الفصل التاسع في خصائصه
صفحة 1 من اصل 1
الفصل التاسع في خصائصه
الفصل التاسع
في خصائصه
وقد تقدم منها طرف جيد في أبواب الأعداد خاصة في باب الشيخين
وتقدم منها أنه أول من أسلم على الاختلاف فيه وأول من أظهر إسلامه وأنه لم يتردد
ولم يتلعثم حين عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام تقدماً في فضل إسلامه
واختصاصه بالصديقية وقد تقدم الكلام فيها في فصل اسمه وأنه أول خطيب دعا إلى الله
تعالى في فصل إسلام أمه وأنه أول من تنشق عنه الأرض بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
تقدم في باب مناقب الشيخين وأنه لم يجتمع لأحد من المهاجرين إسلام أبويه غيره تقدم
فيه أيضاً من حديث علي واختصاصه بصحبته في الهجرة وخدمته له فيها تقدم في باب
هجرته واختصاصه براجحيته بالأمة في باب ما دون العشرة واختصاصه براجحيته بالأمة في
باب الثلاثة وأنه لم يسوء النبي صلى الله عليه وسلم قط تقدم في باب ما دون العشرة.
ذكر اختصاصه بأنه لم يكذب النبي صلى الله عليه وسلم
قط
عن ابن عباس قال جاء أبو بكر وعلي يزوران قبر النبي صلى الله
عليه وسلم بعد وفاته بستة أيام فقال علي لأبي بكر تقدم يا خليفة رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال أبو بكر ما كنت لأتقدم رجلاً سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول علي مني كمنزلتي من ربي فقال علي ما كنت لأتقدم رجلاً سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول ما منكم من أحد إلا وقد كذبني غير أبي بكر وما منكم من
أحد يصبح إلا على بابه ظلمة إلا باب أبي بكر فقال أبو بكر سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقوله قال نعم فأخذ أبو بكر بيد علي ودخلا جميعاً خرجه ابن السمان في
الموافقة ولعله على باب قلبه والله أعلم وهو المراد.
ذكر اختصاصه بمؤانسته له صلى الله عليه وسلم في
الغار
وبما كان من شفقته عليه فيه وفي طريقه وإيثاره إياه التنزيل:
"ثاني اثنين إذ هما في الغار" وقد تقدمت أحاديث هذا الذكر في ذكر الغار
مستوفاة وعن ربيعة الأسلمي قال كان بيني وبين أبي بكر كلام فقال لي أبو بكر كلمة
كرهتها وندم فقال يا ربيعة رد علي مثلها حتى يكون قصاصاً قال قلت لا أفعل فقال أبو
بكر لتقولن أو لأستعدين عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما أنا بفاعل قال
فرفض الأرض وانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم وانطلقت تلوه فجاء ناس من أسلم
فقالوا يرحم الله أبا بكر في أي شيء يستعدي عليك وهو الذي قال لك ما قال قلت
أتدرون ما هذا هذا أبو بكر هذا ثاني اثنين إذ هما في الغار إياكم لا يلتفت فيراكم
تنصرونني عليه فيغضب فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغضب لغضبه فيغضب الله
عز وجل لغضبهما فتهلك ربيعة قالوا ما تأمرنا قال ارجعوا قال فانطلق أبو بكر إلى
النبي صلى الله عليه وسلم وتبعته وحدي حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثه
الحديث كما كان فرفع إلي رأسه فقال يا ربيعة ما لك وللصديق قلت يا رسول الله كان
كذا وكذا قال لي كلمة كرهتها فقال لي قل كما قلت حتى يكون قصاصاً فأبيت فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم فلا ترد عليه ولكن قل له غفر الله لك يا أبا بكر فقلت غفر
الله لك يا أبا بكر قال الحسن فولى أبو بكر وهو يبكي خرجه أحمد.
شرح: رفض الأرض برجله ضربها بها تلوه أي أتلوه وأتبعه. وعن القاسم بن محمد بن أبي
بكر الصديق وقد قال في مجلسه رجل ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من موطن
إلا وعلي معه فيه فقال القاسم يا أخي لا تحلف قال هلم قال بلى ما لا ترده قال الله
تعالى: "ثاني اثنين إذ هما في الغار" خرجه أبو عمر.
شرح: هلم بمعنى هات ما عندك استعارة من هلم بمعنى تعال قال الجوهري بفتح الميم
وقال الخليل أصله من قولهم لم الله شعثك أي جمعه كأنه أراد لم نفسك إلينا وها
للتنبيه وحذفت الألف لكثرة الاستعمال وجعل اسمه واحداً يستوي فيه الواحد والجمع
والمذكر والمؤنث في لغة أهل الحجاز قال تعالى: "والقائلين لإخوانهم هلم
إلينا" وأهل نجد يصرفونها فيقولون للاثنين هلما وللجمع هلموا وللمرأة هلمي
وللنساء هلممن والأول أفصح.
ذكر اختصاصه بالسبق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم
الرهان وغداً السباق والغاية الجنة والهالك من يدخل النار أنا الأول وأبو بكر
المصلي وعمر التالي والناس بعد على السنن الأول فالأول أخرجه المهتدي بالله في
مشيخته وقد تقدم في باب الشيخين.
ذكر اختصاصه بإثبات أهلية الخلة
له ولولا أنه صلى الله عليه وسلم خليل الرحمن لاتخذه خليلاً
عن جندب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت
بخمس وهو يقول إني أبرأ إلى الله عز وجل أن يكون لي منكم خليل فإن الله عز وجل قد
اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا
بكر خليلاً تفرد به مسلم.
ذكر أحاديث تدل على ثبوت الخلة له وهي أعظم الخصائص
عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله
اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً وإنه لم يكن نبي إلا له في أمته خليل ألا
وإن خليلي أبو بكر أخرجه الواحدي في تفسيره الوسيط.
ذكر تخصيصه بالأخوة والصحبة
عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو كنت متخذاً
خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أخي وصاحبي وقد اتخذ الله صاحبكم خليلاً خرجه
مسلم وأبو حاتم. وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذاً
خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أخي وصاحبي خرجه البخاري. وفي رواية لو كنت
متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذته خليلاً ولكن أخوة الإسلام أفضل خرجه البخاري.
وسيأتي في ذكر حديث أمن الناس علي أبو بكر طرف منه وأخرجه الحافظ أبو الحسن علي
ابن عمر الحرلي السكري من حديث أبي بن كعب بزيادة ولفظه عن أبي بن كعب أنه قال إن
أحدث عهدي بنبيكم صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بخمس ليال دخلت عليه وهو يقلب يديه
وهو يقول إنه لم يكن نبي إلا وقد اتخذ من أمته خليلاً وإن خليلي من أمتي أبو بكر
بن أبي قحافة ألا وإن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً والأحاديث
النافية لاتخاذ الخلة أثبت وأصح وإن صحت هذه الرواية فيكون قد أذن الله له عند
تبريه من خلة غير الله مع تشوقه لخلة أبي بكر لولا خلة الله في اتخاذه خليلاً
مراعاة لجنوحه إليه وتعظيماً لشأن أبي بكر ولا يكون ذلك انصرافاً عن خلة الله جل
وعلا بل الخلتان ثابتتان كما تضمنه الحديث تشريف للمصطفى صلى الله عليه وسلم
والأخرى تشريف لأبي بكر.
ذكر اختصاصه باستثناء بابه من سد الأبواب الشارعة في المسجد
عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بسد الشوارع في
المسجد إلا باب أبي بكر خرجه الترمذي وأبو حاتم وأخرجه ابن إسحاق وزاد في آخره
فإني لا أعلم رجلاً كان أفضل في الصحبة يداً منه. وعن جبير بن نفير أن أبواباً
كانت مفتحة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بها فسدت غير باب أبي بكر
فقالوا سد أبوابنا غير باب خليله وبلغه ذلك فقام فيهم فقال أتقولون سد أبوابنا
وترك باب خليله ولولا كان لي منكم خليل كان هو خليلي ولكن خليلي الله فهلا أنتم
تاركون لي صاحبي فقد واساني بنفسه وماله وقال لي صدق وقلتم كذب خرجه في فضائله وهو
مرسل وسيأتي في الذكر بعده طرف منه.
ذكر اختصاصه بقوله صلى الله عليه
وسلم في حقه أنه أمن الناس عليه في صحبته وماله فيه طرف من الذكر قبله
عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن
أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر
خليلاً ولكن أخوة الإسلام لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر أخرجاه وأحمد
والترمذي وأبو حاتم. وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في مرضه
الذي مات فيه عاصباً رأسه فجلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إنه ليس من
الناس أحد أمن علي بنفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ولو كنت متخذاً من الناس
خليلاً لاتخذت أبا بكر لكن خلة الإسلام سدوا عني كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي
بكر خرجه أحمد والبخاري وأبو حاتم واللفظ له وقال في قوله سدوا عني كل خوخة إلى
آخره دليل على حسم أطماع الناس كلهم من الخلافة إلا أبا بكر قلت وهذا القول وحده
لا ينهض في الدلالة وإنما بانضمام القرائن الخالية إليه حصلت وذلك بارتقائه المنبر
في حال المرض ومواجهة الناس بذلك وتعريفهم بحق أبي بكر وبفضله بذكر الخلة وذلك
تنبيه على أنه الخليفة من بعده وكان هذا القول كالتوصية لهم به لأنه قرب الموت
ولذلك فهمه الصحابة من القال والحال. عن أبي سعيد قال جلس رسول الله صلى الله عليه
وسلم مرجعه من حجة الوداع على المنبر فقال إن عبداً خيره الله عز وجل بين أن يؤتيه
من زهرة الدنيا ما شاء وعزها والخلد فيها ثم الجنة وبين ما عنده والجنة فاختار ما
عند الله والجنة فبكى أبو بكر وقال فديناك بآبائنا وأمهاتنا فكان رسول الله صلى
الله عليه وسلم هو المخير ولكن لم يفجعنا وكان أبو بكر أعلمنا بالأمور وقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذاً
خليلاً لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام. ثم قال لا يبقين في المسجد إلا خوخة أبي
بكر فعلمنا أنه مستخلفه خرجه الحافظ أبو القاسم الدمشقي وقال صحيح المتن غريب
الإسناد. وعن أبي المعلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أمن الناس
علي.... وساق الحديث بنحو حديث أبي سعيد وقال بعد قوله لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن
ود وإخاء وإيمان مرتين أو ثلاثاً وأن صاحبكم خليل الله خرجه الترمذي والحافظ الدمشقي
وقال صحيح المتن حسن الإسناد واسم أبي المعلي زيد بن لوذان الأنصاري قاله أبو عمر.
وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من أمن الناس علينا في نفسه وذات
يده أبا بكر ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذته ولكن أخوة الإسلام سدوا كل خوخة في
القبلة إلا خوخة أبي بكر خرجه في فضائله فيه دليل بمنطوقه على أن الخوخات المسدودة
كانت في القبلة وبمفهومه على أن في المسجد خوخات غيرها لم تسد. وعن ابن عباس قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحد أعظم عندي يداً من أبي بكر واساني بنفسه
وماله وأنكحني ابنته خرجه في فضائله. وعن سهل قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم إن من أمن الناس علي في صحبته وذات يده أبو بكر الصديق فحبه وشكره وحفظه واجب
على أمتي خرجه الخطيب في تاريخه وصاحب الفضائل.
ذكر اختصاصه بأن النبي صلى الله
عليه وسلم ما نفعه من مال ما نفعه مال أبي بكر
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نفعني
مال قط ما نفعني مال أبو بكر فبكى أبو بكر وقال ما أنا ومالي إلا لك خرجه أحمد
وأبو حاتم وابن ماجه والحافظ الدمشقي في الموافقات. وعن ابن المسيب أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال ما مال رجل من المسلمين أنفع لي من مال أبي بكر قال وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي في مال أبي بكر كما كان يقضي في مال نفسه خرجه
عبد الرزاق في جامعه وصاحب الفضائل والحديث مرسل.
ذكر شهادة علي بن أبي طالب بذلك
وبغيره
عن الشعبي إن أبا بكر نظر إلى علي بن أبي طالب فقال من سره
أن ينظر إلى أقرب الناس قرابة من نبيهم صلى الله عليه وسلم وأعظمهم عنه غناء
وأحفظهم عنده منزلة فلينظر إلى علي بن أبي طالب فقال علي لئن قال هذا إنه لأرأف
الناس وإنه لصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار وإنه لأعظم الناس غناء عن
نبيه صلى الله عليه وسلم في ذات يده خرجه ابن السمان.
ذكر اختصاصه بمكافأة الله تعالى
له عن نبيه صلى الله عليه وسلم
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لأحد
عندنا يد إلا وقد كافيناه بها خلا أبا بكر فإن له عندنا يداً يكافيه الله بها يوم
القيامة خرجه الترمذي وقال حسن غريب.
ذكر اختصاصه بمواساة النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وماله
وأنه لا ظلمة على باب قلبه
عن المقدام بن معد يكرب قال استب عقيل بن أبي طالب وأبو بكر
فأعرض أبو بكر عنه لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه شكاه إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فقام النبي صلى الله عليه وسلم في الناس فقال ألا تدعون لي
صاحبي ما شأنكم وشأنه والله ما منكم رجل إلا على باب قلبه ظلمة إلا قلب أبي بكر
فإنه على بابه النور والله لقد قلتم كذب وقال أبو بكر صدق وأمسكتم الأموال وجاد لي
بماله وخذلتموني وواساني بنفسه خرجه صاحب الفضائل. وهو مروي لنا عن أبي القاسم عبد
الرحمن السبط عن جده الحافظ السلفي بسنده وفيه ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر.
وعن أبي الدرداء قال كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر
آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما صاحبكم
فقد غامر فسلم ثم قال إني كان بيني وبين عمر بن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت
فسألته أن يغفر لي فأبى علي فأقبلت إليك فقال يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثاً ثم
إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فقال أثم هو قالوا لا فأتى النبي صلى الله عليه وسلم
فجعل وجه النبي يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال يا رسول الله أنا كنت
أظلم مرتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله بعثني إليكم فقلتم كذب وقال
أبو بكر صدقت وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركون لي صاحبي مرتين فما أوذي بعدها
انفرد البخاري بإخراجه.
شرح: غامر أي سبق بالخير قاله أبو عبيد وأصله المباطشة في القتال تقول غامرته أي
باطشته فقاتلته وتمعر أي تغير جثى على ركبتيه اعتمد عليهما تقول جثا يجثو ويجثي
جثواً وجثياً. وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر أخي
في الدنيا والآخرة رحم الله أبا بكر وجزاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً
واساني في النفس والمال. خرجه الحافظ السلفي. وعن ابن عمر قال كنت عند النبي صلى
الله عليه وسلم وعنده أبو بكر عليه عباءة قد خلها في صدره بخلال فنزل جبريل فقال
يا محمد مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في صدره بخلال فقال يا جبريل أنفق
ماله علي قبل الفتح قال فإن الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول لك قل له أراض أنت
عني في فقرك هذا أم ساخط فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر إن الله يقرأ
عليك السلام ويقول لك أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط فقال أبو بكر أسخط على ربي
أنا عن ربي راض أنا عن ربي راض أنا عن ربي راض. خرجه الحافظ بن عبيد وصاحب الصفوة
والفضائلي. واحتج بظاهرة من ذهب إلى أن قوله تعالى: "لا يستوي منكم من أنفق
من قبل الفتح وقاتل" الآية نزلت في أبي بكر الحديث الأول هو المصرح بالاختصاص
وما بعده محمول عليه حمل المطلق على المقيد.
ذكر ما جاء في كمية ما أنفق أبو
بكر رضي الله عنه
عن عائشة رضي الله عنها قالت أنفق أبو بكر على النبي صلى
الله عليه وسلم أربعين ألفاً خرجه أبو حاتم. وعن عروة قال أسلم أبو بكر وله أربعون
ألفاً أنفقتها كلها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله. وعن أسماء
بنت أبي بكر قالت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر معه احتمل
أبو بكر ماله كله معه خمسة آلاف درهم أو ستة خرج بها معه. قالت فدخل علينا جدي أبو
قحافة وقد ذهب بصره وقال والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه قالت قلت كلا يا
أبت إنه قد ترك لنا خيراً كثيراً قالت فأخذت أحجاراً فوضعتها في كوة البيت الذي
كان أبي يضع ماله فيه ثم وضعت عليها ثوباً ثم أخذت بيده وقلت يا أبت ضع يدك على
هذا المال قالت فوضع يده عليه قال لا بأس إذا كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن وفي هذا
بلاغ لكم ولا والله ما ترك لنا شيئاً ولكنني أردت أسكن الشيخ بذلك خرجه ابن إسحاق
ولا تضاد بين هذا وبين ما تقدم فإنها لم تقل في هذا أنه جملة ما أنفقه وإنما هو
بقية المال الذي أسلم وهو معه وهو الجملة المتقدمة ثم لم يزل ينفق إلى وقت الهجرة
وقد بقيت تلك البقية فاحتملها معه وترك عياله لا شيء لهم ولعله كان قد خرج عن
جملته فلذلك كان حمل البقية والله أعلم.
ذكر من أعتقه أبو بكر ممن كان
يعذب في الله عز وجل
عن عروة قال أعتق أبو بكر سبعة كانوا يعذبون في الله منهم
بلال وعامر بن فهيرة خرجه أبو عمرو عن هشام بن عروة عن أبيه قال أعتق أبو بكر ممن
كان يعذب في الله تعالى سبعة بلال وعامر بن فهيرة وزبيرة وأم عبيس والنهدية
وابنتها وجارية ابن عمرو بن مؤمل خرجه معاوية الضرير. وعن إسماعيل بن قيس قال
اشترى أبو بكر بلالاً وهو مدقوق بالحجارة بخمس أواق ذهباً وقالوا لو أبيت إلا
أوقية لبعناكه فقال لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته خرجه في الصفوة. قال ابن إسحاق
وكان بلال بن رباح واسم أمه حمامة صادق الإسلام طاهر القلب وكان أمية بن خلف يخرجه
إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على
صلبه ثم يقول له لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى فيقول
وهو في ذلك البلاء أحد أحد قال وكان ورقة بن نوفل يمر به وهو يعذب بذلك وهو يقول
أحد أحد فيقول ورقة أحد أحد والله يا بلال ثم يقبل على أمية بن خلف ومن يصنع ذلك
به من بني جمح فيقول أحلف بالله لئن قتلتموه على هذا لاتخذنه حناناً حتى مر به أبو
بكر بن أبي قحافة وهم يصنعون ذلك به وكانت دار أبي بكر في بني جمح فقال لأمية بن
خلف ألا تتقي الله في هذا المسكين حتى متى قال أنت أفسدته فأنقذه مما ترى فقال أبو
بكر أفعل عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى أعطيكه به قال قد قبلت قال هو لك فأعطاه
أبو بكر غلامه ذلك وأخذه فأعتقه ثم أعتق معه على الإسلام قبل أن يهاجر ست رقاب
بلال سابعهم عامر بن فهيرة وأم عبيس وزبيرة فأصيب بصرها حين أعتقها فقالت قريش ما
أذهب بصرها إلا اللات والعزى فقالت كذبوا وبيت الله ما تضر اللات والعزى وما
تنفعان فرد الله إليها بصرها والنهدية وابنتها وكانتا لامرأة من بني عبد الدار فمر
بهما وقد بعثتها سيدتهما إلى طحين لها وهي تقول والله لا أعتقكما أبداً فقال أبو
بكر حلا يا أم فلان فقالت حلا أنت أفسدتهما فاعتقهما قال فبكم هما قالت بكذا وكذا
قال قد أخذتهما وهما حرتان أرجعا إليها طحينها قالتا أو نفرغ منه يا أبا بكر ثم
نرده قال ذلك إن شئتما ومر بجارية بني مؤمل حي من بني عدي وكانت مسلمة وكان عمر بن
الخطاب يعذبها لتترك الإسلام وهو يومئذ مشرك فيضربها حتى إذا مل قال أعتذر إليك
إني لم أتركك إلا مللاً فتقول كذا فعل الله بك فابتاعها وأعتقها.
شرح: حلا يا أم فلان أي تحللي من يمينك وهو منصوب على المصدر. وعن عمر بن الخطاب
قال أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالاً فقال لأبي بكر إن كنت إنما اشتريتني
لنفسك فأمسكني وإن كنت اشتريتني لله عز وجل فدعني وعمل لله أخرجه البخاري وهذان
الذكران ليسا على مساق ما تقدمهما من الخصائص وإنما اقتضى ذكرهما ما تقدمهما من
الأذكار ومناسبتهما لهن على أنهما من الخصائص إذ لم ينقل أن أحداً من الصحابة فعل
مثل ذلك الفعل قبل الهجرة والله أعلم.
ذكر اختصاصه بأنه أحب الرجال إليه
تقدم في ذلك حديث عمرو بن العاص في باب العشرة خرجه مسلم
وأحمد وأبو حاتم وحديث عائشة في باب ما دون العشرة خرجه الترمذي وقال حسن صحيح.
وعن أنس قال قالوا يا رسول الله أي الناس أحب إليك قال عائشة قالوا إنما نعني من
الرجال قال أبوها خرجه الترمذي وابن ماجه القزويني في سننه وعن عائشة قالت لما
ماتت خديجة جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقالت يا رسول الله ألا تتزوج فقال ومن قالت إن شئت بكراً وإن شئت ثيباً فقال
ومن البكر ومن الثيب قالت أما البكر فابنة أحب خلق الله إليك عائشة بنت أبي بكر
الصديق وأما الثيب فسودة بنت زمعة قد آمنت بك واتبعتك ثم ذكرت قصة تزويجها خرجه
أبو الجهم الباهلي وصاحب الفضائل وسيأتي في فضائل الأزواج في ذكر التزويج.
ذكر اختصاصه بتبسم النبي صلى الله
عليه وسلم إليه يوم الفتح
عن الزهري قال لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم النساء
يلطمن الخيل بالخمر يوم الفتح تبسم إلى أبي بكر خرجه ابن إسحاق.
في خصائصه
وقد تقدم منها طرف جيد في أبواب الأعداد خاصة في باب الشيخين
وتقدم منها أنه أول من أسلم على الاختلاف فيه وأول من أظهر إسلامه وأنه لم يتردد
ولم يتلعثم حين عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام تقدماً في فضل إسلامه
واختصاصه بالصديقية وقد تقدم الكلام فيها في فصل اسمه وأنه أول خطيب دعا إلى الله
تعالى في فصل إسلام أمه وأنه أول من تنشق عنه الأرض بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
تقدم في باب مناقب الشيخين وأنه لم يجتمع لأحد من المهاجرين إسلام أبويه غيره تقدم
فيه أيضاً من حديث علي واختصاصه بصحبته في الهجرة وخدمته له فيها تقدم في باب
هجرته واختصاصه براجحيته بالأمة في باب ما دون العشرة واختصاصه براجحيته بالأمة في
باب الثلاثة وأنه لم يسوء النبي صلى الله عليه وسلم قط تقدم في باب ما دون العشرة.
ذكر اختصاصه بأنه لم يكذب النبي صلى الله عليه وسلم
قط
عن ابن عباس قال جاء أبو بكر وعلي يزوران قبر النبي صلى الله
عليه وسلم بعد وفاته بستة أيام فقال علي لأبي بكر تقدم يا خليفة رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال أبو بكر ما كنت لأتقدم رجلاً سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول علي مني كمنزلتي من ربي فقال علي ما كنت لأتقدم رجلاً سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول ما منكم من أحد إلا وقد كذبني غير أبي بكر وما منكم من
أحد يصبح إلا على بابه ظلمة إلا باب أبي بكر فقال أبو بكر سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقوله قال نعم فأخذ أبو بكر بيد علي ودخلا جميعاً خرجه ابن السمان في
الموافقة ولعله على باب قلبه والله أعلم وهو المراد.
ذكر اختصاصه بمؤانسته له صلى الله عليه وسلم في
الغار
وبما كان من شفقته عليه فيه وفي طريقه وإيثاره إياه التنزيل:
"ثاني اثنين إذ هما في الغار" وقد تقدمت أحاديث هذا الذكر في ذكر الغار
مستوفاة وعن ربيعة الأسلمي قال كان بيني وبين أبي بكر كلام فقال لي أبو بكر كلمة
كرهتها وندم فقال يا ربيعة رد علي مثلها حتى يكون قصاصاً قال قلت لا أفعل فقال أبو
بكر لتقولن أو لأستعدين عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما أنا بفاعل قال
فرفض الأرض وانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم وانطلقت تلوه فجاء ناس من أسلم
فقالوا يرحم الله أبا بكر في أي شيء يستعدي عليك وهو الذي قال لك ما قال قلت
أتدرون ما هذا هذا أبو بكر هذا ثاني اثنين إذ هما في الغار إياكم لا يلتفت فيراكم
تنصرونني عليه فيغضب فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغضب لغضبه فيغضب الله
عز وجل لغضبهما فتهلك ربيعة قالوا ما تأمرنا قال ارجعوا قال فانطلق أبو بكر إلى
النبي صلى الله عليه وسلم وتبعته وحدي حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثه
الحديث كما كان فرفع إلي رأسه فقال يا ربيعة ما لك وللصديق قلت يا رسول الله كان
كذا وكذا قال لي كلمة كرهتها فقال لي قل كما قلت حتى يكون قصاصاً فأبيت فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم فلا ترد عليه ولكن قل له غفر الله لك يا أبا بكر فقلت غفر
الله لك يا أبا بكر قال الحسن فولى أبو بكر وهو يبكي خرجه أحمد.
شرح: رفض الأرض برجله ضربها بها تلوه أي أتلوه وأتبعه. وعن القاسم بن محمد بن أبي
بكر الصديق وقد قال في مجلسه رجل ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من موطن
إلا وعلي معه فيه فقال القاسم يا أخي لا تحلف قال هلم قال بلى ما لا ترده قال الله
تعالى: "ثاني اثنين إذ هما في الغار" خرجه أبو عمر.
شرح: هلم بمعنى هات ما عندك استعارة من هلم بمعنى تعال قال الجوهري بفتح الميم
وقال الخليل أصله من قولهم لم الله شعثك أي جمعه كأنه أراد لم نفسك إلينا وها
للتنبيه وحذفت الألف لكثرة الاستعمال وجعل اسمه واحداً يستوي فيه الواحد والجمع
والمذكر والمؤنث في لغة أهل الحجاز قال تعالى: "والقائلين لإخوانهم هلم
إلينا" وأهل نجد يصرفونها فيقولون للاثنين هلما وللجمع هلموا وللمرأة هلمي
وللنساء هلممن والأول أفصح.
ذكر اختصاصه بالسبق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم
الرهان وغداً السباق والغاية الجنة والهالك من يدخل النار أنا الأول وأبو بكر
المصلي وعمر التالي والناس بعد على السنن الأول فالأول أخرجه المهتدي بالله في
مشيخته وقد تقدم في باب الشيخين.
ذكر اختصاصه بإثبات أهلية الخلة
له ولولا أنه صلى الله عليه وسلم خليل الرحمن لاتخذه خليلاً
عن جندب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت
بخمس وهو يقول إني أبرأ إلى الله عز وجل أن يكون لي منكم خليل فإن الله عز وجل قد
اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا
بكر خليلاً تفرد به مسلم.
ذكر أحاديث تدل على ثبوت الخلة له وهي أعظم الخصائص
عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله
اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً وإنه لم يكن نبي إلا له في أمته خليل ألا
وإن خليلي أبو بكر أخرجه الواحدي في تفسيره الوسيط.
ذكر تخصيصه بالأخوة والصحبة
عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو كنت متخذاً
خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أخي وصاحبي وقد اتخذ الله صاحبكم خليلاً خرجه
مسلم وأبو حاتم. وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذاً
خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أخي وصاحبي خرجه البخاري. وفي رواية لو كنت
متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذته خليلاً ولكن أخوة الإسلام أفضل خرجه البخاري.
وسيأتي في ذكر حديث أمن الناس علي أبو بكر طرف منه وأخرجه الحافظ أبو الحسن علي
ابن عمر الحرلي السكري من حديث أبي بن كعب بزيادة ولفظه عن أبي بن كعب أنه قال إن
أحدث عهدي بنبيكم صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بخمس ليال دخلت عليه وهو يقلب يديه
وهو يقول إنه لم يكن نبي إلا وقد اتخذ من أمته خليلاً وإن خليلي من أمتي أبو بكر
بن أبي قحافة ألا وإن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً والأحاديث
النافية لاتخاذ الخلة أثبت وأصح وإن صحت هذه الرواية فيكون قد أذن الله له عند
تبريه من خلة غير الله مع تشوقه لخلة أبي بكر لولا خلة الله في اتخاذه خليلاً
مراعاة لجنوحه إليه وتعظيماً لشأن أبي بكر ولا يكون ذلك انصرافاً عن خلة الله جل
وعلا بل الخلتان ثابتتان كما تضمنه الحديث تشريف للمصطفى صلى الله عليه وسلم
والأخرى تشريف لأبي بكر.
ذكر اختصاصه باستثناء بابه من سد الأبواب الشارعة في المسجد
عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بسد الشوارع في
المسجد إلا باب أبي بكر خرجه الترمذي وأبو حاتم وأخرجه ابن إسحاق وزاد في آخره
فإني لا أعلم رجلاً كان أفضل في الصحبة يداً منه. وعن جبير بن نفير أن أبواباً
كانت مفتحة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بها فسدت غير باب أبي بكر
فقالوا سد أبوابنا غير باب خليله وبلغه ذلك فقام فيهم فقال أتقولون سد أبوابنا
وترك باب خليله ولولا كان لي منكم خليل كان هو خليلي ولكن خليلي الله فهلا أنتم
تاركون لي صاحبي فقد واساني بنفسه وماله وقال لي صدق وقلتم كذب خرجه في فضائله وهو
مرسل وسيأتي في الذكر بعده طرف منه.
ذكر اختصاصه بقوله صلى الله عليه
وسلم في حقه أنه أمن الناس عليه في صحبته وماله فيه طرف من الذكر قبله
عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن
أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر
خليلاً ولكن أخوة الإسلام لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر أخرجاه وأحمد
والترمذي وأبو حاتم. وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في مرضه
الذي مات فيه عاصباً رأسه فجلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إنه ليس من
الناس أحد أمن علي بنفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ولو كنت متخذاً من الناس
خليلاً لاتخذت أبا بكر لكن خلة الإسلام سدوا عني كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي
بكر خرجه أحمد والبخاري وأبو حاتم واللفظ له وقال في قوله سدوا عني كل خوخة إلى
آخره دليل على حسم أطماع الناس كلهم من الخلافة إلا أبا بكر قلت وهذا القول وحده
لا ينهض في الدلالة وإنما بانضمام القرائن الخالية إليه حصلت وذلك بارتقائه المنبر
في حال المرض ومواجهة الناس بذلك وتعريفهم بحق أبي بكر وبفضله بذكر الخلة وذلك
تنبيه على أنه الخليفة من بعده وكان هذا القول كالتوصية لهم به لأنه قرب الموت
ولذلك فهمه الصحابة من القال والحال. عن أبي سعيد قال جلس رسول الله صلى الله عليه
وسلم مرجعه من حجة الوداع على المنبر فقال إن عبداً خيره الله عز وجل بين أن يؤتيه
من زهرة الدنيا ما شاء وعزها والخلد فيها ثم الجنة وبين ما عنده والجنة فاختار ما
عند الله والجنة فبكى أبو بكر وقال فديناك بآبائنا وأمهاتنا فكان رسول الله صلى
الله عليه وسلم هو المخير ولكن لم يفجعنا وكان أبو بكر أعلمنا بالأمور وقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذاً
خليلاً لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام. ثم قال لا يبقين في المسجد إلا خوخة أبي
بكر فعلمنا أنه مستخلفه خرجه الحافظ أبو القاسم الدمشقي وقال صحيح المتن غريب
الإسناد. وعن أبي المعلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أمن الناس
علي.... وساق الحديث بنحو حديث أبي سعيد وقال بعد قوله لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن
ود وإخاء وإيمان مرتين أو ثلاثاً وأن صاحبكم خليل الله خرجه الترمذي والحافظ الدمشقي
وقال صحيح المتن حسن الإسناد واسم أبي المعلي زيد بن لوذان الأنصاري قاله أبو عمر.
وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من أمن الناس علينا في نفسه وذات
يده أبا بكر ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذته ولكن أخوة الإسلام سدوا كل خوخة في
القبلة إلا خوخة أبي بكر خرجه في فضائله فيه دليل بمنطوقه على أن الخوخات المسدودة
كانت في القبلة وبمفهومه على أن في المسجد خوخات غيرها لم تسد. وعن ابن عباس قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحد أعظم عندي يداً من أبي بكر واساني بنفسه
وماله وأنكحني ابنته خرجه في فضائله. وعن سهل قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم إن من أمن الناس علي في صحبته وذات يده أبو بكر الصديق فحبه وشكره وحفظه واجب
على أمتي خرجه الخطيب في تاريخه وصاحب الفضائل.
ذكر اختصاصه بأن النبي صلى الله
عليه وسلم ما نفعه من مال ما نفعه مال أبي بكر
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نفعني
مال قط ما نفعني مال أبو بكر فبكى أبو بكر وقال ما أنا ومالي إلا لك خرجه أحمد
وأبو حاتم وابن ماجه والحافظ الدمشقي في الموافقات. وعن ابن المسيب أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال ما مال رجل من المسلمين أنفع لي من مال أبي بكر قال وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي في مال أبي بكر كما كان يقضي في مال نفسه خرجه
عبد الرزاق في جامعه وصاحب الفضائل والحديث مرسل.
ذكر شهادة علي بن أبي طالب بذلك
وبغيره
عن الشعبي إن أبا بكر نظر إلى علي بن أبي طالب فقال من سره
أن ينظر إلى أقرب الناس قرابة من نبيهم صلى الله عليه وسلم وأعظمهم عنه غناء
وأحفظهم عنده منزلة فلينظر إلى علي بن أبي طالب فقال علي لئن قال هذا إنه لأرأف
الناس وإنه لصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار وإنه لأعظم الناس غناء عن
نبيه صلى الله عليه وسلم في ذات يده خرجه ابن السمان.
ذكر اختصاصه بمكافأة الله تعالى
له عن نبيه صلى الله عليه وسلم
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لأحد
عندنا يد إلا وقد كافيناه بها خلا أبا بكر فإن له عندنا يداً يكافيه الله بها يوم
القيامة خرجه الترمذي وقال حسن غريب.
ذكر اختصاصه بمواساة النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وماله
وأنه لا ظلمة على باب قلبه
عن المقدام بن معد يكرب قال استب عقيل بن أبي طالب وأبو بكر
فأعرض أبو بكر عنه لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه شكاه إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فقام النبي صلى الله عليه وسلم في الناس فقال ألا تدعون لي
صاحبي ما شأنكم وشأنه والله ما منكم رجل إلا على باب قلبه ظلمة إلا قلب أبي بكر
فإنه على بابه النور والله لقد قلتم كذب وقال أبو بكر صدق وأمسكتم الأموال وجاد لي
بماله وخذلتموني وواساني بنفسه خرجه صاحب الفضائل. وهو مروي لنا عن أبي القاسم عبد
الرحمن السبط عن جده الحافظ السلفي بسنده وفيه ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر.
وعن أبي الدرداء قال كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر
آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما صاحبكم
فقد غامر فسلم ثم قال إني كان بيني وبين عمر بن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت
فسألته أن يغفر لي فأبى علي فأقبلت إليك فقال يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثاً ثم
إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فقال أثم هو قالوا لا فأتى النبي صلى الله عليه وسلم
فجعل وجه النبي يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال يا رسول الله أنا كنت
أظلم مرتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله بعثني إليكم فقلتم كذب وقال
أبو بكر صدقت وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركون لي صاحبي مرتين فما أوذي بعدها
انفرد البخاري بإخراجه.
شرح: غامر أي سبق بالخير قاله أبو عبيد وأصله المباطشة في القتال تقول غامرته أي
باطشته فقاتلته وتمعر أي تغير جثى على ركبتيه اعتمد عليهما تقول جثا يجثو ويجثي
جثواً وجثياً. وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر أخي
في الدنيا والآخرة رحم الله أبا بكر وجزاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً
واساني في النفس والمال. خرجه الحافظ السلفي. وعن ابن عمر قال كنت عند النبي صلى
الله عليه وسلم وعنده أبو بكر عليه عباءة قد خلها في صدره بخلال فنزل جبريل فقال
يا محمد مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في صدره بخلال فقال يا جبريل أنفق
ماله علي قبل الفتح قال فإن الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول لك قل له أراض أنت
عني في فقرك هذا أم ساخط فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر إن الله يقرأ
عليك السلام ويقول لك أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط فقال أبو بكر أسخط على ربي
أنا عن ربي راض أنا عن ربي راض أنا عن ربي راض. خرجه الحافظ بن عبيد وصاحب الصفوة
والفضائلي. واحتج بظاهرة من ذهب إلى أن قوله تعالى: "لا يستوي منكم من أنفق
من قبل الفتح وقاتل" الآية نزلت في أبي بكر الحديث الأول هو المصرح بالاختصاص
وما بعده محمول عليه حمل المطلق على المقيد.
ذكر ما جاء في كمية ما أنفق أبو
بكر رضي الله عنه
عن عائشة رضي الله عنها قالت أنفق أبو بكر على النبي صلى
الله عليه وسلم أربعين ألفاً خرجه أبو حاتم. وعن عروة قال أسلم أبو بكر وله أربعون
ألفاً أنفقتها كلها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله. وعن أسماء
بنت أبي بكر قالت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر معه احتمل
أبو بكر ماله كله معه خمسة آلاف درهم أو ستة خرج بها معه. قالت فدخل علينا جدي أبو
قحافة وقد ذهب بصره وقال والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه قالت قلت كلا يا
أبت إنه قد ترك لنا خيراً كثيراً قالت فأخذت أحجاراً فوضعتها في كوة البيت الذي
كان أبي يضع ماله فيه ثم وضعت عليها ثوباً ثم أخذت بيده وقلت يا أبت ضع يدك على
هذا المال قالت فوضع يده عليه قال لا بأس إذا كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن وفي هذا
بلاغ لكم ولا والله ما ترك لنا شيئاً ولكنني أردت أسكن الشيخ بذلك خرجه ابن إسحاق
ولا تضاد بين هذا وبين ما تقدم فإنها لم تقل في هذا أنه جملة ما أنفقه وإنما هو
بقية المال الذي أسلم وهو معه وهو الجملة المتقدمة ثم لم يزل ينفق إلى وقت الهجرة
وقد بقيت تلك البقية فاحتملها معه وترك عياله لا شيء لهم ولعله كان قد خرج عن
جملته فلذلك كان حمل البقية والله أعلم.
ذكر من أعتقه أبو بكر ممن كان
يعذب في الله عز وجل
عن عروة قال أعتق أبو بكر سبعة كانوا يعذبون في الله منهم
بلال وعامر بن فهيرة خرجه أبو عمرو عن هشام بن عروة عن أبيه قال أعتق أبو بكر ممن
كان يعذب في الله تعالى سبعة بلال وعامر بن فهيرة وزبيرة وأم عبيس والنهدية
وابنتها وجارية ابن عمرو بن مؤمل خرجه معاوية الضرير. وعن إسماعيل بن قيس قال
اشترى أبو بكر بلالاً وهو مدقوق بالحجارة بخمس أواق ذهباً وقالوا لو أبيت إلا
أوقية لبعناكه فقال لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته خرجه في الصفوة. قال ابن إسحاق
وكان بلال بن رباح واسم أمه حمامة صادق الإسلام طاهر القلب وكان أمية بن خلف يخرجه
إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على
صلبه ثم يقول له لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى فيقول
وهو في ذلك البلاء أحد أحد قال وكان ورقة بن نوفل يمر به وهو يعذب بذلك وهو يقول
أحد أحد فيقول ورقة أحد أحد والله يا بلال ثم يقبل على أمية بن خلف ومن يصنع ذلك
به من بني جمح فيقول أحلف بالله لئن قتلتموه على هذا لاتخذنه حناناً حتى مر به أبو
بكر بن أبي قحافة وهم يصنعون ذلك به وكانت دار أبي بكر في بني جمح فقال لأمية بن
خلف ألا تتقي الله في هذا المسكين حتى متى قال أنت أفسدته فأنقذه مما ترى فقال أبو
بكر أفعل عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى أعطيكه به قال قد قبلت قال هو لك فأعطاه
أبو بكر غلامه ذلك وأخذه فأعتقه ثم أعتق معه على الإسلام قبل أن يهاجر ست رقاب
بلال سابعهم عامر بن فهيرة وأم عبيس وزبيرة فأصيب بصرها حين أعتقها فقالت قريش ما
أذهب بصرها إلا اللات والعزى فقالت كذبوا وبيت الله ما تضر اللات والعزى وما
تنفعان فرد الله إليها بصرها والنهدية وابنتها وكانتا لامرأة من بني عبد الدار فمر
بهما وقد بعثتها سيدتهما إلى طحين لها وهي تقول والله لا أعتقكما أبداً فقال أبو
بكر حلا يا أم فلان فقالت حلا أنت أفسدتهما فاعتقهما قال فبكم هما قالت بكذا وكذا
قال قد أخذتهما وهما حرتان أرجعا إليها طحينها قالتا أو نفرغ منه يا أبا بكر ثم
نرده قال ذلك إن شئتما ومر بجارية بني مؤمل حي من بني عدي وكانت مسلمة وكان عمر بن
الخطاب يعذبها لتترك الإسلام وهو يومئذ مشرك فيضربها حتى إذا مل قال أعتذر إليك
إني لم أتركك إلا مللاً فتقول كذا فعل الله بك فابتاعها وأعتقها.
شرح: حلا يا أم فلان أي تحللي من يمينك وهو منصوب على المصدر. وعن عمر بن الخطاب
قال أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالاً فقال لأبي بكر إن كنت إنما اشتريتني
لنفسك فأمسكني وإن كنت اشتريتني لله عز وجل فدعني وعمل لله أخرجه البخاري وهذان
الذكران ليسا على مساق ما تقدمهما من الخصائص وإنما اقتضى ذكرهما ما تقدمهما من
الأذكار ومناسبتهما لهن على أنهما من الخصائص إذ لم ينقل أن أحداً من الصحابة فعل
مثل ذلك الفعل قبل الهجرة والله أعلم.
ذكر اختصاصه بأنه أحب الرجال إليه
تقدم في ذلك حديث عمرو بن العاص في باب العشرة خرجه مسلم
وأحمد وأبو حاتم وحديث عائشة في باب ما دون العشرة خرجه الترمذي وقال حسن صحيح.
وعن أنس قال قالوا يا رسول الله أي الناس أحب إليك قال عائشة قالوا إنما نعني من
الرجال قال أبوها خرجه الترمذي وابن ماجه القزويني في سننه وعن عائشة قالت لما
ماتت خديجة جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقالت يا رسول الله ألا تتزوج فقال ومن قالت إن شئت بكراً وإن شئت ثيباً فقال
ومن البكر ومن الثيب قالت أما البكر فابنة أحب خلق الله إليك عائشة بنت أبي بكر
الصديق وأما الثيب فسودة بنت زمعة قد آمنت بك واتبعتك ثم ذكرت قصة تزويجها خرجه
أبو الجهم الباهلي وصاحب الفضائل وسيأتي في فضائل الأزواج في ذكر التزويج.
ذكر اختصاصه بتبسم النبي صلى الله
عليه وسلم إليه يوم الفتح
عن الزهري قال لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم النساء
يلطمن الخيل بالخمر يوم الفتح تبسم إلى أبي بكر خرجه ابن إسحاق.
مواضيع مماثلة
» تنبؤات المزامير بنجاة المسيح من الصلب المزمور التاسع والستون :
» تنبؤات المزامير بنجاة المسيح من الصلب المزمور التاسع بعد المائة :
» الفصل الخامس في ذكر من أسلم على يديه
» الفصل الثامن في هجرته مع النبي
» الفصل الثالث عشر في ذكر خلافته وما يتعلق بها
» تنبؤات المزامير بنجاة المسيح من الصلب المزمور التاسع بعد المائة :
» الفصل الخامس في ذكر من أسلم على يديه
» الفصل الثامن في هجرته مع النبي
» الفصل الثالث عشر في ذكر خلافته وما يتعلق بها
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى