم" قال فاقرأنيها قال فلا أعلم إلا أني وجدت انقصاماً
في ظهري حتى تمطأت لها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما شأنك يا أبا
بكر" فقلت يا رسول الله بأبي وأمي وأينا لم يعمل سوءاً وإنا لمجزيون بما
عملنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أما أنت يا أبا بكر وأصحابك
المؤمنون فتجزون بذلك حتى تلقوا الله وليست لكم ذنوب وأما الآخرون فيجمع ذلك لهم
حتى يجزوا به يوم القيامة" خرجه في فضائله وخرج الماوردي عنه أنه قال لما
نزلت هذه الآية قال أبو بكر يا رسول الله ما أشد هذه الآية "من يعمل سوءاً
يجز به" فقال صلى الله عليه وسلم "يا أبا بكر إن المصيبة في الدنيا
جزاء" وعن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر لم يحنث قط في يمين حتى أنزل الله
كفارة اليمين فقال لا أحلف على يمين فرأيت غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير
وكفرت عن يميني أخرجه الحميدي عن أبي بكر البرقاني وعن قيس بن أبي حازم قال رأيت
أبا بكر آخذاً بطرف لسانه وهو يقول هذا الذي أوردني الموارد خرجه في الصفوة وعن
عمر أنه دخل على أبي بكر وهو ينصنص لسانه أو يحرك لسانه ويقول إن ذا أوردني
الموارد خرجه صاحب فضائله والملاء بهذا السياق وخرج ابن حرب الطائي أن أبا بكر قال
لساني أوردني الموارد شرح النصنصة بالصاد المهملة معناها التحريك واللقلقة
بالمعجمة لغة فيها إلا أنها غير مسموعة في هذا الحديث وعنه أيضاً أنه دخل عليه وهو
آخذ بطرف لسانه ويقول إن هذا أوردني الموارد ثم قال يا عمر لا حاجة لي في إمارتكم
فقال عمر والله لا نقيلك ولا نستقيلك خرجه في فضائله وروي أنه كان له حصاة يضعها
في فيه خوفاً من فلتات اللسان خرجه الملاء
ذكر ورعه رضي الله عنه.
عن عائشة قالت كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج وكان أبو
بكر يأكل من خراجه فجاء يوماً بشيء فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام تدري ما هذا
فقال أبو بكر ما هو قال كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني
خدعته فلقيني فأعطاني فهذا الذي أكلت منه فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه
أخرجه البخاري وعن زيد بن أرقم قال كان لأبي بكر غلام يغل عليه فأتاه ليلة بطعام
فتناول منه لقمة فقال له المملوك مالك كنت تسألني كل ليلة ولم تسألني الليلة فقال
حملني على ذلك الجوع من أين جئت بهذا قال مررت بقوم في الجاهلية فرقيت لهم فوعدوني
فلما أن جاء اليوم مررت بهم فإذا عرس لهم فأعطوني فقال أف لك وكدت تهلكني فأدخل
يده في حلقه وجعل يتقيأ وجعلت لا تخرج فقيل له إن هذه لا تخرج إلا بالماء فدعا بعس
ماء فجعل يشرب ويتقيأ حتى رمى بها فقيل له يرحمك الله كل هذا من أجل هذه اللقمة
فقال لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
"كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه
اللقمة" خرجه في الصفوة والملاء في سيرته
شرح يغل عليه أي يأتيه بغلته وفلان يغل على فلان وأغل القوم
إذا بلغت غلتهم والعس القدح العظيم وقد تقدم ذكره في شرح قوله صلى الله عليه وسلم
والسحت الحرام والكهانة الأخبار عن المغيبات في مستقبل الزمان وقد كان العرب كهنة
كشن وسطيح وغيرهم فمنهم من كان له تابع من الجن ورئي يلقي إليه الأخبار ومنهم من
يعرف الأمور بمقدماتها وأسبابها يستدل بها على مواقعها من كلام يسأله أو فعله أو
حاله وهذا يخصونه باسم العراف لأنه يدعي معرفة المسروق واسم السارق ومكان السرقة
ومنهم من مستنده في ذلك حساب وخط في رمل وغير ذلك وما أحسن الكهانة فيه إشعار بأنه
لو كان يحسن الكهانة لكان ما يأخذه مباحاً وهو كذلك لأنها معاملة كانت جائزة بينهم
ومعاملة الكفار إذا تعاوضوا فيها قبل الإسلام نفذناها وأمضيناها فلو كان العبد
يحسن الكهانة لاستقرت الأجرة في رقبتهم له ولاستحق مؤاخذة منهم ولما لم يحسنها كان
ذلك جزعاً منه وأكل مالاً بالباطل فإنهم لو علموا أنه لا يحسن الكهانة ما عاملوه
وكانت المعاملة باطلة في أصلها فلذلك حرمت والله أعلم وعن مجاهد قال لما نزل عذر
عائشة جاء أبو بكر فجلس عند رأسها فقالت قد أنزل الله عذري بغير حمد منك ولا صاحبك
فهلا عذرتني فقال لها أبو بكر فكيف أعذرك بما لا أعلم خرجه في فضائله وقال حديث
حسن وعن ميمون بن مهران قال كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله
تعالى فإن وجد فيه ما يقضي به وإن لم يكن في كتاب الله وعلم من سنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم قضى به وإن لم يجد خرج فسأل المسلمين فقال هل علمتم أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بقضاء فربما اجتمع إليه النفر يذكرون من رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيه قضاء فيقول أبو بكر الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ علينا
ديننا أو قال من يحفظ علينا سنة نبينا خرجه الإسماعيلي في معجمه وصاحب فضائله وعن
قبيصة بن ذؤيب قال جاءت الجدة إلى أبي بكر فتسأله ميراثها فقال مالك في كتاب الله
شيء وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فارجعي حتى أسأل الناس
فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاها السدس
فقال هل معك غيرك فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة بن شعبة
فأنفذه لها أبو بكر خرجه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ابن ماجة وعن عائشة قالت
جمع أبي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان خمسمائة حديث فبات ليلته
يتقلب قالت فغمني فقلت لأي شيء تتقلب لشكوى أو لشيء بلغك فلما أصبح قال أي بنية
هلمي الأحاديث التي هي عندك قالت فجئته بها فدعا بنار فأحرقها فقلت ما لك يا أبت
تحرقها قال ما بت الليلة خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته
ووثقت له ولم يكن كما حدثني فأكون قد تقلدت ذلك خرجه في فضائله وقال غريب وعنها
قالت لما مرض أبو بكر مرضه الذي مات فيه فقال انظروا ما زاد في مالي منذ دخلت في
الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة فنظرنا فإذا هو عبد نوبي يحمل صبيانه وإذا ناضح
كان يسقي بستانه فبعثنا بهما إلى عمر فبكى عمر وقال رحمة الله على أبي بكر لقد
أتعب من بعده تعباً شديداً خرجه صاحب الصفوة والفضائلي وخرجه ابن قتيبة في المعارف
ولفظه انظري يا بنية فما زاد في مال أبي بكر منذ ولينا هذا الأمر رديه على
المسلمين فوالله ما نلنا من أموالهم إلا ما أكلنا في بطوننا من جريش الطعام ولبسنا
على ظهورنا من خشن ثيابهم فنظرت فإذا بكر وجرد قطيفة لا تساوي خمسة دراهم فلما جاء
بها الرسول إلى عمر قال له عبد الرحمن بن عوف يا أمير المؤمنين أتسلب هذا ولد أبي
بكر قال كلا ورب الكعبة لا يتأثم بها أبو بكر في حياته وأتحملها بعد موته رحم الله
أبا بكر لقد كلف من بعده تعباً وخرج البغوي معناه في معجمه بزيادة ولفظه يا بنية
إني كنت أتجر قريش وأكثرهم مالاً فلما شغلتني الإمارة رأيت أن أصيب من المال فأصبت
هذه العباءة القطوانية وحلاباً وعبداً فإذا مت فأسرعي بي إلى ابن الخطاب يا بنية
ثيابي هذه كفنيني فيها قالت فبكيت وقلت يا أبت نحن أيسر من ذلك فقال غفر الله لك وهل
ذلك إلا المهل قالت فلما مات بعثت بذلك إلى ابن الخطاب فقال يرحم الله أباك لقد
أحب أن لا يترك لقائل مقالاً وخرج القلعي معناه وقال بعد قوله فأبلغيه
عمر ولم يكن عنده دينار ولا درهم ما كان إلا خادم ولقحة
ومحلب فلما رجعوا من جنازته أمرت به عائشة إلى عمر فقال عمر يرحم الله أبا بكر لقد
أتعب من بعده شرح الناضح البعير يستقى عليه والأنثى ناضحة وسانية جريش الطعام
غليظه وجرشت الشيء إذا لم ينعم دقه وملح جريش لم يطيب البكر بالفتح الفتى من الإبل
والأنثى بكرة وبالكسر المرأة التي ولدت بطناً واحداً وبكرها ولدها الذكر والأنثى
فيه سواء وكذلك هي في الإبل القطيفة دثار مخمل والجمع قطائف وجرد القطيفة من إضافة
الشيء إلى صفته والمراد أن القطيفة انجرد وبرها لكثرة الاستعمال ولعله بالتحريك من
قولهمر ولم يكن عنده دينار ولا درهم ما كان إلا خادم ولقحة ومحلب فلما رجعوا من
جنازته أمرت به عائشة إلى عمر فقال عمر يرحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده شرح
الناضح البعير يستقى عليه والأنثى ناضحة وسانية جريش الطعام غليظه وجرشت الشيء إذا
لم ينعم دقه وملح جريش لم يطيب البكر بالفتح الفتى من الإبل والأنثى بكرة وبالكسر
المرأة التي ولدت بطناً واحداً وبكرها ولدها الذكر والأنثى فيه سواء وكذلك هي في
الإبل القطيفة دثار مخمل والجمع قطائف وجرد القطيفة من إضافة الشيء إلى صفته
والمراد أن القطيفة انجرد وبرها لكثرة الاستعمال ولعله بالتحريك من قولهم رجل أجرد
بين الجرد لا شعر عليه والجرد بالتحريك فضاء لا نبات فيه يتأثم أي يتجنب الإثم
وكذلك يتحرج ويتحنث العباءة القطوانية منسوبة إلى قطوان موضع بالكوفة والحلاب
والمحلب بالكسر الإناء يحلب فيه والمهل هنا القيح والصديد وفي قوله تعالى
"يغاثوا بماء كالمهل" قيل هو النحاس المذاب وقيل دردي الزيت.
مواضيع مماثلة
» ذكر اختصاصه بأنه أرحم الأمة بالأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم
» ذكر الغار وما جرى لأبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي طريقه وتقدم في الذكر قبله طرف منه
» ذكر اختصاصه بأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورته
» ذكر اختصاصه بالفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه كان أعلمهم بالأمور وأعلمهم به
» ذكر ما جاء في التحذير من الخوض فيما شجر بينهم والنهي عن سبهم
» ذكر الغار وما جرى لأبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي طريقه وتقدم في الذكر قبله طرف منه
» ذكر اختصاصه بأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورته
» ذكر اختصاصه بالفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه كان أعلمهم بالأمور وأعلمهم به
» ذكر ما جاء في التحذير من الخوض فيما شجر بينهم والنهي عن سبهم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى